دروب الحلقة 17 ج 5
دروب التسويات في الشرق الأوسط على حساب الوطن الفلسطيني لصالح اليهود من ألفه إلى يائه ح " 17 "
* توقعات ما ستؤول له صفقة القرن ج 5
* الكاتب والباحث في الشأن الفلسطيني عبدالحميد الهمشري والمحامي علي أبوحبلة - رئيس مجلة آفاق الفلسطينية / قسم الدراسات الاستراتيجية
معروف أن لا دخان بدون نار وأن الشعب الفلسطيني مرحلياً هو المستهدف إلى حين الانتهاء من تصفية قضيته التي شغلت العالم على مدى قرنين من الزمان ، فحلقات التآمر على هذا الشعب ووطنه ومقدساته لم تتوقف منذ بداية القرن التاسع عشر حين دعا نابليون لإقامة دولة يهودية في فلسطين بعد أن فشل في احتلالها لمقاومة شعبها له بضراوة ، وبالتالي خسر مصر وعاد من حيث أتى بخفي حنين دون أن يحقق أي من أهداف حملته التي قادها إلى الشرق العربي في ذلك الحين ، والتي تتلخص بمحاولته فرض سيادة فرنسا على سواحل البحر الأبيض المتوسط بدءاً من الشواطئ الفرنسية فدول شمال أفريقيا العربية فمصر وفلسطين فلبنان وسوريا ، هكذا بتقديرنا في مجلة آفاق الفلسطينية ، كانت طموحاته التي دفعت اليهود لتشكيل تكتلات ، ولد من رحمها الحركة الصهيونية العالمية التي نصبت حبائلها داخل الدول المؤثرة في القرار الدولي ، ووجدت أنصاراً لها داخل القوى المؤثرة في المنطقة التي مكنتها من التسلل للجسد الإقليمي فيها ، من خلال الحركة الماسونية العالمية العضد المساند للصهيونية العالمية ، حتى تمكنت من تحقيق الأهداف الأولية لها عبر خطوات تمخض عنها قيام الدولة أولاً في روح فلسطين وفق ما أعلن عنه هيرتزل بعد انتهاء مؤتمر بال الأول 1897م بقوله : الآن يمكنني القول أنه بعد خمس أو خمسين سنة تقوم دولة إسرائيل في روح فلسطين " الساحل الفلسطيني " وبعد عشرين سنة يجري امتلاكها بالكامل ، وكان كما أعلن أن تمكنت من امتلاك الروح والجسد بذات التوقيت الذي جاء في إعلانه ، ومنذ العقدين الأخيرين من القرن الماضي بدأت الحقيقة المرة تظهر للعيان ، حيث بدأ تنفيذ الحلقات التسلسلية المتتابعة في قضم فلسطين وهضمها لتمليكها لليهود ، وساعدها في ذلك حالة التشظي التي تعيشها المنطقة بفعل خلق صراعات بين المجتمعات المحلية المحلية والإقليمية الإقليمية فيها لإضعاف مختلف مكوناتها الذي يُمَكِّن الداعمين للكيان اليهودي من تنفيذ مراميهم بامتلاك الحجر والشجر والماء والهواء في المنطقة العربية ، التي استمر الصراع معها وعليها قرابة الثمان قرون ، حتى تمكنوا من تدجينها والهيمنة المطلقة عليها ، وانطلاق المبادرات والصفقات حيال قضايا مصيرية فيها وقبل هذا وذاك تشكيل تحالفات وتجييش جيوش لغزو أكثرها قدرة على تفتيت المؤامرات وتفليشها ، وقد أدى ذلك لإضعاف قوى المنطقة والتلاعب بمصائر مكوناتها وفرضت الهيمنة اليهودية عليها فكانت صفقة القرن التي لم يكتب لها لترى النور بعد ، لأن جذور الأصول فيها ممتدة ولا يمكن وقف هذا التمدد ، لكن مع ذلك يصعب القول أنها قد انتهت وولت الدبر وما تحمله من أجندات ذهبت إلى غير رجعة ، لكنها واقعاً تلقت ضربات لا يستهان بها ، أمام الصمود الشعبي لأصحاب القضية والرفض الرسمي الفلسطيني الأردني لما تسرب عنها وممانعة الأكثرية العربية لها ، بعد تكشف مغزاها لدى الجميع أنها تعني إنهاء القضية الفلسطينية للأبد بعد منح العدو كل فلسطين بلا مقابل ، فلا مرجعيات دولية لأية مفاوضات مقترحة فيها ، ومسألة المستوطنات التي أنشئت في الضفة ومصير القدس وحق العودة المنصوص عليه في قرارات الأمم المتحدة أمرها محسوم وفق الرغبات الأمريكية بهذا الشأن ، ولا استعداد لأي كلام عنها ، فكل ما هو معروض «دولة فلسطينية مسخ» بلا سيادة ولا مقومات ، كونتونات مقطعة الأوصال ، لا اتصال في الأراضي بينها إلا من خلال أقفال على بوابات تفتح وتغلق وفق رغبة دولة يهود وجيشها الباغي وهذا في مقابل التصفية النهائية للقضية... يقابله إقرار بانتهاء اتفاق «أوسلو» بفشل ذريع يتطلب معه اتخاذ قرار لا رجعة عنه بإعادة تشكيل منظمة التحرير الفلسطينية يمنح السلطة صلاحية أن تكون في حل من ذلك الاتفاق كما فعلت القيادة الصهيونية بعد اغتيال رابين التي لم تعد تتعامل معه إلا وفق ما يخدم مصالحها بتكثيف الاستيطان وبناء الجدار العازل وإقامة الطرق الالتفافية وتنفيذ مصالحة فلسطينية شاملة لا تأخذ بالحسبان مبدأ تقاسم السلطة والنفوذ بين رام الله المحتلة وغزة المحاصرة ، بل توحيد الأطر والمكونات والاستراتيجية التي تعيد للشعب مبادرته في تسلم زمام أمور قضيته التي تاهت في زواريب الخلافات والمشاحنات على لا شيء سوى إضعافها سياسياً وعسكرياً ولوجستياً ومعنوياً فالأفق السياسي مهم الآن لاكتساب الحقوق العادلة وإجهاض الصفقة الصفعة .
