بعد سريان اتفاق الهدنة السابق الذي تم إبرامه قبل العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة بين الجانب الإسرائيلي و فصائل المقاومة الفلسطينية هناك ، راح كثيرون من داخل الصف الفلسطيني يروّجون إشاعات مفادها أن هذا الاتفاق هو جزء من صفقة القرن ، و بأنّ الأموال القطرية التي تمّ إرسالها إلى المحاصرين هناك ، ما هي إلا رِشىً هدفها إيقاف زئير السلاح الفلسطيني و عدم توجيه البندقية نحو جنود الاحتلال الإسرائيلي .
و قد راهن كثيرون على أنّ جميع أشكال المقاومة الفلسطينية سوف تتوقف بعد دخول هذه الأموال ، بمافي ذلك مسيرات العودة ، أي أنّ المقاومة سوف توقف مقاومتها العسكرية و السلمية للاحتلال مقابل تلقيها أموالاً من دولة قطر التي اعتبرها المنتقدون أنها شريكة في إتمام صفقة القرن ..
و اليوم ذاب الثلج و بان المرج ، و لسوء حظّ أولئك المنظّرين فإنّ الرد على هذه التفاهات جاء سريعاً و سريعاً جداً ، و بلغة السلاح هذه المرّة ، إذ لقّنت فصائل المقاومة الفلسطينية جمعاء جنودَ الاحتلال و ضباطه درساً قاسياً و صعباً للغاية ، من خلال توحّدها السريع في غرفة عمليات مشتركة ، و قتلها للضابط الإسرائيلي و جرحها لآخرين ، و استهدافها للحافلة التي كانت تقلّ جنود و ضباط العدو الإسرائيلي و تنفيذها لكمين العلم ..
هذا على الصعيد الميداني ، أما على الصعيد السياسي فإنّ الهزيمة كانت أشدّ و أقسى ، إذ وجد وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغيدور ليبرمان نفسه مضطراً لترك منصبه في وزارة الدفاع بعد الهزيمة المنكرة التي تكبدها جيشه الفار ، و حالة الإرباك التي أصابت البلدات و القرى الإسرائيلية المحاذية لقطاع غزة ، و التي جعلت رئيس الوزراء الإسرائيلي يغادر فنادق باريس و يعود من حيث أتى ، للإشراف المباشر على عمليات القصف الممنهج و الانتقام الجبان الذي يستهدف الأحياء السكنية و المنازل الآهلة بالسكان ، في محاولة يائسة لاستهداف الحاضنة الشعبية للمقاومة الفلسطينية ، و قد طال جنونهم المسعور وسائل الإعلام الفلسطينية التي تصدح بالحق ، إذ استهدفت الطائرات الإسرائيلية مقر فضائية الأقصى بصاروخ استطلاع ، و كذلك إذاعة صوت الأقصى ، في محاولة منها لإسكات الحقيقة ، و قمع الصوت الفلسطيني ، لكنّ العاملين هناك لم تزعجهم تلك الألعاب النارية ، بل على العكس تماماً ، زادتهم نوراً على نور ، و تصمياً فوق تصميم ، و عادوا للبث من فوق الركام ، في مشهدٍ بطوليٍّ يندى له الجبين ، و ما ذلك الاستهداف المباشر للإعلام الفلسطيني الحر إلا خير دليل على أنّ الكلمة الحق لها وقعٌ مُدَوٍّ على الأعادي ، و تربكهم في كثير من الأحيان أكثر مما يربكهم السلاح ..
الآن و بعد هذا الإنجاز التاريخي لفصائل المقاومة الفلسطينية هناك ، خجلَ بعضُ الذين انتقدوهم في السابق ، و قدموا اعتذاراً شجاعاً للكتائب المناضلة ، و عادوا إلى جادة الصواب ، و كان اعتذارهم الشجاع بمثابةِ عودةٍ محمودة للبندقية المقاتلة ، فكانت عودتهم مُرحّباً بها ، بينما آثر البعض الآخر البقاء تحت "البسطار الإسرائيلي" و الاستمرار في طعن المجاهدين و إفراغ الانتصارات هناك من فحواها المشرف ..
حاله هو حال أسياده في تل أبيب ، لا فرق بين تصريحاته و تصريحات أفخاي أدرعي ، و لا فرق بين أخلاقه و أخلاق إيدي كوهين .. عبثاً يحاول التشويش على فرحة الانتصار ، و لكن أبناء قطاع غزة الذين تجمعوا في الساحات ليعلنوا النصر هم الذين لجموه و لجموا أمثاله ضعاف النفوس و الحس الوطني ..
ثم إنهم بعد ذلك ملكيون أكثر من الملك نفسه .. فكيف ينكرون النصر المبين للفصائل الفلسطينية ، و إسرائيل بعظمة لسانها اعترفت بالهزيمة على مستوى المسؤولين و على مستوى المواطنين ؟!
لذلك لا ضير أن نسمع هذه الأصوات النابحة بعد كل انتصار ، فأصواتهم مألوفة منذ عهد النبي محمد عليه الصلاة و السلام ، و قد سخرهم الله تعالى للنباح في كل زمان و مكان ..
أقول لأمثال هؤلاء : سبحان من آهانكم في الدنيا و الآخرة ، ففي الآخرة سوف تحملون أوزار المجاهدين الذين سلقتموهم بألسنتكم النابحة ، و طعنتموهم بسيوفكم المأجورة ، و في الدنيا ها أنتم على صنفين : إمّا تحت البسطار الصهيوني و إمّا "بنشرجية" عند جنود الاحتلال ..
بقلم/ عبدالسلام فايز