عقد المجلس المركزي الفلسطيني دورته الثلاثين في حبكة التعقيدات المختلفة للمشهد الفلسطيني برمته , انسداد في الافق السياسي ومسار عملية السلام مغلق بسبب صفقة القرن ,عجلة المصالحة التي انطلقت منذ عشرة سنوات من القاهرة لم تصل أي محطة حتي الان ولم يحدث ولم تفلح الجهود المصرية التي طال زمنها ,تشابكت مع المصالحة ملفات اخري كالتهدئة وحدثت تدخلات اقليمية اقليمي في المصالحة واستخدام المال السياسي لإفساد أي جهود واصبح دور تلك التدخلات عبارة عن دور وظيفي موجه من الامريكان لإيجاد سلطة بديلة تقبل بالحل على اساس الحلول الانسانية والاقتصادية والتعامل مع الصرع على هذا الاساس وما قد يقود لاعتبار غزة الكيان الفلسطيني المستقبلي . حل الدولتين لم يعد مطروحا على طاولة البيت الابيض ولم يتحدث في اطاره سوي الأوروبيين وبخجل دون قدرة على تجاوز الدور الامريكي واتخاذ ما يلزم من اجراءات دبلوماسية وسياسية تهيئ الطريق امام حلول سياسية تبني على هذا الاساس ,في هذا الخضم صفقة القرن تسلك مسار ناعم وبهدوء تام في المنطقة بعد الخطوات الامريكية بحق الصراع والتي تمثلت في الاعلان عن القدس عاصمة للكيان ونقل السفارة الامريكية للقدس ووقف الادارة الامريكية كافة مساهماتها المالية لدعم للأونروا والتعرض لقضية اللاجئين في مخطط مفضوح لتصفية اهم قضية كبري في قضايا الصراع بعد القدس والغاء حق العودة بالكامل .
المجلس المركزي وقف امام مفصل تاريخي يتطلب اعادة صياغة المشهد السياسي الفلسطيني وحسم الكثير من الملفات لان بقائها دون حسم يعني ضعف القرار الفلسطيني وبقائه اسيراً للمتغيرات الدولية والاقليمية وخاصة علاقة السلطة الفلسطينية بدولة الاحتلال وبقاء المعاهدات التي تنصل منها الاحتلال معاهدات ملزمة للفلسطينيين وحدهم دون اسرائيل , العلاقة مع اسرائيل بالفعل تتطلب الحسم ويجب اول ما يجب تنفيذه هو سحب الاعتراف بإسرائيل و ويقف التنسيق الامني ودعوة الامم المتحدة للقيام بدور الوسيط كبديل للاتصالات المباشرة للأمور الادارية . لا يعقل ان نبقي اسري لاتفاقية باريس الاقتصادية للابد ولا يعقل ان تنتهي الفترة الانتقالية التي حددها اوسلوا منذ 19 عاما ونبقي ننتظر ان تقبل اسرائيل الجلوس على طاولة المفاوضات للحل النهائي , ولا يعقل ان يستمر الاستيطان الاسرائيلي وتستمر العلاقة مع دولة الاحتلال بكل اشكالها ونبقي ننتظر تدخل المجتمع الدولي الذي اصدر قراره التاريخي 2334 ولم يستطع حتى الان انفاذه و وقف سرقة الارض واستيطانها وتقطيع الضفة الغربية وضم الكتل الاستيطانية الكبرى لإسرائيل, فأما ان تنفذ قرارات المجلس واما ان يضاف بيانه للأرشيف الفلسطيني كباقي بيانات الدورات السابقة بالتالي تبقي قراراته مجرد توصيات محفوظة بالأرشيف الفلسطيني الخاص بمنظمة التحرير ليتضخم الارشيف بقرارات لا يستطع الفلسطينيين تنفيذها .
جاءت قرارات المجلس المركزي في دورة "الخان الاحمر والدفاع عن الثوابت " الدورة الثلاثين تأكيد لقرارات المجلس الوطني والمجلس المركزي في دوارتهم الاخيرة واكد البيان الختامي على تنفيذ هذه القرارات وكلف المجلس الرئيس ابو مازن واللجنة التنفيذية لمتابعة تنفيذ هذه القرارات لما لها من اهمية في تغير المشهد الفلسطيني والخروج من المأزق السياسي واحداث هزة حقيقية في كافة الاوساط السياسية لدي الاطراف الدولية المعنية بحل الصراع وتغير العلاقة مع اسرائيل يعني احداث هزة قوية داخل اسرائيل التي تمتنع عن الاعتراف بالحق الفلسطيني وتنتظر ان يكمل ترامب صفقته لتصفية الصراع لحسابهم . المشهد الفلسطيني بات اليوم امام صياغة جديدة ان تم تنفيذ قرارات المجلس وخاصة سحب الاعتراف بإسرائيل الى ان تعترف بدولة فلسطين فان كافة الارتباطات القائمة على هذا الاساس ستلغي وسيتم آليا وقف التنسيق الامني بين السلطة واسرائيل وهذا اصعب قرارا تخشاه اسرائيل لان اوسلو لن تبقي قائمة ولن تلتزم بها السلطة الفلسطينية وحدها وهنا باتت مجمل العلاقات مع امريكا واسرائيل علاقات مشروطة فان التزمت اسرائيل بتعهداتها واعترفت بدولة فلسطين وسارت اسرائيل في تطبيق القرارات الشرعية واحترمتها فان السلطة ستبقي علاقاتها بإسرائيل في الجانب المماثل فان علاقة السلطة بالولايات المتحدة لن تتعود الا اذا عادت الولايات المتحدة عن قراراتها بشأن القدس واللاجئين واعادة فتح مكتب التمثيل الدبلوماسي بواشنطن .
لن يكون هناك أي شرعية للمجلس المركزي ان لم ينفذ قراراته التي تعيد صياغة المشهد داخليا باتجاه المصالحة الفلسطينية وتطبيق اتفاق 12102017 الذي بدأ تطبيقه العام الماضي وتوقف عند حد معين واجراء الانتخابات العامة وتحديث م ت ف واعادة تشكيل المجلس الوطني ديموقراطيا, فبعد تنفيذ قرارا المجلس المركزي وتخفيض العلاقة مع امريكا واسرائيل الى الحد الأدنى بات امام الكل الفلسطيني العمل معا لحماية ثوابتهم الوطنية التي هب المجلس المركزي لحمايتها بقرارات مصيرية وخاصة ان كل القرارات التي اقرت للمرة الرابعة باتت اليوم تشكل جسرا للخروج من المأزق الفلسطيني مع امريكا واسرائيل وصد كل اجراءات تنفيذ صفقة القرن وفرض الرؤية الفلسطينية التي اعلنها الرئيس ابو مازن بمجلس الامن كمدخل لعلاقة جديدة لا تنفرد فيها امريكا برعاية عملية سياسية قائمة على مصلحة طرف واحد وهو اسرائيل دون غيرها . نعم كل نتائج القرارات ان طبقت ستكون صعبة على الفلسطينيين جميعا من هم ضمن اطار منظمة التحرير ومن هم خارج الاطار لكن لابد وان يعرف الجميع انهم على وشك الدخول الى هذه المنطقة الاجبارية والبقاء فيها الى ان يهيئ المجتمع الدولي ترتيباته لإخراج الفلسطينيين الى منطقة اكثر عدلا للفلسطينيين تقول فيها الشرعية الدولية كلمتها تبدأ معها اليات انهاء الاحتلال الاسرائيلي لكل اراضي العام 1967 بما فيها القدس المحتلة وحل الصراع على اساس قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية.
بقلم/ د.هاني العقاد