قبل أن يلقي الرئيس التشيكي الذي يقوم بزيارة لإسرائيل، خطابه في الكنيست، عرض بنيامين نتنياهو بيته الخاص في القدس للبيع، ليكون مقراً للسفارة التشيكية فيها، وتشجيعا لذلك البلد الأوروبي الشرقي على "حسم" موقفه المتردد بنقل سفارة بلاده إلى القدس المحتلة، في الوقت الذي يتطلع فيه رئيس الحكومة الإسرائيلية إلى زيارة السودان، حسب ما قاله تلفزيون إسرائيل، عند استقبال نتنياهو لإدريس ديبي رئيس دولة تشاد الأفريقية.
وربما كان المقصود هو جنوب السودان وليس شماله، لكن نتنياهو نفسه أعلن قائلا إنه بعد زيارته لعمان ستكون هناك زيارات مماثلة لدول عربية عما قريب، مشيراً إلى أن إسرائيل لم تقم يوما بقطع علاقاتها مع أحد!
كل هذا يحدث قبل أن تعرض الإدارة الأميركية خطتها للحل في الشرق الأوسط، والتي بصرف النظر عن مآلها، فإنها إما أن تنجح في فرض الحل السياسي بشكل نهائي، وحينها ستفتح كل أبواب الدنيا لإسرائيل، أو أنها ستفشل بحكم المتوقع منها أنها ستكون منحازة تماما وجدا لإسرائيل، ومن أنه سيتعذر على الجانب الفلسطيني قبولها، وحينها سيزيد الضغط على الجانب الفلسطيني، وسيتضاعف مستوى الهرولة السياسية - التطبيعية تجاه إسرائيل من قبل الدول العربية والدول الأفريقية واللاتينية، وأوروبا الشرقية والتي كانت دائما دولا منحازة للحق الفلسطيني.
طبعا من الواضح أن القرار الأميركي قبل عام بنقل السفارة الأميركية إلى القدس قد فتح هذا الباب القبيح، لذا فإن الرد الفلسطيني على المستويات كافة وبالأخص أنه لم يتم تكامل مستويات وأطراف الرد، ورغم نجاحه في تحقيق صد أولي والى حد ما، إلا أن مؤشرات انهيار جدران العزلة الإسرائيلية قد بدأت في التداعي والانهيار.
صحيح أن هذا الأمر لن يكون نهاية الكون، فقد سبق لنظام جنوب أفريقيا العنصري أن كانت له علاقات دبلوماسية مع كل دول العالم، كذلك فإن عددا كبيرا من دول العالم، كانت لها علاقات دبلوماسية طبيعية مع غالبية الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، لكن هذا لم يمنع من تفككها وانهيارها، وخير مثال قريب لهذا هو إضافة إلى سقوط نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، تفكك الاتحاد السوفياتي والاتحاد اليوغوسلافي، والتشيكي - سلوفاكي، وحيث إننا نحن الفلسطينيين معنيون بزوال الاحتلال ونزع جوهر دولة إسرائيل من حيث هي دولة فصل عنصري، فإن الأمر لن يكون مختلفا، أي أنه ليس هناك كفاح من أجل زوال دولة إسرائيل، بل إن هناك بعض "الدول" التي لا تتمتع بالاعتراف الدولي بها، مثل "دولة قبرص التركية" لكنها ما زالت قائمة رغم مرور عديد السنوات على إقامتها.
المهم أن اللافت للانتباه أو الاهتمام هو أن نتنياهو ينجح في القبض على البوصلة باتجاه تطبيع العلاقات مع الدول العربية والأفريقية واللاتينية وحتى الأوروبية الشرقية، وينجح في ذلك رغم أنه لم يتوصل بعد إلى اتفاقات سلام مع تلك الدول، بل إن الدول العربية التي زارها هو أو وزراء إسرائيليون مؤخرا، يفترض أنها ما زالت وفق منطق جامعة الدول العربية في "حالة حرب" مع إسرائيل، وأقله أنه ليس هناك تبادل سفراء بينهم، وأن هذه العلاقات تنشأ بين أعداء أو على الأقل ليس بين أصدقاء ولا أشقاء بالطبع.
فيما الانقسام الداخلي الفلسطيني يراوح مكانه منذ اثني عشر عاما، رغم عديد الاتفاقيات والتفاهمات، والوساطات ورغم أن جرحه في الكف، وبين البطين والبطين، وليس هنالك من مبرر يفسره سوى التلاعب الإقليمي وسوى سطوة بعض المصالح الخاصة والفئوية، ورغم أن كل قادة العمل الوطني ما زالوا يقولون إنهم مناضلون.
أما نتنياهو فما هو إلا موظف حكومي، "شبع" هو شخصيا من الحكم بعد أن أمضى كرئيس حكومة الفترة الأطول من بين كل رؤساء الحكومات الإسرائيلية، باستثناء ديفيد بن غوريون، لكنه يقدم بيته الخاص من أجل تحقيق مصلحة الدولة التي يترأس حكومتها.
أليس جديرا بكل رؤساء وفود المصالحة وبكل قيادات العمل الوطني، أن يتعلموا شيئا من العدو، فيقدموا المصلحة الوطنية على مصالحهم واعتباراتهم الحزبية الضيقة، فلا يغادروا أرض الكنانة المصرية، إلا وقد صار الانقسام وراء ظهورهم، في هذه الجولة - على الأقل - قبل خراب مالطا ؟!
من الواضح أن الهوة بين الشعب الفلسطيني الذي ما زال يبدي استعداده العالي والعظيم للتضحية، إن كان على حدود غزة مع العدو أو في كل أنحاء الضفة الغربية والقدس، كل يوم، وحيث إنه كل يوم تقع الضحايا من الشهداء والجرحى والمعتقلين، وبين "قيادات" العمل الوطني، التي أدمنت إعلان المواقف والتصريحات واكتفت بالقول عن الفعل، وأدمنت الانقسام بدل الوحدة، وغرقت فيما هو خاص وفئوي، دون العام الوطني.
وهكذا فأحد لا يمكنه أن يستغرب أو أن يتفاجأ، إن انفجر الموقف في وجه إدارة الانقسام الداخلي، لأن ذلك بات جزءا أو حتى ركنا أساسيا من الكفاح الوطني من أجل التحرر والاستقلال.
ورغم أن أحدا لا يتمنى أن تصل الأمور إلى هذا الحد، لكن شعبا تنحاز له كل شعوب الدنيا، حتى لو أن حكومات العرب وأفريقيا كلها فتحت أبوابها لإسرائيل، لن يعجز عن التعرف إلى طريقه إلى إنهاء الاحتلال الإسرائيلي.
بقلم/ رجب أبو سرية