لم يكن غبياً وزير الحرب الإسرائيلي السابق ليبرمان، ولا كان جباناً، لقد حاول كقائد للجيش، وبكل ما أوتي من قوة تدمير المقاومة الفلسطينية، وسحق غزة تحت حذاء تطرفه، والوفاء بوعده للإسرائيليين بتصفية إسماعيل هنية، ولكنه فشل، ووقف عاجزاً على أسوار غزة، وهو يقول في آخر تصريح له: لا يوجد حل عسكري لغزة، لذلك حاولت الفصل بين سكان غزة وحركة حماس.
الفصل بين سكان غزة وحركات المقاومة بشكل عام، ومن ضمنها حركة حماس، طريقة عمل متهربة من المواجهة، واعتراف مسبق بأن تصفية المقاومة، ومواجهتها، والقضاء عليها أمر مستحيل، وعليه فإن تفكير جزء كبير من قادة الإسرائيليين يقوم على الضغط على سكان قطاع غزة بهدف التأثير السلبي على المقاومة، وهذا ما التقت عليه أحزاب اليسار مع أحزاب اليمين، حين ترى وزيرة الخارجية السابقة تسفي ليفني أن الحل الشافي لمشكلة غزة تتمثل في احتلالها، وتسليمها للسلطة، أو في تعزيز الفصل ما بين السكان والمقاومة.
ونسي قادة الكيان الصهيوني جميعهم أنهم مارسوا ضد غزة كافة أشكال الإرهاب والعذاب؛ بدءاً من إسحق رابين الذي اتبع سياسة تكسير العظام وحتى شارون الذي حرص على تدمير غزة قبل الفرار منها، وهكذا تصرف من تلاه من قادة حروب أمثال أولمرت وبراك وليفني وموشي يعلون وليس آخرهم ليبرمان، والإرهابي الجديد نفتالي بينت الذي قرن بقاءه في الحكومة بتنفيذ نتانياهو تعهده باستعادة قوة الردع للجيش الذي فقد هيبته أمام المقاومة الفلسطينية.
وكيف يستعيد الجيش الصهيوني هيبته أمام المقاومة، وهذا ليبرمان وزير الحرب السابق يعترف بان لا حل عسكري لغزة؟ هذا الاعتراف من ليبرمان ليس شخصياً، وإنما نتاج تقديرات ميدانية يعرفها وزير الحرب الجديد نتانياهو نفسه، ويعرفها حليفه الجديد نفتالي بينت، لذلك فإن التقدير في هذه الحالة يقوم على تأسيس قوة الردع من خلال الاغتيالات الغادرة، والقصف المفاجئ لأكبر رؤوس من قادة المقاومة، ليقدموها هدية لمجتمع لا يصدق أن جيشهم فقد قوة ردعة.
لقد نسي قادة الكيان الصهيوني أن المقاومة الفلسطينية فكرة وطن مغتصب، وليست قرينة أشخاص، لقد سبق وأن غدر الصهاينة واغتالوا على أرض غزة قادة بارزين مثل الشيخ أحمد ياسين، والدكتور الرنتيسي، والشقاقي، وصلاح شحادة، وأبو علي مصطفى، وأحمد الجعبري، والعامودي، والعطار، وأبو الريش، وأبو شمالة، وأبو ستة، والمقادمة، وأبو شنب، وأبو سمهدانة، ومسعود عياد، ونزار ريان، والخواجا، والسبعاوي، والقائمة طويلة من الشهداء الأبطال.
لقد أكد أهل غزة بعد كل اغتيال غادر بأنهم قد ازدادوا عشقاً للمقاومة، وازدادوا وفاءً للمقاومين، وازدادوا استعداداً للتضحية، وهذا ما أكدته المنطقة الشرقية من خان يونس قبل أيام، والتي لم تكتف بالتحام الشعب مع المقاومة في التصدي للوحدة الصهيونية الخاصة، بل جاء الرد الجماهيري على العدوان الصهيوني من خلال المهرجان الحاشد، وهتاف الجماهير للمقاومة أثناء إلقاء السنوار كلمته في حفل تأبين الشهداء، وعلى رأسهم الشهيد نور بركة.
لقد هتف أهل الشرقية للقدس، وهتفوا للمقاومة، وهتفوا لفلسطين، وتعاهدوا على التحرير ومواصلة المشوار، في رسالة ميدانية حاشدة بعشرات ألوف الصامدين الواثقين، الذين ألهموا السنوار عباراته المقاتلة، والتي تحدى فيها قيادة الجيش الإسرائيلي وأركانه، حين توجه بالخطاب إلى محمد الضيف قائد كتائب القسام بالاسم، وحين خاطب القائد العسكري مروان عيسي بالاسم، في رسالة ذات دلالة ميدانية، ورسالة تحذير تفصح عن الحقيقة بأن الشخصيات السياسية المعروفة أمثال السنوار وإسماعيل هنية والبطش ونافذ عزام ومزهر والمدلل وغيرهم، ليسوا وحدهم قادة المقاومة، وإن استهدافهم في أي مواجهة قادمة لا يعني نهاية المشوار، ولا يعني كسر ظهر المقاومة التي يقودها من تعرفونهم بالاسم، ولا تعرفونهم بالشكل، وستعجزون عن تقدير ردة فعلهم المقاومة، والتي استعدوا لها، وستفوق في عنفها تقديرات الأوساط الأمنية الإسرائيلية كلها.
لقد تعود الشعب الفلسطيني على غدر الصهاينة، ومع ذلك، فلن ينثني عن أهدافه، ولن يتراجع عن خطواته التي عمدها بالتضحيات، وسيواصل المشوار الذي استعد له سنوات، وأعد له العدة، وحشد له الامكانيات في معركة كسر عظم، سيخرج منها الصهاينة مهزومين.
د. فايز أبو شمالة