لا نُريد أن نطِيل في هَذا الموضوع إنما المطلوب الوصول للفكرة التي عنون بها هذا المقال وما يصيب الأيقونة الفلسطينية من خلط بين الوسِيلة والغاية وعندما تصبح الوسيلة هي الغاية أي ميكافيلية التفكير التي انتقلت من الفرد إلى فكر الجماعة وهنا نقول الحزب أو الفصيل.
الوثنية بشكل عام مورست وما زالت تمارس في بعض البلدان بخلاف الديانات الابراهيمية، الإسلام والمسيحية واليهودية، وهي عبادة الأصنام أو الأشياء بعيدًا عن أيقُونة خَلق هذا الكَون، ولكِن قد تكُون الوثنيّة أيضًا في مفهومنا الحَالي هي وضع الفصِيل بمثابَة الشّيء المُقدس وهُو مُخالف للفِكر الموضُوعي والفِكر الثّوري والفِكر الوَطني أي بما يعادِل الانحِياز دائمًا للفصِيل أو للوسِيلة وإن أخطَأت هدفَها وأخطأت غَايتها. وجدت الفصائل في الساحة الفلسطينية كوسيلة في عملية تحول في الصراع من النظرية الكلاسيكية والمواجهة القومية للعدو الإسرائيلي إلى فكر الثورة بمعطياتها جميعًا العسكرية والثقافية والتكتيكية والإستراتيجية والاجتماعية أيضًا، وبالتّالي كان فكر أن يكون هناك فصائل أو ثورة أو تعددية للفصائل في بوتقة منظمة التحرير هو حالة ثورية بجميع متجهاتها لتحرير الأرض الفلسطينية ولكن قد نجد غير ذلك، وخاصة أن تلك الفصائل فشلت في مهمتها وفي وسيلتها لتحقيق الغاية، بل انحدرت إلى برامج ووسائل أخرى، حيث أصبحت الوسيلة والوجود هي الغاية مع تلاشي الغاية الأساسية أو المنظور الإستراتيجي لوجود تلك الفصائل.
كانت هناك ثورات حقّقت غايتها فلم نجد هناك تحزّب أو عصبوية تنظيمية أو وثنية التفكير والإنصياع لقادة تلك الثورات مثل هوشي منا وماو تسيتونج وجياب وستالين ولينين الذين قادوا الثورات العنفية، وكذلك هناك ثورات التي اعتمدت على المقاومة الشعبية ما بين العنف والحالة السلمية العنيفة مثل مانديلا وغاندي ومارتن لوثر كنج، قد يكون العامل الثقافي والوعي الذي قاد هذه الشعوب والجماهير لكي تكون تلك القيادات طليعة للتنفيذ وليس لوثنية العبادة والتقديس، أما في الحالة الفلسطينية فأصبحت الحالة الفصائلية بوثنية الدفاع عنها ووصف الحالة النضالية هي الوفاء للفصيل هي الحالة التي يلقن فيها الأبناء وجيل الشباب والقوى الفاعلة في المجتمع، وأعتقد أن هذا سلوك تخريبي للحالة الوطنية برمتها، فهو يؤدي إلى التغييب الثقافي بل التشويه الثقافي للشعب والإنقسام العمودي والأفقي للمجتمع الفلسطيني الذي يعاني من الكثير، تلك القيادات التي لا تعيش إلا على هذا النوع من التغذية لعناصرها لكي تضمن وجودها، فمازال الشعب الفلسطيني يزداد فقرًا بعد فقر، ولازالت أهدافه تبتعد أكثر فأكثر، ولازالت أحلامه التي كان يحلم بها بالعودة عند بزوغ تلك الفصائل تقريبًا قد تلاشت، إذًا على ماذا ينجرف هؤلاء المنتمون لحالة خاطئة في المجتمع، فهل يقف التاريخ للشعوب على مثل تلك الحالة، أم يجب التفكير بالحالة البديلة لتلاشي الخطأ والإنحراف، نقول مرة أخرى أن الحالة الثقافية التي تم تغييب أجيال بكاملها فيها لن يستفيد منها إلا تلك القيادة التي مازالت تنحرف أكثر فأكثر ولن تجد إلا وثنية الإنصياع والإنضباط للحالة الخاطئة
سميح خلف