غزة في صدارة الوجع الفلسطيني

بقلم: عصام يوسف

لغزة صدارة الوجع الفلسطيني، وأولوية الحسابات السياسية والإنسانية على حد سواء، تحتل المساحات الأوسع في خارطة التوازنات السياسية فلسطينياً وإقليمياً، وإحدى أحجار الرحى في الاستقطاب الدولي، من باب إدارة ملفات الصراع في المنطقة.

وتجمع غزة التي باتت تمثل جوهر الواقع السياسي الفلسطيني في هذه المرحلة، كافة خيوط القضية التي تتشابك ملفاتها وتتداخل مع بعضها بعضاً، فالمصالحة الفلسطينية - الفلسطينية، والتهدئة مع الاحتلال، وأزمة الأونروا، والخلاف على شكل المقاومة ونوعها، وترتيب الشرعيات الفلسطينية، وغيرها من الملفات، لا تكاد تخرج إلا من جعبة غزة.

حالة الصدارة التي تمثلها غزة عبّر عنها المنسق الخاص للأمم المتحدة لعملية السلام في الشرق الأوسط، نيكولاي ملادينوف، خلال تقريره الشهري الذي أحاط به مجلس الأمن الدولي في جلسة حول الشرق الأوسط، الخميس 18 أكتوبر الجاري، حيث لغزة في إفاداته الشهرية حصة الأسد دائماً.

بل وتتجاوز إفادته لغة سرد المعطيات والمعلومات إلى إطلاق المناشدات والنداءات لـ"منع الانفجار في قطاع غزة، سيما وأن الهدوء هش ويجب اتخاذ تدابير حازمة" بحسب تصريحاته، وهو بذلك يدق بشكل واضح ناقوس الخطر، الذي من شأنه أن تصل تأثيراته إلى خارج حدود القطاع.

وفي حديث ميلادينوف توصيف واضح لخطورة الوضع في غزة، حيث يشير إلى أن العواقب ستكون وخيمة جداً في حال الفشل في تحقيق التهدئة، ومن ثم الانزلاق إلى دوامة الحرب، وفي حال عدم اتخاذ خطوات من أجل وقف التدهور، وما سيؤول إليه من عودة حالة توتير المنطقة.

ويتضمن كلام المسؤول الأممي إلحاحاً بعدم التخلي عن غزة، مؤكداً بأن قضيتها ليست إنسانية فقط، بل سياسية أيضاً، حيث الدعوة واضحة، في حديثه، إلى كافة الأطراف الفلسطينية، وعلى رأسها السلطة الفلسطينية.

كما أنه لم يغفل عن أس المشكلة التي تكمن في فرض الاحتلال الحصار على غزة، على الرغم لعدم إشارته لذلك صراحة، إلا أنه طالب دولة الاحتلال بـ"تحسين وصول الإمدادات الإنسانية للقطاع، وضبط النفس في التعامل مع المتظاهرين على الحدود الشرقية".

وفي إطار دعوته إلى العمل من أجل منع وقوع العواقب الرهيبة، يتطرق في حديثه إلى المساعي المبذولة بغرض "حلحلة" أزمة (الأونروا)، متوجهاً بالشكر إلى دولة قطر لاستجابتها العاجلة والسخية بتقديم 60 مليون دولار لشراء الوقود لزيادة إمداد القطاع بالكهرباء، فضلاً عن تعهد عدد من الدول بتقديم 122 مليون دولار للوكالة.

وفي هذا الصدد يعلق ميلادينوف داعياً إلى "ضرورة كسر الدائرة اللانهائية من الاستجابات الطارئة والتدابير الهادفة لسد الفجوات، مؤكداً أن الفلسطينيين، سواء في الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية أو غزة أو اللاجئين في المنطقة، يستحقون حلولا عادلة ودائمة".

ويسهب في حديثه قائلاً "يستحق الفلسطينيون فرصة لاستعادة كرامتهم وبناء مستقبل أفضل لهم ولأسرهم. يستحقون أن يمسكوا بزمام مصيرهم وأن يُحكموا من مؤسسات منتخبة ديمقراطيا، وأن تكون لهم دولة تعيش في سلم وأمن مع إسرائيل، بدون جدران الاحتلال أو خوف من الانتقام أو النزوح، بدون خوف من قضاء حياتهم كلها في كفاح ليس له نهاية."

وليست تفاصيل المعاناة الفلسطينية الأخرى بأقل خطورة أو أهمية، وهنا يفرد ميلادينوف جزءاً من حديثه عن ما يحصل من انتهاكات إسرائيلية سافرة تلخصت في مواصلة هدم مباني وممتلكات الفلسطينيين في الضفة الغربية، إضافة لحملة الاحتلال المحمومة التي لا تعرف الهدوء أو السكينة من أجل هدم الخان الأحمر في القدس.

ويلفت المسؤول الأممي إلى تخصيص إسرائيل أموالاً لبناء مستوطنات في الخليل مشدداً على عدم مشروعية هذا النشاط، دون تقليله من خطر ممارسات واعتداءات المستوطنين على الفلسطينيين، التي تبعث على القلق، بحسب تعبيره.

ربما كانت كلمات ميلادينوف في إحاطته للوضع الفلسطيني قد تناولت العديد من عناوين ومحاور المعاناة الفلسطينية اليومية، بشكل منهجي ومهني، وقد تكون سعت إلى الاقتراب بقدر الإمكان من حقائق تكشف الواقع المرير لما آلت إليه القضية الفلسطينية، إلا أنها قد تكون شكلاً شديد الإيجاز في توصيف الوضع الفلسطيني.

فمحاولة تناول مجريات الأوضاع في الأراضي الفلسطينية، يتطلب حالة من الاستشعار الشديد لنبض معاناة الإنسان الفلسطيني، ولا يضير في ذلك تناول شيء من تفاصيل المعاناة الإنسانية التي يذوق صنوفها أطفال غزة والضفة والقدس، صباح مساء، فضلاً عن الإشارة بشكل واضح للمتسبب بهذه المعاناة المزمنة، وتحميله مسؤولية ذلك بشكل صريح.

المطلوب من المسؤولين الأممين، الذين ينقلون صورة مأساة الإنسان الفلسطيني للمجتمع الدولي، والناتجة عن التداعيات السياسية لممارسات الاحتلال، الإشارة بشكل أمين ودقيق وصريح للمتسبب أولاً بهذه المأساة، وهو الاحتلال.. ثم الاحتلال.. ثم الاحتلال، مع فهمنا وإدراكنا لاعتبارات العمل الدبلوماسي، وما يقتضيه ذلك من تخفيف للنبرة تحت دعاوى مختلفة ترتبط أحياناً بمراعاة نوع من التوازن في الموقف، لتوخي عدم إثارة أطراف حليفة للاحتلال، تتحكم إلى حد كبير في صناعة القرار الدولي.

إلا أننا نؤمن كل الإيمان بأن الوضع الفلسطيني لا يحتمل الكثير من التأويلات، بينما القضية في أساسها هي مسعى الاحتلال المسعور لهضم حقوق الفلسطينيين، بالتالي ليس على المجتمع الدولي إلا تحميله المسؤولية القانونية والأخلاقية لانتهاكاته المستمرة تجاه أبناء الشعب الفلسطيني، ومن ثم وضع حد لها.

بقلم/ د. عصام يوسف