من الواضح بان نتنياهو في خطابه امس إستخدم فزاعة الأمن والتهديد الوجودي لدولة الإحتلال ضد خصومه السياسيين من أقطاب اليمين...وقال لهم انه لا لعب ولا عبث بأمن دولة اسرائيل،والأمن فوق السياسة والبحث عن الشعبية ...وفي اللحظات الحاسمة والمصيرية لا يجوز الهروب والبحث عن الذات أو المصالح ،وفي العمليات العسكرية المستمرة لا يجري تغيير الحكومات،وعلى القوى اليمينية ان تكون على قدر المسؤولية ،وأن لا تسمح بتفكك حكومة اليمين،لأن ذلك سيلحق أضراراً كبيرة بدولة " اسرائيل"،مذكراً اياهم بما حصل بعد سقوط حكومات اليمين في عامي 1992 و 1999 ،حيث السقوط الأول لحكومة اليمين جلب اتفاقية اوسلو الإنتقالية أيلول 1993 والسقوط والتفكك الثاني جلب الإنتفاضة الثانية،والتي سقط فيها أكثر من 1000 قتيل اسرائيلي.
نتنياهو لم ينصاع لرغبة بينت وشاكيد "البيت اليهودي" ،في إسناد حقيبة الجيش لنفتالي بينت زعيم البيت اليهودي،الذي يعلل رغبته في توليها،بأن سيعمل على ترميم قوة وهيبة الردع الإسرائيلي التي تضررت بعد العملية العسكرية الإسرائيلية الفاشلة شرق خانيونس امام حركة حماس وقوى المقاومة الفلسطينية الأخرى،حيث كان رد نتنياهو بإسناد حقيبة الجيش له شخصياً،وقال بانه أفنى عمره في سبيل أمن اسرائيل،حيث اصيب هو وقتل اخوه في إطار الدفاع عن امن اسرائيل،وهو يعمل ليل نهار من اجل توفير الأمن لسكان جنوب " اسرائيل" ولكل سكان دولة الإحتلال، ولا احد يزايد عليه في مسألة الأمن فقد خاض الكثير من الحروب والمعارك في سبيل أمن ووجود دولة " اسرائيل"،وهو يعرف ماذا يفعل ومتى يفعل،ونجح في تغيير الإتفاق النووي الإيراني.
نتنياهو في خطابة،يقول بشكل واضح بان هناك عملية عسكرية قادمة،وهذه العملية العسكرية،حتماً سيسقط فيها ضحايا،أي بمعنى ان الحرب قادمة،وهو لن يسمح بتضرر قوة الردع الإسرائيلي،وتشكيل خطر وجودي عليها،حيث لمس بانه بعد تنامي قدرات المقاومة الفلسطينية كماً ونوعاً بعد العملية العسكرية الإستعراضية الفاشلة شرق خانيونس، بأن استمرار مثل هذا الوضع قد يقود،الى ان يصبح قطاع غزة يشكل خطراً وجودياً على دولة الإحتلال،كما هو الحال في الجبهة الشمالية ،ولذلك يعلن بشكل واضح بان الأمور ذاهبة نحو التصعيد العسكري،وهذا التصعيد العسكري،قد يكون عملية ذات طابع استراتيجي في عمق القطاع،بحيث تدمر القوة العسكرية الإستراتيجية للمقاومة من صواريخ وأسلحة وأنفاق،او لربما تاخذ شكل اغتيالات كبيرة تطال قادة الفصائل الفلسطينية وقادة أذرعها العسكرية،وانا أرجح العملية العسكرية على قطاع غزة بواحد من الشكلين،حيث حرية الحركة والعمل العسكري اوسع وأضمن،منها في لبنان وسوريا،وخاصة بعد إمتلاك الجيش السوري لوسائل الدفاع الجوي الروسي(اس 300) ،وإمتلاك حزب الله أيضاً لأسلحة كاسرة للتوازن،وقادرة ان تغطي كل مساحة فلسطين التاريخية.
