إلى متى ستبقى الأزمات بدون حلول ؟

بقلم: رامي الغف

السياسة اشبه بسفينة ربانها القوى والفصائل الوطنية والسياسية وركابها ابناء الشعب فكلما كان ربان السفينة مقتدرا في عمله يصل بها الى بر الامان، وتجد ركاب السفينة اكثر الناس اطاعة للأوامر من اجل ضمان سلامة الوصول الى بر الامان، ولكن رحلة سفينة السياسة الفلسطينية هذه هي المرة تلاطمتها امواج الازمات حتى بات لا يعرف لا ربانها ولا ركابها هل سيصلون الى بر الامان ام انه من الممكن ان تغرق في أي لحظة وتكون الخسارة كبيرة وهذا ما لا يتمناه كلا الطرفان.

وللأسف فإن مجرى البحر الذي كانت تسري فيه سفينة السياسة لم يكن هذا مسارها وإنما تعدد الآراء والاختلاف في قيادة هذه السفينة قادها الى هذا المسار لان الاطراف التي تصارعت من اجل الامساك بالدفة كلاهما تركها لوهلة من الزمن فكانت النتيجة ما نحن ونعيشه ايامنا هذه ولا زال الاطراف المتصارعة على الدفة هي في نفس صراعها غير منتبهه الى مسار السفينة والى حال ركابها وما يدور في عقولهم وقلوبهم من مخاوف وشكوك وبالتالي فأنه وبمجرد وصول السفينة الى بر الامان بكل تأكيد لن يصعد ركابها فيها مجددا طالما كانت نفس الوجوه في القيادة وسوف يبحث الركاب عن قائدا جديدا ليقود سفينتهم لعله يصل بهم الى بر الامان وبقيادة اكثر دقة مما تجري الان وبالتالي فأن الراكب قد في السفرة القادمة ربانا واحدا ليقود المركب وبالتأكيد سوف يكون محل ثقة الركاب وسوف يدعمونه و ينفذون ما يطلبه منهم حرصا منهم على سلامتهم اولا وخوفا على سفينتهم من الغرق في بحر الازمات من جديد.

والاكثر خوفا هو تعرض المركب الى عطل او اصابة لا سامح الله لا يمكن ان تصلح وبالتالي غرق سفينة العملية السياسية الجديدة وعودة الركب التالف السابق وهو مركب الدكتاتورية والتسلطية من جديد وهو ما لا يرغب ولا يريده الشعب بتاتا ولكن ان لم يجد ما ينقله في رحلته القادمة فقد يكون هذا هو الحل الوحيد الذي يكون امامه.

لا يمكن لعاقل في هذا الوطن ان لا يعترف ان الأمور وصلت فيه الى حد فاق جميع ألوان خطوط التحذير ودرجات الخطورة وبات يهدد بوصول الإحداث الى ما لا يتمناه المبتلين وغير المنتفعين على هذه الأرض المنكوبة والمبتلاة بصناع للازمات دون النظر الى ما يمكن ان تتركه من اثار وما يمكن ان تخلفه من نتائج سيدفع ثمنها الأبرياء وحدهم وليس من باستطاعتهم حمل حقائبهم وترك الأرض ان احترقت بأهلها.

لقد ابتلى هذا الوطن وساكنيه بمسؤولين لا تستطيع العيش دون أزمات ومشاكل وحروب وقتل وجوع وتهجير وتشريد وشعارات رنانه لا تسمن ولا تغني من جوع، وأناشيد وأهازيج تفوح منها رائحة الموت والدمار والهلاك والخراب، لا يجيد أولئك المسؤولين منذ حدوث الانقسام التفكير بكيفية انصاف الناس ومحاولة بناء الوطن والمواطن اللذان تهدمت فيهما الكثير من الأمور الى الحد الذي وصلنا فيه الى رفع صور رؤساء دول اجنبية وعربية وإقليمية ربما تكون معادية في سبيل أغاظة شخص او حزب او جهة ما.

هؤلاء المسؤولون لا يفكرون بكيفية انتشال هذا الوطن ومواطنيه من الواقع المرير الذي وصلوا اليه بل يحاولون وبإصرار غريب ومستنكر المبالغة في اغراقه في وحل ومستنقع تغطيه ادران وشوائب مصطبغة بألوان الحرص على الحزبية المقيتة تدفعها أجندة مجهولة ربما لا يستطيع الكثير الجزم بمصدرها ليفتحوا الأبواب على مصراعيها لتدخلات من أقوام وبلدان ودوائر كانت تحلم ان تطأ إقدامها ارض الوطن للزيارة فقط.

يوما بعد اخر والأزمات في هذا الوطن اشبه بماكنة تفقيس، مشكلة تلد اخرى، حتى قبل ان تحسم المشكلة السابقة تظهر لنا ازمة جديدة تغطي على السابقة دون ان تحل تلك ولتظهر ازمة ثالثة ورابعة وخامسة دون حل للأولى والثانية وهكذا العملية مستمرة وإنتاج الأزمات دائم والملفات في تزايد.

من يحاول إيجاد الحلول لهذه الأزمات سيعجز بكل تأكيد رغم ان البعض من الخيرين يواصلون الجهود، ولكن لأي منها سيعالجون وهم يمتلكون، رقع محدودة لفتق يتوسع يوما بعد اخر، لتصبح تلك الحلول كمن يدق المسامير في حائط من القش لعدم اكتراث أطراف تلك الأزمات باتساع الحريق غير مبالين حتى بوصوله الى ديارهم ان كانوا يعيرون أهمية لهذه الديار التي أوجدتها أموال لم يبذلوا فيها جهدا وجاءت بطرق ليس للشرعية فيها يد.

أطراف الصراعات الذين تجد صورهم وهم متعانقون وضاحكون فيما بينهم وتجمعهم الولائم ويتواصلون ليل نهار، ينقلبون في لحظات الى إبطال وطنيون تحت لافتات وأقوال وشعارات وطنية تحاول الكسب الشعبي دون الالتفات الى ما يمكن ان تجره تلك الأفعال والأقوال من ويلات ربما تحول ساحات الوطن الى ساحة معركة يسقط فيها محمد واحمد وجورج وإلياس ضحايا والنتيجة دم فلسطيني يراق بيد فلسطينية نتيجة تصعيد من افواه تدعي الفلسطينية والوطنية والحرص على الوطن.

هنا لابد ان يتوقف صناع القرار الحقيقيون ونقصد بهم ابناء الشعب الفلسطيني بوجه صناع الازمات ليضعوا لهم حدا ويجبروهم بدون استخدام العنف على احترام الوطن والمواطن وعدم اعطاء الفرصة لمن يلتزم فقط بما يخدم مصالحه ولا يبالي بما هو غير ذلك لأن يتمادى بالاستخفاف بهذا الوطن ومن اجل استمرار المسيرة بما يبني فلسطين وينفع الفلسطينيون.

بقلم/ رامي الغف*

*كاتب وباحث سياسي