لا أدري إذا كانت الأحزاب السياسية الفلسطينية سواء داخل السلطة والحكم أم خارج السلطة والحكم , تتحلى بالتجمد السياسي أم تتحلى بقسوة القلب لدرجة عدم قبول الحوار مع أشقاء الدم والقضية " حوار الفلسطيني مع الفلسطيني" أم إذا كانت لا تقبل الحوار بتعليمات من قوة خارجية تضع توصياتها على أجندة الأحزاب الفلسطينية , ومهما كانت الأحزاب تتحلى من صفات ومواصفات فهذا بالطبع يجعل الحوار المباشر بين الفلسطينيين شبه مستحيل , حتى أصبحت المخابرات المصرية تكتب السيناريوهات القادمة بنفسها , ولا تكتفي أن تحتضن الحوارات الفلسطينية فحسب بل تشارك في صياغتها .
وحتى الأحزاب الحاكمة والتي تتمثل في "فتح وحماس" لا تنتبه لما تقوله الأحزاب الغير حاكمة , وأصبحت مرجعيتها في كل شيئ المخابرات المصرية , فمنذ الإنقسام خرجت أصوات كثيرة من الأحزاب الفلسطينية كافة تنادي بإنهاء الإنقسام , وتتمثل في المسيرات والفعاليات والمبادرات , مرورا بمبادرة الأمين العام الجديد لحركة الجهاد الإسلامي "زياد النخاله" وصولا بمبادرة الأحزاب الأخيرة "نداء إنهاء الإنقسام" والقائمة حتى هذه اللحظة .
إن الجولات المكوكية للمخابرات المصرية بين غزة ورام الله وتل أبيب في هذه الأيام , ليس جديدة بل هي مكملة لما سبقها من جولات , ولكنها الأكثر كثافة لأنها تقترب من صياغة المشهد الأخير في الدراما السياسية الفلسطينية .
بعض المتابعين قد يحكمون على أداء المخابرات المصرية بالفشل , وذلك لمرور إثنا عشر عاما من الإنقسام دون أي تقدم بملف المصالحة , وأيضا دون أي تقدم في عملية التسوية بين حماس وإسرائيل , ولكنهم يحكمون من منظورهم الضيق لمهام المخابرات المصرية , ولو أمعنوا في النظر لوجدوا أن من أهم مهام المخابرات المصرية هي حفظ التوازنات في المنطقة , وتوزيع الشرعيات على أطراف النزاع دون المساس بمصلحة مصر العليا وأمنها القومي .
هناك محطات كثيرة اثبتت لنا دور المخابرات المصرية في تحديد السياسات وكتابة السيناريوهات , ومن أهم هذه المحطات في منتصف العام الماضي تقريبا وقبل توقيع إتفاق المصالحة بين فتح وحماس في القاهرة بأشهر قليلة , حاول يحيى السنوار قائد حماس في غزة أن يسوق أفكار محمد دحلان ويترجمها على واقع غزة , بحيث يكون بديلا عن السلطة الشرعية عبر المساعدات المادية وإدخال السولار وغير ذلك من إحتياجات بحجة الحالة الإنسانية , ولكن المخابرات المصرية رفضت حينها , وقررت أن تكون السلطة هي صاحبة الولاية في غزة , وترجمت هذا الرفض بتفعيل ملف المصالحة وقدوم حكومة الوفاق الى غزة , وإستمر مسلسل التوازنات مرورا بأحداث كثيرة وصولا الى فشل إتفاق الهدنة الأخير بين حماس وإسرائيل , وذلك لأن المخابرات المصرية إستجابت الى طلب الرئيس أبو مازن حين طلب منها توقيف مفاوضات الهدنة بين حماس وإسرائيل .
أما السيناريوا القادم والتي تكتبه المخابرات المصرية هذه الأيام , فهو يركز على عودة السلطة الى غزة في أقرب وقت , وذلك لتعويض النواقص التي كانت ستعوضها الهدنة المرتقبة بين حماس وإسرائيل , وبما أن الهدنة فشلت فوجود السلطة في غزة يساعد على إستقرار الأمن القومي المصري , وفي نفس الوقت تحاول المخابرات المصرية أن تبقي الحفاظ على الهدنة التي تم التوقيع عليها عام 2014 في القاهرة بين إسرائيل والفصائل كافة بقيادة حركة فتح , مع حفظ ماء الوجه لغزة وتل أبيب ورام الله , وهذا ما جعل المخابرات المصرية تدمج ملف المصالحة بملف الهدنة في الفترة الأخيرة .
أشرف صالح
كاتب صحفي ومحلل سياسي