أولت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة منذ عام 1948 أهمية فائقة لعملية البحث والتطوير على الصعد كافة، وقد عزز التوجه المذكور الاستفادة من الهجرات اليهودية الكثيفة إلى فلسطين المحتلة، خلال عقدي الستينات والتسعينات من القرن الماضي وما احتوته تلك الهجرات من طاقات علمية وأكاديمية واستثمارها في تطوير أداء البحث العلمي. وبعد أكثر من سبعة عقود من إنشائها يمكن أن نتلمس مدى التطور في ميدان البحث العلمي؛ حيث تشارك إسرائيل في غالبية المؤتمرات العلمية الدولية ذات المستوى الرفيع التي تعقد دورياً، وقد تبوأت إسرائيل مراتب متقدمة من حيث المشاركة والمساهمة البحثية في تلك المؤتمرات. وتؤكد دراسات أن المستوى الرفيع للبحوث الإسرائيلية في الخارج هو الذي زاد من اهتمام صناديق البحوث في العالم ودفعها إلى المساهمة في البحث العلمي في إسرائيل، في وقت تخصص فيه إسرائيل نحو 5 في المئة من ناتجها المحلي الإجمالي السنوي، ولهذا يصل نصيب الفرد في إسرائيل إلى نحو 1300 دولار من إجمالي الإنفاق السنوي على البحث العلمي خلال السنوات الأخيرة.
تجمع دراسات متخصصة بأن عمليات البحث والتطوير تتم في شكل أساسي في سبع جامعات إسرائيلية، فضلاً عن عشرات معاهد الأبحاث الحكومية والعامة؛ وكذلك في مئات من الشركات المدنية والعسكرية والإستراتيجية. وثمة أبحاث كثيرة تحصل في المراكز الطبية؛ وتقوم بعض الشركات العامة بأبحاث في مجالات متباينة مثل الاتصالات البعيدة، وتوليد الكهرباء والطاقة، وإدارة مصادر المياه وتقنيات الزراعة المتطورة. وتشير دراسات مختلفة الى أن المصادر الحكومية والعامة تعتبر من أهم مصادر التمويل لمشاريع البحث والتطوير؛ حيث توفر الدعم المالي لما يزيد عن خمسين في المئة من إجمالي أنشطة البحث والتطوير في إسرائيل.
واللافت أن عمليات البحث والتطوير في القطاع المدني للصناعة والزراعة تستحوذ على النسبة الكبرى من التمويل، وتؤكد دراسات متخصصة أن إسرائيل تخصص نحو أربعين في المائة من المبالغ لتنمية المعرفة عن طريق صناديق إسرائيلية خاصة بالأبحاث والتطوير؛ أو من خلال التعاون مع دول أخرى أو بواسطة صناديق ممولة من قبل الحكومة الإسرائيلية بشكل مباشر، هذا فضلاً عن الصناديق الجامعية العامة التي تشكل لجنة التخطيط والميزانية التابعة لمجلس التعليم العالي مصدر دعمها المالي والفني. أما بقية المبالغ فهي تكرّس للأبحاث في مجالي الصحة والرفاه الاجتماعي؛ بخاصة أن تحسين المؤشرات في المجالين المذكورين يعتبر من أهم العوامل التي تشجع على هجرة اليهود إلى إسرائيل، بخاصة من الدول التي لم تحقق تنمية بشرية مرتفعة.
تؤكد دراسات أن 80 في المئة من الأبحاث الإسرائيلية والمشاريع لتأهيل الباحثين هي في إطار الجامعات، كجامعة حيفا وغيرها من الجامعات الإسرائيلية، وفي هذا السياق، يؤكد أكاديميون أن مؤسسة إسرائيل للعلم - وهي مؤسسة مستقلة من الناحية القضائية – تعتبر مصدراً رئيسياً لتمويل الأبحاث على أساس التنافس بين الجامعات، حيث يمنح حوالى ألف باحث هبات من مؤسسة إسرائيل للعلم، إضافة إلى تمويل من الجامعات لتشجيع عملية البحث والتطوير. وتقوم مؤسسة إسرائيل للعلم كذلك بتمويل مشاريع خاصة مثل مشاريع لمجلس أوروبا للأبحاث النووية وتحسين الأبحاث الطبية، من طريق منح سلسلة هبات للأطباء الباحثين.
كما يقوم "منتدى تيليم" بتمويل وتنسيق مشاريع بحث كبيرة الحجم ليست هناك أي جهة تستطيع التعامل معها. ويعتبر المنتدى المذكور تطوعي يتألف من كبار العلماء في وزارة الصناعة والتجارة ووزارة العلوم والتكنولوجيا، ناهيك برئيس الأكاديمية الإسرائيلية، إضافة إلى ممثلين عن مجلس التعليم العالي ووزارة المالية. وكان منتدى "تيليم" صاحب المبادرة لدخول إسرائيل إلى برنامج الإطار للاتحاد الأوروبي ومصدراً لتمويل هذه المبادرة أحيانًا. كما يقف هذا المنتدى وراء عضوية إسرائيل في المنشأة الأوروبية سنخروتون للأبحاث في مجال الإشعاع؛ وكذلك وراء مبادرة الإنترنت الإسرائيلية الأخيرة.
ويمكن اعتبار العدد الكبير من براءات الاختراع التي تم تطويرها في الجامعات الإسرائيلية مقياسًا لفعالية العلاقة بين الجامعات والصناعة. أما بالنسبة إلى الكوادر المهنية في نشاط البحث العلمي والتطوير في إسرائيل ؛ فإن الاحتياطي الكبير من الكوادر ذات الكفاءة الأكاديمية هو الذراع الأهم في الانجازات العلمية والبحثية في إسرائيل. ومن المؤشرات الداعمة لتوجهات المؤسسة الإسرائيلية في البحث والتطوير استكمال ربع المشاركين في سوق العمل 16 سنة أو أكثر الدراسة في الجامعات والمعاهد الإسرائيلية. وقد استفادت إسرائيل من الهجرات اليهودية؛ حيث انضم عدد كبير من العلماء والمهندسين والفنيين المدرّبين من اليهود القادمين من دول الإتحاد السوفيتي السابق إلى القوة البشرية العاملة في إسرائيل، وتشير دراسات إلى هجرة أكثر من مليون ومائتي ألف يهودي من تلك الدول إلى إسرائيل خلال الفترة الممتدة بين السنوات (1991-2000)، فضلاً عن هجرة الآلاف من يهود فرنسا الى فلسطين المحتلة خلال العقد الأخير ونسبة كبيرة منهم من العلماء؛ ويتوقع أن تزداد بصورة ملحوظة إنجازات إسرائيل في المجالين العلمي والتكنولوجي نظراً إلى اهتمام إسرائيل في البحث والتطوير وتخصيص مزيد من الموارد المالية للاستثمار في الاتجاه المذكور؛ حيث يعتبر ذلك بمثابة إستراتيجية عليا.
نبيل السهلي
* كاتب فلسطيني