في مثل هذا اليوم من عام ألفين وأربعة وقف الزمن برهة، وغصت الأصوات في الحناجر، وإنحبست الدموع في العيون، وخيم الصمت على الشعب الفلسطيني وكل الأحرار في العالم حين جاء نبأ الرحيل ... إنه رحيل الشهيد القائد والأب، و المعلم، والزعيم الخالد ياسر عرفات تغمده الله بواسع رحمته ومغفرته، وأسكنه فسيح جناته، وجزاه خير الجزاء عما أسدى لوطنه .... أربعة عشرة عاما، وإننا لمحزونون على الغياب الذي أعلناه حزناً بليغاً عظيماً في لحظته، ولا يزال وقعه عظيماً مهيباً.. ولا يزال الحزن على وطأته جليلاً، موغلاً، موغراً على مدى ممرات ومنافذ القلب، لم تبرّده السنين أو تخفت من نشيجه.. بل أرسته عميقاً يقيم بين الضلع والنبض، والحزن في عمقه أشدّ إيلاماً بدويه القاتل.
تحية إكبار واجلال لك في ذكراك أيها القائد الشهيد الذي إمتطى صهوة المجد عزة وشموخا، وإباءا وشهادة، إليك أيها السيف العربي الفلسطيني الذي لم ولن تثلمه ملمات الخطوب والأيام ، إليك أيها الصامد في زمن الخذلان والاستكانة والارتهان ، الف تحية إليك أيها القائد الذي لم يعرف يوما الانهزام، ولا يوجد في قاموسه الاستسلام، كان يجد لكل مشكلة حلا وللنضال طريقا مهما تكالب الأعداء ومهما ضاقت الأمور، فهو صاحب الإرادة الفولاذية التي لا تعرف المستحيل، صاحب المبادرات الخلاقة والجريئة عندما يتطلب الأمر اتخاذ القرارات الخطيرة والصعبة، فمبادراته كانت دائما تحول الهزائم إلى انتصارات باهرة ، نظراته تبعث الأمل والثقة بالنصر، وكلماته تطرد اليأس والإحباط يحاور ويناقش ويشاور وعندما يعزم يتوكل على الله ويتخذ أصعب القرارات. عاش متواضعا كسنابل العطاء، عظيم الهمة بصلابة الصوان، نقي القلب والسريرة، كان قائدا عظيما وإنسانا ونبراسا، لم يعشق الحياة كغيره، عشق وحفر اسم الشهادة في قلبه، عرفته الأمة حق المعرفة، هو القمر المضيء الذي يسطع في سماءنا وينير لنا الدروب فيأخذنا الى قمم العزة والكرامة، ظن الإحتلال الصهيوني الغاشم والخونة والعملاء أنهم قد غيبوه،، خسئوا وفشلت نواياهم الخبيثة،، فالشهداء يولدون يوم يستشهدون، لم يكن الختيار شهيداً عادياً، بل كان بطلا إستثنائيا في الزمن الاستثنائي، هذا هو القائد الذي رسم ألف دائرة عبور ومنح أبناء شعبه مفردات الصمود والتحدي وزرع أشجار المقاومة ونقش الملحمة على جذوع الأشجار وقدم لشعوب العالم تجربة رائدة وفريدة في مقاومة الاحتلال وكسر طوق الذل والاستبداد وسيظل أبناء الشعب الفلسطيني يرسمونه نقشا مضيئا في حدقات العيون وقصصا خالدة في كتبهم.
فعذراً أيها القائد الشهيد...عندما نتحدث عنك، تتواضع الأقلام ويجف مدادها خجلاً أمام جهادكم وعظيم تضحياتكم،، فمثلكم قد كتب رسالته الخالدة بعظامه وأشلائه ومداد دمائه،، جسدتم بجهادكم وصبركم أعظم وأنبل التضحيات ، فطوبى لك ولكل شهدائنا الأبرار.
وأخيرا وليس آخرا : سأختم بما قاله شاعرنا الغائب الحاضر محمود درويش طيب الله ثراه... في رثائه: كان ياسر عرفات الفصل الأطول في حياتنا، وكان اسمه احد اسماء فلسطين الجديدة،الناهضة من رماد النكبة الى جمرة المقاومة الى فكرة الدولة، وفي كل واحد منا شيء منه. فهذا ما خطه الكبير في وصف الكبير.. وانا على عهدك ودربك لسائرون حتى إقامة دولتنا الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس شاء من شاء وأبى من ابى وانها لثورة حتى النصر.
عاشت فلسطين حرة عربية والقدس عاصمتها الأبدية ... عاشت نضالات شعبنا الأبي... ورحم الله روح قائدنا ومعلمنا الشهيد الخالد ياسر عرفات.
بقلم/ فراس الطيراوي