نتيناهو الذي دعا في خطابه الى عدم خلط السياسية بالأمن،هو أيضاً مارس السياسة والدعاية الإنتخابية،وقد نجح في تخويف بينت وشاكيد ،حيث تراجعا عن تهديداتهم بالإستقالة من الحكومة،والتي ربطوا عدم تنفيذها بمنح بينت لوزارة الجيش،فقد قال بينت في مؤتمره الصحفي الذي عقده ظهر اليوم "إذا كان نتنياهو جادا في خطابه في التعامل مع القضايا الأمنية،نمنحه الفرصة لذلك،وعليه نزيل كافة مطالبنا وسنبقى في الحكومة".
وتابع: "اعتقد بأنني سأدفع ثمنا سياسيا في الأيام والأشهر القريبة بسبب ذلك، لكنني أفضل أن ينتصر نتنياهو علي سياسيا على أن ينتصر إسماعيل هنية علينا أمنيا"،على الرغم بأن بينت وجهه انتقادات قاسية لنتنياهو بعدم اخلاء الخان الأحمر،وعدم هدم منازل العديد من منفذي العمليات ضد اهداف وجنود ومستوطنين صهاينه،وكذلك عدم دعم الجنود والجيش في مواجهة حماس مما اضعف من قوة الردع الإسرائيلية في مواجهة فصائل المقاومة الفلسطينية.
نتنياهو ليس من المعارضين لتبكير الإنتخابات،ولكنه يريد ان لا تجري تلك الإنتخابات في موعد غير ملائم له،واذا كان من بد لتبكير الإنتخابات،فلتكن في شهر ايار من عام/2019 ،حيث هذا الشهر يعج بالمناسبات،التي تمكن نتنياهو من توجيه العديد من الخطابات ومخاطبة الجمهور الإسرائيلي، مناسبات ما يسمى بذكرى الإستقلال،والمحرقة و" الوردفيجين"،وهو يريد كذلك ان يستبق توصيات الشرطة ضده،صحيفتي "هآرتس" و"معاريف" شبهتا خطاب نتنياهو بخطاب رئيس حكومة بريطانيا الأسبق، وينستون تشرتشل،"الدم والتعب والدموع والعرق"، الذي ألقاه عند توليه منصب رئاسة الحكومة البريطانيّة بعد اندلاع الحرب العالميّة الثانية.
نتنياهو رغم كل مسلسل الفضائح المتعلقة بالفساد والرشاوي المتهم بها هو وعائلته،ولكنه ما زال الزعيم الصهيوني الأكثر شعبية،والمتوقع ان يحقق فوزاً ونصراً في أي انتخابات قادمة،والغريب هنا بان كل تلك المعارك تجري،وهناك غياب كلي لما يسمى بالمعسكر الصهيوني – احزاب الوسط واليسار،فالتنافس على الحكومة ووزارة الجيش ينحصر بين أقطاب اليمين الديني والعلماني،بما يؤشر الى أن هذا المعسكر الصهيوني الذي نجح في اسقاط حكومات اليمين في أعوام 1992 و 1999 يتجه نحو التفكك والإندثار،ولم يعد له وزن حاسم ومقرر في قضايا الدولة المصيرية.
نتنياهو كان له ما أراد،حيث يستمر في قيادة سفينة اليمين وفق رؤيته وتصوراته،وأقصى ليبرمان،والذي يبدو انه سقط بالضربة القاضية،فقد قامر بمستقبله السياسي،فهو أراد ان يظهر بانه اكثر " حربجية" من نتنياهو،وان امن اسرائيل هاجسه وهمه،ولكن عدم نحاجه في إدارة وزارة الجيش وتحقيق إنجازات تذكر،عدا التهديدات الفارغة،جعلت المجتمع الإسرائيلي قانع،بأن نتنياهو استقال خدمة لإعتباراته السياسية الإنتخابية الضيقة،ولذلك اطلق النار على قدميه،وانهى نفسه سياسياً.
بقية احزاب اليمين من " البيت اليهودي" و"كولانا" و"شاس" ويهوديت هتوراة"،يعرف نتنياهو كيف سيروضها ويعقد الصفقات معها،ولذلك كان خطابه لها التخويفي يحمل في ثناياه الدعاية الإنتخابية،وكذلك الحرص العالي على الأمن ،وانه لا أحد يستطيع أن يزايد عليه في الأمن،وامن اسرائيل فوق السياسة والبحث عن الشعبية.
بقلم/ راسم عبيدات