عن المصير العربي المشترك

بقلم: احمد يوسف

ناقشت يوم الخميس الماضي الأفكار المنسوبة للدكتور يوسف زيدان التي تضمنتها كلمته بمناسبة افتتاح المنتدى الذي يحمل اسمه، وملخص هذه الأفكار أن القول بأن العرب يجمعهم تاريخ مشترك ومصير واحد ومساحة جغرافية واحدة محض أكاذيب، وقد تضمنت مقالة الأسبوع الماضي تعليقاً مخالفاً لهذا الرأي فيما يتعلق بوحدة الجغرافيا العربية والتاريخ العربي المشترك، وبقي أن أُعلق اليوم على أُكذوبة المصير المشترك، فقد تساءل الدكتور زيدان في معرض إثبات زيف الادعاء بوجود مصير عربي واحد: هل الشخص الذي يعاني اليوم في إقليم دارفور مثل الذي يشكو الملل في بلد خليجي لأنه استنفد المتع جميعها؟ هذا عربي وذاك عربي لكن مصيرهما ليس واحداً، ولهذا فإن العرب لا يجمعهم سوى اللغة، وهي الضامن الوحيد لبقائهم في الزمن القادم.

وكما هو واضح فإن التحليل السابق يوظف التناقضات بين بلدان الوطن العربي لدحض فكرة المصير المشترك، وهنا لابد من التذكير بأن هذه التناقضات موجودة داخل كل بلد، فإلى جانب صاحبنا الخليجي الذي يشكو الملل لأنه استنفد المتع جميعها يوجد خليجيون كُثر يعملون ويجدون من أجل ضمان مستوى معيشة لائق وبناء نهضة حقيقية في أوطانهم تقيهم شر ما بعد النفط، وإلى جانب صاحبنا الذي يعاني أوضاعا بالغة القسوة في دارفور توجد نخبة فاحشة الثراء بسبب الخلل في النظام الاقتصادي وتغول الفساد، وينطبق هذا التحليل على البلدان العربية بل بلدان العالم كافة، ولو كانت التناقضات الاجتماعية تنفي المصير المشترك لما كان للدول بدورها مصير مشترك، وقد يؤثر الظلم الاجتماعي على قوة الشعور الوطني أو القومي لكنه لا يلغيه بدليل أن التباينات الاجتماعية كانت موجودة دائماً لكنها لم تمنع العرب من التوحد في وجه المخاطر الخارجية كما رأينا في المقالة السابقة، وقد تشذ فئة قليلة هنا أو هناك لكننا نتحدث عن الاتجاه العام وليس على نحو مطلق.

ولا شك أن الأوضاع العربية الراهنة بالغة التردي كما يبدو من مخاطر تفكك الدول الوطنية العربية وتفاقم الإرهاب على نحو غير مسبوق واشتعال التوترات بل الصراعات الطائفية والعرقية وبلوغ الاختراق الخارجي للوطن العربي ذروته إقليمياً وعالمياً وتغول الكيان الصهيوني على أرض فلسطين وشعبها، ولا تتناقض هذه الأوضاع المتردية بحال مع فكرة المصير المشترك، ذلك أن ما يعم الوطن العربي من ظواهر سلبية يصيب الجميع بأضرار فادحة أو يهدد بذلك.

فقد يتصور البعض أن الخطر الداهم الذي يتهدد الدولة الوطنية في بلدان عربية مهمة كالعراق وسوريا واليمن وليبيا محصور في هذه البلدان، غير أن الخبرة تحدثنا عن «أثر الانتشار» فما يحدث في الدولة اليوم يمكن أن يمتد إلى الدولة غداً، ولو أدركت الدول العربية التي تحاول زعزعة الاستقرار في هذه الدولة العربية أو تلك أن هذا السيف يمكن بسهولة أن يرتد إلى نحرها لما فعلت، ولست بحاجة إلى الحديث عن امتداد سرطان الإرهاب من بلد عربي لآخر والتهديد الفادح الذي يمثله لهذه البلدان كما أن مخاطر الهيمنة الخارجية على البلدان العربية لا تخفي على أحد، وعبر التاريخ بما في ذلك الحقبة المعاصرة كانت التحديات تتجه إلى المنطقة ككل ولا تُواجَه إلا على نحو جماعي فتنجح المواجهة إذا أُحسن التخطيط لها كما حدث في حرب تشرين الأول 1973 وتفشل إذا تمت على نحو عشوائي كما في حرب فلسطين الأولى 1948.

لا ينبع المصير المشترك إذن من وحدة الرؤى وقوة العلاقات التعاونية فقط وإنما ينبع كذلك من أوضاع بنيوية ينظر الآخرون لنا بموجبها على أننا كل لا يتجزأ ويحاولون تشكيل أوضاعنا بما يلائم مصالحهم، كما في الخطط الشرق أوسطية لصياغة مستقبل المنطقة، فإن استسلمنا لمحاولاتهم ضعنا كما حدث في الحقبة الاستعمارية وإن قاومنا هذه المحاولات كانت الصحوة كما حدث في مرحلة التحرر العربي عقب الحرب العالمية الثانية وحتى عدوان 1967، ولم تقم للعرب قائمة بعد الهزيمة في تلك السنة إلا عندما قدموا نموذجاً غير مسبوق للعمل العربي الجماعي في مواجهة التحديات، وهذا بالتحديد ما يجعلنا نعض بالنواجذ على ما يجمع بيننا لأن التفرق والاختلاف في مواجهة التحديات هو أسهل الطرق إلى الضياع بينما يكون التوحد هو الطريق الآمن إلى المستقبل الأفضل، ويلاحظ أن التحليل السابق قد ركز على قضايا ذات طابع أمني استراتيجي بينما يوجد بالإضافة إلى ذلك «المصير الاقتصادي المشترك» إذا جاز التعبير، فلا حل مضموناً لمشكلات التنمية العربية إلا فى إطار جماعي ولنأخذ مسألة الأمن الغذائي مثالاً فتحقيقه لكل بلد عربي على حدة مستحيل بينما يمكن الوصول إليه في إطار خطة عربية شاملة، وقد يقول قائل إن الأوضاع الراهنة شديدة السوء وتتطلب عملاً مضنياً إذا ما أردنا النجاح لكن السؤال الاستراتيجي يتعلق بالهدف.

فعندما يصيب مرض عضال عزيزاً لديك لا يتعلق السؤال بصعوبة علاجه ولكن بضرورة العمل على شفائه، ولذلك فإن الموقف العربي الراهن لا يتطلب النواح على المصائب التي ألمت بنا وإنما العمل على إزاحتها.

ويبقى أخيراً أن الدكتور يوسف زيدان شدد مشكوراً على أهمية اللغة كجامع للعرب باعتبارها «الضامن الوحيد لبقائهم في الزمن القادم»، وليسمح لي بتعديل طفيف لكنه ضروري في الصياغة باستبدال كلمة الضروري بكلمة الوحيد فعلى الرغم من أهمية اللغة لن تضمن وحدها بقاء الحقيقة العربية في ظل أفكار تنكر كل ما يجمع بين العرب غير اللغة، ففي هذه الحالة لن يكون للغة العربية من أثر جامع للعرب أكثر من أثر اللغة الإنجليزية في الجمع بين من يتحدثون بها من سكان المستعمرات البريطانية السابقة وبين مستعمريهم في زمن بغيض.

بقلم: د. أحمد يوسف

عن "الأهرام" المصرية