نحو إستراتيجية نضالية وطنية موحدة ...!

بقلم: عبد الرحيم محمود جاموس

لقد كشف (قانون القومية اليهودية) لدولة الكيان الصهيوني عن الوجه العنصري لهذا الكيان دون مواربة حيث أقر برلمان (الكنيست) هذا القانون صيف هذا العام بأغلبية بسيطة 62 صوت من أصل 120 ومعارضة 56 صوت وإمتناع صوتين، ليس هو هذا القانون العنصري الوحيد في منظومة القوانين والقرارات التي أسست لهذا الكيان العنصري وإنما هو القانون الذي شرعن ودَّستر الطبيعة العنصرية لهذا الكيان حين منح هذا القانون مرتبة (قانون أساس) أي لا يجوز أن يصدر أي قانون ينقض أو يتعارض مع روح هذا القانون العنصري الذي يقصر حق المواطنة وحق تقرير المصير في الدولة على اليهودي واليهود دون سواهم في دولة هذا الكيان الغاصب والإستعماري ...!

إنه يترتب على إقرار هذا القانون وتطبيقه وممارسته عدة أمور جوهرية تتعلق بالفلسطينيين أفراداً وشعباً أينما تواجدوا منها ما يلي:

أولاً: إفقاد الفلسطينيين الصامدين في قراهم ومدنهم المحتلة عام 1948م حق المساواة في المواطنة مع غيرهم من اليهود المستوطنين في داخل حدود الكيان، وبالتالي تهديد حقهم في إستمرار المواطنة في قراهم ومدنهم وهم المواطنين الأصليين في الإقليم الذي قام وأنشئ عليه كيان الإغتصاب الصهيوني الإستعماري ..

ثانياً: هذا القانون يبيح لأي يهودي في العالم بغض النظر عن جنسيته أو قوميته الحقيقية أن يعود إليه ليستوطن في هذا الكيان الغاصب العنصري ويعطيه حق المواطنة الأصلية في حين يسقطها عن أي إنسان آخر لا يدين بالديانة اليهودية ..

ثالثاً: هذا القانون يشكل سداً قانونياً عنصرياً في وجه اللاجئين الفلسطينيين من ممارسة حقهم في العودة إلى موطنهم الأصلي إلى قراهم ومدنهم التي هجروا منها عام 1948م ويمثل تحدياً سافراً للقرار الأممي رقم 194 لسنة 1948م الذي يؤكد حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم، وهذا القرار الذي يجري التأكيد عليه سنوياً في قرارات الجمعية العامة، وهنا يبرز التحدي العنصري الصهيوني في هذا القانون للمجتمع الدولي وللقانون الدولي الإنساني الذي يحمي حقوق اللاجئين الأولية وهو حقهم في العودة إلى موطنهم.

رابعاً: حق تقرير المصير في فلسطين المحتلة يقتصر في هذا القانون على (القومية اليهودية) وعلى (الشعب اليهودي) وبالتالي يشرعن هذا القانون لإسقاط حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره فوق ترابه الوطني إقليم فلسطين وإعتبار إقليم فلسطين (أرض إسرائيل) فقط وبالتالي يقتصر حق تقرير المصير عليها (للشعب اليهودي) الأكذوبة التي صنعها الإستعمار ..

إن هذا التحدي الصهيوني الإستعماري العنصري الذي يزداد شراسة يوماً بعد يوم في مواجهة الشعب الفلسطيني على إختلاف أماكن تواجده، ويزداد رفضاً وتعنتاً للإقرار بحقوقه المشروعة والثابتة تاريخياً وإجتماعياً وقانونياً، وهي غير قابلة للتصرف، تفرض على الشعب الفلسطيني بكل قواه الحية وفي كافة أماكن تواجده سواء داخل الأراضي المحتلة 1948م أو المحتلة عام 1967م أو في الشتات وفي مخيمات اللاجئين في الوطن وفي الخارج توحيد نضالها الوطني لمواجهة هذا الكيان الغاصب وفرض حقوقه المشروعة عليه وعلى العالم على أرض الواقع، ولذا فإنني أعتبر الدعوة للإضراب الشامل التي ينفذها اليوم الشعب الفلسطيني في كافة أرجاء فلسطين المحتلة من النقب إلى الجليل إلى القدس والضفة الغربية إلى قطاع غزة إحتجاجاً ورفضاً لهذا القانون العنصري هي بداية تحرك شعبي وطني، يجب أن يؤسس لإستراتيجية نضالية موحدة للشعب الفلسطيني تصون حقوقه المشروعة في مقدمتها حقه في المساواة وحقه في العودة وحقه في تقرير المصير في وطنه فلسطين، والسعي لإسقاط هذا القانون العنصري، بل وإسقاط المؤسسة الصهيونية القائمة على أساس هذا الفكر الإستعماري الإستيطاني العنصري المنافي للفطرة البشرية والمناقض لأبسط المفاهيم القانونية والإنسانية التي حكمت نشأة الدول وتطورها، فالدولة هي دولة مواطنيها بغض النظر على جنس أو لون أو دين هذا المواطن أو ذاك ..

وهنا نؤكد على وحدة الشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده حول أهدافه وحقوقه الوطنية المشروعة في وطنه أسوة بحقوق كل الشعوب في أوطانها، كما نؤكد على ضرورة تطوير إستراتيجية موحدة للنضال الوطني الفلسطيني تأخذ بعين الإعتبار كافة المستويات والأبعاد الوطنية والقومية والدولية، حتى يتمكن هذا النضال من دحر هذا الكيان العنصري وإسقاطه وإسقاط كافة منظومته القانونية التي تكرس فيه صفة التمييز والفصل العنصري، حتى يواجه المصير الذي واجهه نظام الفصل العنصري البائد في جنوب إفريقيا، وإننا على يقين أن العالم يرفض تكرر تجربة نظام الفصل العنصري هذه المرة في فلسطين، إن كيان الإستعمار العنصري عابر وزائل لا محالة، والنضال من أجل عودة الحياة الفطرية الطبيعية لإقليم فلسطين المحررة (دولة ديمقراطية) يتساوى فيها جميع المواطنين على إختلاف ألوانهم وأجناسهم ومعتقداتهم هي البديل القادم لهذا الوضع الإستعماري العنصري الشائن.

بقلم/ د. عبد الرحيم جاموس