من بنى الجدار بيننا؟! .. المشهد الفلسطيني

بقلم: اماني القرم

في أوائل القرن الماضي وضع فلاديمير جابوتنسكي الأب الروحي لليمين الصهيوني نظرية  "الجدار الحديدي"كاستراتيجية واقعية للتعامل مع العرب والفلسطينيين (حين كانوا شيئاً واحداً) مفادها: أن على اليهود بناء مشروعهم بالقوة خلف جدار من الحديد لا مجال فيه للصدع، وعلى العرب أن يستمروا في خبط رءوسهم في الجدار حتى تتصدع وتنهك قواهم وييأسوا..عندها فقط يمكن الحديث معهم!ولم يكن يحلم جابوتنسكي بأن رؤيته ستصل الى هذا القدر من النجاح بعد سبعين عاماً، الى الدرجة التي يتم فيها استخدامها اليومكسلوك فلسطيني / فلسطيني بين الأطراف المنقسمة،والتي تتمترس كلّ منها خلف جدار لعلّ الطرف المقابل ييأس ويستسلم!فخلال الأسبوع الفائت العاصف،ورغم كثرة مشاهده السوداوية والتطبيقات العملية لنظرية جدار جابوتنسكي، إلا أن المشهد الداخلي الفلسطيني يفوز كأسود وأسوأ بقعة في الصورة الكاملةلهذه النظرية.

فمع كل الخزي والأسف..هي الجملة الناقصة التي يمكن بها وصف الحالة الفلسطينية في الأيام الثلاثة الماضية .. الأمر الذي جعل المعظم من الشعب يستنكر الهدف والمصلحة من إظهارنا بهذا المستوى من التشرذم والتدني الغير المسبوق، ويطرح أسئلة واجبة:

أولاً: ما الضرر والضرار من عقد جلسة للمجلس المركزي؟هل منالصواب تغييب المؤسسات التنظيمية لمنظمة التحرير في ظل غياب قسري للقضية الفلسطينية عن الحسابات الاقليمية والدولية؟ أليس هذا المجلس أحد مؤسسات المنظمة الاطار الجامع والوحدوي للفلسطينيين، الذي استطاع اختطاف الاعتراف بكينونة الفلسطيني عالمياً كأهم إنجاز سياسي على الإطلاق ! إن أهم نقطة في عقد المجلس المركزي ـــــ ربما تتجاوز قراراته الصادرة ــــهي الاستمرارية مقابل الخطر الوجودي الذي يهدد الكل الفلسطيني .

ثانياً:لماذا لم تشارك الحركات الفلسطينية المندرجة في إطار منظمة التحرير في اجتماعات المجلس ؟ هل المعارضة ترف أم خيار أم واجب؟ وهل يصح أن تعارض وتضع نفسك في دائرة الاستقطاب لصالح طرف دون الآخر؟ للأسف إن مشكلة المعارضة الفلسطينية هي نفسها مشكلة المعارضة في جميع الأنظمة السياسية الهجينة،حيث ثقافة المعارضة وعقليتها تنهل من نفس عقلية وثقافة السلطة الحاكمة، وتظل تدور في هاجس ضياع الفرصة المؤقته ومصالح الأفراد وديكتاتورية القرار في مؤسساتها!

ثالثاً: ما الفائدة من عقد مؤتمر مواز للمجلس المركزي وإصدار بيانات تستبق قرارات المجلس وتصفها بالضارة؟؟ ولماذا هذا الانفعال الغير مبرر والغضب الشديد من عقد المجلس؟ هل المصلحة الفلسطينية توجبإضعاف المنظمة ؟ وهل احتياج المنظمة لإعادة هيكلة لتجمع الشتات معناه إبقاؤها في صيغة النائم؟ أم العكس ما يجب أن يكون بمعنى استثمار حراكها المتأخر لتبقى في وضع الفعل الدائم لانقاذ ما يمكن انقاذه ورفع الأصوات من داخلها وليس خارجها لتصويب أوضاعها من أجل خدمة المسار السياسي والقضية؟ أم أن مصالح المشيخات اختلطت بمصالح الرفقاء!

فرغم البلاغة الاعلامية المستخدمة في الأيام الماضية من قبل كل متناحر لاتهام الآخر، إلا انها فشلت وبجدارة في زكم الأنوف عن رائحة المصلحة الشخصية والحزبية لمستثمري الانقسام الذي بات له بلاأدنى شك جماعات مصالح ومريدين ومراكز قوى في كل الجوانب وليس جانبين فقط ...

هل من شيء يستطيع أن يحدث ثغرة في الجدار القائم بيننا ؟؟

بقلم/ د. أماني القرم