هل تعلم أن الموارد الموجودة لديك من سيارة أو غرف فارغة في منزلك أو أدوات صيانة تملكها من أن تحقق لك الدخل المادي دون أن يتطلب منك الأمر سوى أن تسمح بمشاركتها مع الآخرين.
لنفهم الموضوع أكثر لنأخذ على سبيل المثال شركة "كريم" شركة متخصصة بتقديم خدمات التوصيل من خلال موقعها الإلكتروني وتطبيقات الهواتف الجوّالة الذكية؛ تقوم الشركة بالسماح للأشخاص بالاتصال مباشرة مع سائق السيارات وطلب الخدمة بالإضافة إلى إمكانية رصد وتتبع مكان السيارة بشكل آلي وآني على الخريطة والدفع بسهولة نقداً أو بواسطة بطاقة الائتمان وبالعكس تسمح لسائق السيارات بتقديم الخدمة مباشرة للزبون بأقل التكاليف التشغيلية. تأسست الشركة في يوليو عام 2012 وتدير مكاتب لها في 100 مدينة في مختلف أنحاء الشرق الأوسط ويعمل معها أكثر من 975 ألف سائق يستفيد من خدماتهم أكثر من 15 مليون زبون على مستوى العالم. على مستوى قطاع غزة بدأت الخدمة عام 2017 ويعمل بها الآن حولي350 سائق ويستفيد من خدماتها 30,000 زبون بما يشكل 12% من إجمالي خدمات المواصلات العامة في فلسطين (غزة) الفلسطيني. الأهم من هذا كله أن الشركة تعمل بالكامل دون أن تمتلك سيارة واحدة فهي قائمة فقط على الربط بين السائقين والزبائن من خلال الوسائل التكنولوجية.
الاقتصاد التشاركي هو اقتصاد بين الناس العنصر الاجتماعي يشكل الجانب الأكبر منه يقوم على مشاركة الأصول المادية للأشخاص أو البشرية مقابل مادي وذلك من الموارد غير المستغلة، حيث يقوم الاقتصاد التشاركي على الخدمة المباشرة من شخص لشخص وبدون الوسطاء أو مزودي الخدمات بحيث تتم الخدمة مباشرة بين مقدم الخدمة وبين الزبون مباشرة والتي تنعكس بشكل كبير على الكثير من الميزات من أهمها تقليل التكلفة وحرية الاختيار كذلك اتاحة فرص عمل بشكل جديد لفئات جديدة من المجتمع..
مثلاً إذا كنت تملك سيارة وتريد الذهاب من رفح الى غزة مثلاً يمكن أن تدعو بعض الأشخاص الذين لديهم نفس الوجه ويشاركوك الرحلة بمقابل مادي؛ هذا مثال بسيط لما قد يكون عليه الأمر. على الرغم من أن هذا الشكل من الخدمة قائم بين الناس لكن بشكل شخصي وبدون تنظيم ومرهون بالكثير من العوامل فما بالك لو تم تنظيم هذا النوع من الخدمات ليضمن الشخص الحصول على مشاركين لرحلته في كافة الأوجه.
وقد أشارت الدراسات إلى أن أكثر من 80% من أدوات المنزل تستخدم أقل من مرة في الشهر، كذلك السيارات الشخصية 95% من الوقت غير مستخدمة، فكيف يكون الأمر لو تم الاستفادة من هذه الأدوات في الأوقات الغير مستخدمة إلى استخدامها لتشكل مصدر دخل للشخص.
ولا يقتصر الاقتصاد التشاركي على الأدوات والأصول وإنما هناك نوع آخر قائم على تقديم الخدمات فمثلا قد تجد من يساعدك في نقل الرمل لبناء منزلك أو المساعدة في نقل أثاث المنزل أو حتى المشاركة في الأفكار أو تأليف كتاب.. الخ، وذلك بأقل جهد وتكلفة. حيث يقوم العمل على ربط من لديه شي مع من لديه المهارة من خلال وسائل الاتصال التقنية المتاحة والتي تشكل مثلث العناصر التي يقوم عليها الاقتصاد التشاركي وهي الوسيلة التقنية، صاحب الخدمة، والزبون حيث تشكل المشاركة بين هذه العناصر الثلاثة هذا الشكل الاجتماعي من الاقتصاد. ويشكل المبدأ القائم عليه الاقتصاد التشاركي المشاركة تربُح الجميع.
