قد لا يكون هناك من يدري كيف وصل بنا الحال الى ما وصلنا اليه حتى بتنا نسمع ونقرأ أخبار ما كان يمكن لنا ان نتصورها ولا في أبشع الكوابيس فقد سمعنا عن مطالبات من قبل قادة الاحتلال لقيادة السلطة برفع العقوبات عن غزة ومن بين هؤلاء كان وزير الدفاع ورئيس الشاباك وحتى رئيس وزراء الاحتلال نفسه وبات يمكننهم التبجح والقول ان مأساة غزة ناجمة عن عقوبات رام الله.
حتى نحن على ما يبدو نسينا او تناسينا لسبب او لآخر ان الحصار فرضه العالم الامبريالي المعادي لشعبنا وسائر الشعوب المقهورة بعد نجاح حماس في انتخابات حرة ونزيهة بشهادة كل العالم وقبل إجراء الانتخابات كانت أمريكا وإسرائيل والجميع يتحدثون عن ضرورة إجراء الانتخابات وانه لا يجوز لأحد ان يمنع إجراءها ووصل الأمر بالتهديد بالعقوبات ان لم توافق السلطة على انتخابات حرة ونزيهة وحين تم لهم ذلك وكانت النتائج فوز ساحق لحركة حماس أصبحت الانتخابات ونتائجها مرفوضة وصدرت القرارات بوقف المساعدات عن السلطة من جميع الأطراف ولا زال شعبنا يذكر جيدا وقف الرواتب والأزمة الخانقة التي مر بها شعبنا في الضفة وغزة والتي استمرت حتى الانقسام.
أمريكا وإسرائيل بعد ذلك ظلت تهدد رام الله وتتهمها بتمويل الإرهاب في غزة وتدعوها للتوقف عن تغطية ميزانية غزة بما فيها ميزانية الكهرباء وفاتورة الرواتب وتعرضت غزة لأبشع أنواع الحروب والقتل والتدمير من قبل جيش الاحتلال الذي بات يطالب اليوم السلطة في رام الله برفع العقوبات عن غزة.
عجيب أمرنا نحن حين نقبل تهم الأعداء بحقنا ونصدق كذبتهم ونتعامل معها على أنها حقيقة ولا يوجد سبب وجيه واحد يجعلنا نفعل ذلك سوى إحساسنا المفرط بالهزيمة أمام أعداءنا فنجد أنفسنا نمارس الحرب على ذواتنا لنقنع أنفسنا ان بإمكاننا تحقيق انتصار لنا علينا مهما كان غبيا وكاذبا, ولن ينسى العالم أبدا تهمة 11 سبتمبر ضد بن لادن والقاعدة والتي أعجبت بن لادن نفسه حتى صدقها, واليوم نسي العالم كل العقوبات التي فرضت ولا زالت مفروضة على غزة والضفة معا وبات يشيع ويروج لكذبة ان رام الله هي من تعاقب غزة والأخطر ان رام الله صدقت نفسها وراحت تضع الشروط لرفع العقوبات عن توأمها غزة والعالم يتفرج علينا.
جيدا أتذكر صرخة غوار في ضيعة تشرين " الله وكيلك يا أبي يا صرنا فرجة " نكذب الكذبة نحن ونصدقها نحن واشنطن تعاقبنا وتمنع المساعدات حتى عن المستشفيات وتعاود تجديد قرارها بدفع 40 مليار دولار لدولة الاحتلال لعشر سنوات جديدة لحماية أمن المحتلين لبلادنا بينما تطالب دول الخليج واليابان بدفع بدل الحماية ويمارس ترامب علنا دور القاتل المأجور وفرض نظام الخاوة على جميع دول العالم بلا خجل ودولة الاحتلال تقتل وتعتقل وتهدم وتهود يوميا والعالم الآخر إما مديرا للظهر او منشغلا بقضاياه الخاصة ومع ذلك نتحدث نحن عن معاقبة غزة وعن شروط لرفع الحصار عن غزة, في رام الله نعلن قبولنا بالتفاوض سرا او علنا وفي غزة نفاوض من خلال وسيط ليس لتبادل الأسرى بل وللتهدئة ويبدو ان مفاوضات التهدئة تنشط أكثر بكثير من مفاوضات المصالحة وإسرائيل تبكي على غزة وتطالب رام الله برفع عقوباتها عن غزة وأهلها بينما تواصل هي حقها الذي لم يعد يناقشها به احد بقتل غزة بناسها وحجارتها وترابها وبحرها.
