صفقة وفاء الأحرار في ذكراها السابعة: إعجاز في الإنجاز

بقلم: حسام الدجني

في الذكرى السابعة  لصفقة وفاء الأحرار يجب أن نستحضر روح الشهيدين منفذي عملية الوهم المتبدد، وهما الشهيد حامد الرنتيسي، والشهيد محمد فروانة، وكل من شارك أو خطط لتلك العملية البطولية، وهناك قائد كبير سيكتب التاريخ عنه الكثير، وهو أحد القيادات التي خططت للعملية، ولكن اسرائيل حرمته من الاحتفال بهذا النصر التاريخي، ليحتفل به بجوار ربه في جنان الخلد، إنه القائد الشهيد جمال أبو سمهدانة.

وهناك كلمات مازال صداها يصدح، لأنها خرجت من مهندس الصفقة عندما قال: أنا مطمئن اليوم على حماس، شكلت جيشاً قوياً، وأقر الله عيني بصفقة وفاء الأحرار، وأتمنى أن ألقى ربي راضياً مرضياً"... فارتقى صاحب هذه الكلمات شهيداً، إنه كبير المفاوضين الفلسطينيين الذي أدار عملية التفاوض غير المباشر مع الاحتلال الصهيوني، إنه القائد أحمد الجعبري. صفقة وفاء الأحرار هي بمثابة إعجاز في الإنجاز، لأنها أكدت على أدوات تفاوض جديدة غير تلك الأدوات التي ينتهجها المفاوض الفلسطيني، أدوات تستثمر كل أوراق القوة التي يمتلكها شعبنا العظيم، وتضع توفيق الله أمام أعينها، فلولا توفيق الله ثم تصميم المجاهدين ما نجحت الصفقة، فما هي مراحل تلك الإعجاز...؟

أولاً: المزاوجة بين الحكم والمقاومة.
 في ظل نظام عالمي أحادي القطبية تهيمن عليه الولايات المتحدة الأمريكية الحليف الاستراتيجي لـ(إسرائيل)، ونظام إقليمي عربي ضعيف، حققت حركة حماس فوزاً ساحقاً في الانتخابات التشريعية التي جرت في يناير/2006م، لتعلن جهراً بأنها تتبنى خيار المزاوجة بين العمل المسلح ضد (إسرائيل) وبين ممارسة الحكم، وكان هذا من وجهة نظر بعض المراقبين بأنه مراهقة سياسية، ولكن الإعجاز الأول هو نجاح المقاومة الفلسطينية بذلك، فبعد ثلاثة شهور فقط من أداء حكومة حماس اليمين الدستورية، جاءت عملية الوهم المتبدد.

ثانياً: عملية الوهم المتبدد.
 الإعجاز الثاني يتمثل في العملية ذاتها من حيث التخطيط والتنفيذ، فعلى عكس المتوقع إسرائيلياً بأن أي عمل مقاوم سيأتي من فوق الأرض، ولكن المقاومة حفرت نفقاً طويلاً ومن خلاله زحف المجاهدين لينقضوا على الجنود الإسرائيليين من الخلف، فيقتلوا جنديين ويخطفوا ثالثًا، على الرغم من التحذيرات الأمنية الإسرائيلية لقواتهم المنتشرة على الحدود مع غزة، والتي دفعت قادة جهاز الشاباك الإسرائيلي بأن يعترفوا بإخفاقهم في إفشال عملية الوهم المتبدد، بعد أن زعموا في إعلامهم بأنهم قاموا بعملية خاطفة في جنوب القطاع اعتقلوا بموجبها مصطفى معمر وشقيقه.

وحسب الشاباك فإن مصطفى معمر هو أحد أفراد الخلية المكلفة بتنفيذ عملية الوهم المتبدد، وفيما لو صحت رواية الشاباك والتي أذاعها الإعلام العبري، فإن مخاطر تنفيذ العملية ستكون كبيرة، وهنا المعجزة الثانية، وتتمثل في إصرار المقاومة على التنفيذ، ونجحوا خلال ثمانٍ وعشرين دقيقة في تنفيذ العملية والعودة بالجندي الإسرائيلي شاليط.

ثالثاً: عملية إخفاء الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط.
 المعجزة الثالثة تتمثل في أضخم إنجاز أمني لحركات المقاومة في التاريخ المعاصر، فأن تحتجز جنديًا في مساحة 365 كم2، وتستطيع الهروب من أعين ثلاثة أجهزة مخابرات إسرائيلية هي الموساد والشاباك وأمان، بالإضافة إلى مساهمة عدة أجهزة استخبارات دولية، فإن ذلك معجزة، ولكن تلك المعجزة مستمدة من صمود وصبر الشعب الفلسطيني في قطاع غزة والذي رفض العروض الإسرائيلية لتقديم معلومات حول مكان شاليط مقابل مكافأة تصل قيمتها عشرة ملايين دولار، على الرغم من الحصار والفقر، ولكن النجاح في الإنجاز أزال عتمة الحصار ليرى النور مرسوماً على وجوه المحررين وذويهم.

رابعاً: المفاوضات بين حماس و(إسرائيل) بوساطة مصرية.
الإعجاز الرابع يتمثل في عملية التفاوض وشخوص المفاوضين، بحيث ارتكزت العملية التفاوضية على مرتكزين مهمين:
 الأول: ورقة القوة التي يمتلكها المفاوض الفلسطيني ومتمثلة في الجندي جلعاد شاليط.
 الثاني: طول نفس المفاوض الفلسطيني ودرايته بالعقلية الأمنية الإسرائيلية، فأنجز ما تمنى.

خامساً: عملية التسليم والتسلم.
 في نفس الدقيقة ونفس الثانية يخرج عناصر كتائب القسام من مواقعهم ومنازلهم ليستقلوا أكثر من ثلاثين سيارة من نفس اللون والنوع، في عملية أمنية معقدة أذهلت وحدات المراقبة الجوية الإسرائيلية، وكانت أشبه بمناورة عسكرية لجيش نظامي محترف، لتؤكد على قدرة المقاوم الفلسطيني في خداع التكنولوجيا العسكرية الإسرائيلية، فتمت عملية تسليم الجندي شاليط بدون أدنى معلومة أمنية قد يستفيد منها هذا العدو الماكر، وفعلاً نجحت العملية وتم تسليم شاليط حسب الاتفاق لقادة جهاز المخابرات المصرية، وتبدأ المرحلة الأولى من عملية وفاء الأحرار، وهذا أيضاً إعجاز في الانجاز يسجل لحركة حماس.

سادساً: لوحة استقبال المحررين.
أما المعجزة الأخيرة وهي اللوحة الجميلة التي رسمتها الضفة الغربية وقطاع غزة في استقبالها للأبطال، بحيث رسمت رايات الفصائل الفلسطينية المتعانقة والتي تهتف جميعها بالإنجاز الوطني، ومن بينها يرفرف العلم الفلسطيني في صورة جميلة، ورسالة سياسية للقادة بأن الوحدة الوطنية والمصالحة باتت خياراً شعبياً، وأن البيئة السياسية جاهزة لتنفيذ اتفاق المصالحة، وما على القيادة إلا البدء بالخطوة الأولى، وهذا إعجاز صفقة وفاء الأحرار بأنها ستكون خارطة الطريق لتحديد معالم الاستراتيجية الوطنية المقبلة، والتي تمثل المصالحة على قاعدة المقاومة والشراكة أولى ركائزها.

 بقلم : د. حسام الدجني

[email protected]