ومن أشهر الأمثلة عن الاقتصاد التشاركي شركة Airbnb والمتخصصة في السماح للأشخاص بعرض ما لديهم من غرف والتي تسمح لشخص آخر لاستأجرها حتى أن البعض قد يؤجر جزء من أثاثه كنبة مثلاً، كذلك هناك شركة TaskRabbit والمتخصصة بربط الأشخاص ذوي المهارة مع طالبي الخدمة بنفس اليوم للمساعدة في المهام المتنوعة من صيانة المنازل والسباكة وصولاً إلى المساعدة في نقل الأثاث المنزلي..
والأمر المهم في جميع هذه الأنواع من الشركات أنها تعمل دون أن يكون لديها أي موظف فعلي لتقديم الخدمة ويقوم دورها فقط في توفير منصة تربط الأطراف مع بعضها البعض.
ومن أهم الميزات التي يقدمها الاقتصاد التشاركي جودة الخدمة المقدمة وذلك انطلاقا من حرص مزود الخدمة للحصول على أفضل تقييم من الزبون للحصول على زبون آخر، كذلك التكلفة الأقل من المعتاد لغياب الوسطاء وتقديم الخدمة مباشرة للزبون، كما ويساهم الاقتصاد التشاركي في حرص الأشخاص على أن يكونوا أكثر إنتاجية وإنجاز للعمل والذي يعني المزيد من الدخل.
ويعتبر الاقتصاد التشاركي من أهم عناصر الثورة الصناعية الثالثة والتي ستشكل نوع جديد من الاقتصاد على اختلاف الاقتصاد الرأس مالي أو الاشتراكي، حيث يقوم على اقتصاد التشارك في الموارد مباشرة بين الناس. وقد صرف الاقتصاد التشاركي في أمريكا 15 مليار خلال العام 2016 ويتوقع أن يرتفع هذا الرقم ليصبح 335 مليار في العام 2025 (خلال السنوات الخمس القادمة) حتى أنه متوقع في العام 2040 أن الاقتصاد التشاركي سيشكل 40% من إجمالي الاقتصاد الأمريكي. كما وتعد الصين من أكبر الدول المستخدمة حاليا للاقتصاد التشاركي والتي لديها أفق عالي في استخدام هذا النوع من الاقتصاد والاستفادة منه.
على الجانب الآخر يتخوف من البعض من الأثر الذي يمكن أن يتركه الاقتصاد التشاركي على الأعمال القائمة ذات العلاقة بشكل مباشر والتي كانت أعمال الاقتصاد التشاركي هي بديل عنها، حيث في مايو الماضي قامت مظاهرات ضخمة شارك بها الآلاف من سائقي سيارات الأجرة والحافلات العامة والصغيرة في العاصمة الإسبانية مدريد ضد شركات أوبر لسلبها عدد كبير من زبائنهم، كما وعمدت الكثير من الدول إلى حجب ومنع العديد من الشركات التي تعمل من خلال الاقتصاد التشاركي. ومن هذا المنطلق لا نغفل عن الدور الذي يمكن أن تلعبه المؤسسات والحكومة في حماية وتعزيز هذا النوع من الاقتصاد وتنظيمه.
من هنا تظهر الفرصة الذهبية المتاحة من مثل هذه التجارب والذي يأتي من أنه يتيح الفرصة للجميع لتحسن دخلهم من خلال توظيفها في هذا النوع من الاقتصاد أو تقليل التكاليف التي قد يحتاجها من خلال الاستفادة من الخدمات التي يمكن أن يقدمها شخص آخر، كما وتعتبر هذه الفرصة الآن فريدة لجميع أصحاب الشركات الناشئة الراغبة في أن يؤسسوا أعمال قائمة على تقديم هذه الخدمة.
بقلم / طارق عادل ثابت