" الله وكيلك يا أبي صرنا فرجة " والله وكيلكم يا كل الشهداء " الله وكيلك يا أبو عمار ويا أحمد ياسين ويا أبو علي مصطفى ويا فتحي الشقاقي ويا خالد نزال ويا بهاء عليان ويا فارس عودة لو عدتم اليوم لحولتم بنادقكم وقنابلكم وسكاكينكم الى نحورنا ثم انتحرتم قرفا من أفعالنا وتنازلتم عن لقب الشهادة الذي لوثناه بافعالنا, فها نحن يا من غيبناكم ليصفى الجو لقذاراتنا نعاقب بعضنا ويعاقبنا الاحتلال ونقاطع بعضنا جميعا بلا استثناء ولا نقاطع الاحتلال جميعا بلا استثناء وان تلونت الأشكال والأنماط فأي مهزلة يمكن ان يمر مثلها او مر مثلها عبر تاريخ البشر اللهم إلا مأساة قابيل وهابيل.
قد نتوصل الى اتفاق تهدئة مع الاحتلال في غزة وتجد غزة من يدفع لها غدا احتياجاتها بعد ان استطاع أعداؤنا الى تحويل مأساة غزة الى قضية حقوق إنسان وبات تمكين غزة من الحصول على إنارة ما تبقى من بيوتها أربع ساعات إضافية انجازا كونيا عظيما تدفع ثمنه دولة مثل قطر لترضى إسرائيل وترضى أمريكا ويعتقد البعض أنهم حققوا اختراقا عظيما لصالح غزة وغدا حين تنتهي غزة من صفقة الأسرى وصفقة التهدئة وتعاقب رام الله على موقفها المعلن من صفقة القرن المنجزة أصلا لن تجد من الضفة من غزة إلا ما وجدته غزة منها من تضامن أثناء الحربين والحصارات ولن نذكر عامدين حكاية الثيران الملونة التي اختفت جميعها بالنتيجة, فما يحدث لغزة اليوم سيحدث للضفة غدا وبشكل أبشع فنحن نرى دولة الاحتلال تكمل تقطيع أوصال الضفة ليصبح لدينا بدل الغزة غزات الى ان يصلوا بنا لمرحلة لا يعد فيها احد يذكر القدس ولا اللاجئين ولا فلسطين حتى حين يصبح تعداد كياناتنا نصف تعداد كيانات العرب ويصبح الاحتلال وسيطا بيننا ونجد من يطالب نابلس بعدم معاقبة جنين وجنين بعدم معاقبة طولكرم وهكذا.
قد أجد من يقول مرة جديدة بأنني متشائم فهل هذا الذي سيقول تخيل يوما ان وزير دفاع دولة الاحتلال سيطالب فلسطيني واحد بعدم معاقبة فلسطيني آخر, أليست الأمور وصلت بنا حد المهزلة السنا فعلا أصبحنا فرجة البشر بعد ان كنا أيقونة الثورة لدى كل البشر.
لست املك وصفة سحرية ولكن لا بديل أبدا عن استعادة وحدتنا ولا بديل أبدا عن التنازل عن مصالحنا الفئوية والشخصية لصالح الوطن الذي يضيع بأيدينا وعلى أيدينا فقد نصل بقضيتنا يوما ان بقينا هكذا الى إضاعتها لتصبح كذبتهم حقيقة وحقيقتنا وحقوقنا ان لم نكن نحن بذواتنا الفردية والجمعية نسيا منسيا.
بقلم/ عدنان الصباح