ثلاث ضربات تطبيعية متزامنة

بقلم: راسم عبيدات

نتنياهو في مسقط ووزيرة حكومته المتطرفة للثقافة والرياضة ميري ريغف في الإمارات العربية مع وفد رياضي إسرائيلي للجودو،وفريق إسرائيلي للجمباز في قطر،ورفع للعلم الإسرائيلي هناك،كل ذلك يؤشر الى ان قطار التطبيع العربي- الإسرائيلي يسير بتسارع غير مسبوق،وهو لم يعد ينتظر استمرار التمسك ب" الصنم" العربي،ما يسمى بمبادرة السلام العربية،والتي منذ قمة بيروت آب 2002 يجري ترحيلها من قمة عربية الى أخرى مع الهبوط بسقفها،لكي تقبل بها إسرائيل وتبقي على ورقة التوت ساترة لجسد عربي رسمي وصل حد الإهتراء،فنتنياهو كما قال بأن لدى دولته علاقات عميقة واستراتيجية مع العديد من الدول العربية،ولكنه لا يريد لتلك العلاقات ان تبقى في إطار العشق السري،فالعلاقات بالسر بين العديد من الدول العربية وإسرائيل قائمة منذ زمن بعيد،وهذه ليست المرة الأولى التي تستقبل فيها العواصم العربية،قيادات إسرائيلية،فمسقط استقبلت رابين عام 1994 ومسقط والدوحة استقبلتا بيرس ورابين في عام 1996،تحت ذريعة ويافطة تشجيع عملية السلام بين إسرائيل والفلسطينيين،حيث وقعت المنظمة على اتفاقيات أوسلو الإنتقالية في أيلول عام 1993،ناهيك عن ان المكاتب التجارية إسرائيلية كانت موجودة في مسقط والدوحة عام 1996 ،والتي جرى اغلاقها في عام 2000 بعدما "اوغل" المغدور شارون في الدم الفلسطيني خلال إجتياحه الشامل للضفة الغربية،تسارع وتائر وقطار التطبيع العربي،اتى ويأتي في ظل حالة إنهيار غير مسبوق للنظام الرسمي العربي،ليس فقط مستعد لتطبيع علاقاته مع " إسرائيل"بل نقل هذه العلاقة التطبيعية الى سقوف اعلى من التنسيق والتعاون وحتى التحالف،تحت ذريعة بان إسرائيل دولة شرق أوسطية،وهي بوصف قيادات النظام الرسمي العربي المنهار عدو "عاقل"،وبأن العدو الإفتراضي للأمة العربية وأمنها وإستقرارها،كما صورته لهم الدوائر الأمريكية والصهيونية،هو ايران وأذرعها من قوى المقاومة في المنطقة حزب الله وقوى المقاومة الفلسطينية وجماعة انصار الله اليمني والحشد الشعبي العراقي ومعهم سوريا،وهذا القطار التطبيعي أسرع خطاه بعد القمة العربية – الإسلامية – الأمريكية التي عقدت في الرياض في العشرين من أيار /2017،حيث اصطف العرب والمسلمين خلف إمامة ترامب لهم،وليدشن مرحلة التطبيع العلني السعودي- الإسرائيلي،حيث أقلعت طائرة الرئيس الأمريكي ترامب مباشرة من الرياض الى اللد،وبعد ذلك سمح للطيران المدني الهندي القادم الى دولة الاحتلال بالتحليق في الأجواء السعودية،إختصار المسافة والوقت والجهد والتكاليف كذلك سبق ذلك في تموز/2016 زيارة وفد سعودي من رجال الأعمال برئاسة أنور عشقي مدير استخبارات سعودي سابق ومدير مركز أبحاث للدراسات الإستراتيجية الى إسرائيل والإلتقاء بالعديد من القيادات الرسمية الإسرائيلية.

هذه الضربة " التطبيعية" الثلاثية خليجية بإمتياز،وهي تأتي في إطار المشروع الأمريكي،مشروع صفقة القرن الأمريكي للتطبيع المجاني للعلاقات العربية – الإسرائيلية وشطب وتصفية القضية الفلسطينية،والتي جزء من النظام الرسمي العربي مشارك فيها.

إعتقادي الجازم بان التطبيع سيتجاوز مرحلة المنتخبات الرياضية والعلاقات السياسية الى مرحلة العلاقات الدبلوماسية ...وسترفرف الأعلام الإسرائيلية في الرياض والدوحة والمنامة وأبو ظبي والرباط،كما رفرفت قبل ذلك في عمان والقاهرة...وسيجري نحر " الصنم" العربي المسمى بالمبادرة العربية للسلام،بحيث يغدو التطبيع العربي- الإسرائيلي سابق لشرط إنسحاب إسرائيل من الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة .

قبل زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى سلطنة عُمان، والتي اعلن عنها الجمعة، زيارة مقررة خلال الأسبوع المقبل لمبعوث الرئيس الأمريكي في الشرق الأوسط جيسون غرينبلات يلتقي فيها الإسرائيليين، ويعرض فيها الخطة الامريكية للسلام او ما بات يعرف بـ "صفقة القرن"والإعلان عنها في نهاية العام الجاري،وهذا الإعلان ليس منفصلاً عن حديث عن ترتيبات لرئيسة جهاز الاستخبارات المركزي "CIA"جينا هاسبل لزيارة رام الله ولقاء الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وقد تكون مسقط وسيطاً إقليميا "ثلاثي الأبعاد" في كل الأحوال بهذا المعنى، حيث ترتب بعض الجوانب الفلسطينية - الإسرائيلية من جهة، كما ترتب فلسطينيا وامريكيا من جهة أخرى، في وقت عليها فيه بالضرورة الدخول على الخط المصري لترتيب الجوانب الفلسطينية -الفلسطينية ايضاً، او على الأقل الاطلاع على تفاصيلها.

عُمان تعمل بهدوء وصمت بعيداً عن الصخب الإعلامي،وشكلت بحكم علاقاتها المقبولة على الأطراف المتفاوضة قاسماً مشتركاً ووسيطاً يعتمد عليه،فهي تميزت عن غيرها من المشيخات الخليجية بالإضافة الى الكويت بالموقف البعيد عن السعودية وقطر والإمارات في العديد من الأزمات،فهي لم تشارك فيما يسمى بالتحالف العربي والعدوان على اليمن،وكذلك أبقت على علاقة متميزة مع ايران رغم الموقف الخليجي العدائي لها والداعم لفرض العقوبات الأمريكية عليها،ولعل واحد من اهداف زيارة نتنياهو لمسقط،قوله لطهران بانه سيضربها في حديقتها الخليفية،وكذلك مسقط تشكل الشريان الاقتصادي الرئيسي لطهران،مع إقتراب تطبيق واشنطن للعقوبات الشاملة بحق طهران ومنعها من تصدير نفطها مع بداية الشهر القادم"،وكذلك عُمان كان موقفها متميز وغير داعم للحرب العدوانية التي شنت على سوريا والتي دعمتها وأيدتها المشيخات الخليجية الرئيسية السعودية وقطر والإمارات العربية...ولعل مسقط كانت واحدة من المحطات المهمة في تحقيق الإتفاق الأمريكي- الإيراني حول ملف ايران النووي...ومسقط ليست من عواصم المواجهة ،لكي تقدم على خرق " الصنم" المسمى بالمبادرة العربية للسلام،والذي ينص على عدم التطبيع العربي مع دولة الإحتلال قبل انسحابها الكامل من الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة عام/1967....ولكن يبدو بأن الفشل السعودي في تطويع الحلقة الفلسطينية من اجل الموافقة والقبول بصفقة القرن....والتطورات اللاحقة التي حدثت على صعيد الدور السعودي المرسوم لها من قبل امريكا...والذي لم يحصد سوى الهزائم السياسية والعسكرية في عهد بن سلمان ...فمن الهزيمة في العراق الى الهزيمة القاصمة للمشروع والدور السعودي سوريا وما يتصل به بهزيمة للدور السعودي في لبنان،وكذلك الهزيمة الكبرى في عدم القدرة على الحاق الهزيمة بجماعة انصار الله " الحوثيين" وبالتالي تطويع الحلقة اليمنية لخدمة المشروع السعودي- الإسرائيلي- الأمريكي في المنطقة ....ولتأتي الكارثة الكبرى التي وضعت علامات استفهام كبيرة على قدرة السعودية على القيام بالدور المنوط بها،وكذلك تسيُيد العالم العربي- الإسلامي،حيث كانت عملية قتل وتقطيع المعارض السعودي جمال الخاشقجي في سفارة بلاده في انقرة،وما نتج عنها من تداعيات تؤشر الى أفول دور السعودية كقائدة للعالم العربي- الإسلامي،ولذلك لا بد من البحث عن توزيع الدور والمهمة المسندة الى السعودية الى اكثر من دولة،ولربما مسقط المعروفة بعلاقاتها المتوازنة مع الكثير من الأطراف في المنطقة،وبعد تعثر الحل الأمريكي وفق ما يسمى بصفقة القرن، جرى اختيارها من أجل أن تلعب دوراً في قيادة المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية،وربما يكون هذا الدور يحظى بموافقة أمريكية - روسية ...وأي تكن الحجج والذرائع فما حدث هو سقوط مريع في وحل التطبيع،فلا يمكن بالمطلق ان تناقش القضايا المبدئية بلغة المصالح السياسية،والإستراتيجيات لا تقارب بلغة التكتيك،فروسيا عرضت عليها المشيخات الخليجية المشاركة في الحرب العدوانية على سوريا 400 مليار دولار ،لكي تتخلى عن القيادة السورية وسوريا،ولكنها رفضت ذلك العرض المغري...الإحتلال يريد الإستفادة من أي فرصة للتطبيع العلني مع أي دولة عربية،لكي يظهر بمظهر القوي والقادر على التلاعب بأوراق المنطقة،رغم ان هذا الإحتلال يشهد مأزقاً يتعمق...وهذا " الإندلاق" التطبيعي العربي، لا يمكن تفسيره او تبريره،فدولة الإحتلال لم تقدم أي شيء،يمكن أن يفسر هذا التطبيع العربي المجاني،وهذه السقطة الكبيرة لدولة عُمان،أصابت شعبنا وقضيتنا الفلسطينية في الصميم.

القدس المحتلة – فلسطين

0525528876

28/10/2018

[email protected]

بقلم/ راسم عبيدات