وفي السياق أبان موقع "ميدل إيست آي" حول ذلك إلى أن جهات عديدة في المنطقة تسلمت نسخة من "الصفقة" التي أعدتها الإدارة الأمريكية بقيادة دونالد ترامب ، غير أنها لم تنشر بعد رسمياً ، موضحاً أن الصفقة تقع في 35 صفحة والجانب الفلسطيني علم بها بالكامل، والسلطة علقت عليها وفق الموقع بالقول : " لن تجد فلسطينياً واحداً يقبل بهذه الصفقة ".. الخطة تقضي بدولة فلسطينية ذات حدود مؤقتة تشمل نصف الضفة الغربية وقطاع غزة فقط ، من دون القدس، والبدء بإيجاد حلول لمسألة اللاجئين ، حيث تدعو الفلسطينيين لبناء "قدس جديدة" على أراضي القرى والتجمعات السكانية القريبة من المدينة، بحسب ما نشره الموقع ، وتقضي كذلك ببقاء الملف الأمني والحدود بيد "إسرائيل"، في حين تبقى المستوطنات هناك خاضعة لمفاوضات الحل النهائي ، وعن المدينة القديمة في القدس التي فيها المسجد الأقصى وكنيسة القيامة، فتقضي الخطة بإنشاء ممر من الدولة الفلسطينية الجديدة إلى القدس القديمة للعبور هناك لأداء الصلوات.
فالإدارة الأمريكية سعت منذ البداية لإدارة “الصفقة” بشكل مختلف عن النمط التقليدي السابق لطرح مبادرات التسوية فروحها مبنية على فرض “الإملاءات والشروط ” الإسرائيلية الأمريكية لا لمفاوضات توصل لحلول ترضي الطرف الرسمي الفلسطيني والعربي ، أي أنها تقوم على محاولة فرض مسار من طرف واحد، أكثر منها وصولاً لاتفاق بين طرفين ، ووضع الثقل الأمريكي باتجاه محدد ، الهدف من ورائه دفع كل الأطراف الدولية والعربية للقبول بالأمر الواقع ، وجعل النزاع عليها أمراً من الماضي ، وهو ما قصد به الطرف الأمريكي من وراء الاعتراف بالقدس عاصمة لـ”إسرائيل” ونقل سفارته إليها ، وهو ما يدفعه لوضع كل ثقله في سبيل إغلاق ملف اللاجئين الفلسطينيين وتصفية الأونروا وتوطينهم في البلدان العربية ، وإلغاء صفة اللاجئ عنهم وتشريع الاستيطان ، بمعنى آخر تفريغ الحل من محتواه لصالح الكيان العبري حتى على حساب الحق الأدنى الفلسطيني ، فتأجيل الإعلان عنها تحكمه توجهات معينة ربما تؤتي أكلها لصالح التوجه الأمريكي ، منها السعي لممارسة ضغوط قاسية على السلطة الفلسطينية من خلال محاولة عزلها ونزع ورقة القوة العربية من يدها واستخدامها للضغط عليها ولهذا نرى التركيز في المرحلة الحالية على تسليط الضوء على الزيارات المرتقبة لنتنياهو لدول عربية وإسلامية أفريقية ، والبحث عن أكثر من طرف فلسطيني وعربي للقبول بالخطوط الرئيسة لها قبل الإعلان الرسمي عنها، سعياً لقطع الطريق عن الاحتمال المبكر لفشلها وسقوطها ، وإعطائها أي “الصفقة” نوعاً من المرونة ، بالإيهام بحدوث اختراق في الجانب الإسرائيلي بالحصول على بعض التنازلات لصالح الفلسطينيين تكون لا تسمن ولا تغني من جوع ، وخلط الأوراق من خلال التركيز على “ السلام الاقتصادي ”، أو مدخل بحجة تخفيف المعاناة عن قطاع غزة ، والاستفادة من ذلك لإضعاف خط المقاومة والإيحاء للسلطة بإمكانية تجاوزها في حال عدم تجاوبها مع ما هو مطروح في ظاهره أمريكياً وبحقيقته إسرائيلياً.
حتى اللحظة يبدو أن “الصفقة” أمريكياً تُعاني من التعثّر، وحالة الحماس التي ظهرت لها مطلع سنة 2018 آخذة بالتراجع بدليل تأجيل الإعلان عن بنودها أكثر من مرة هذا العام وآخر إعلان عن موعد إعلانها وفق الإدارة الأمريكية سيكون في ربيع 2019م ، وحتى ذلك الموعد الأيام حبلى بالمفاجآت فربما ترامب لن يكون في منصبه نتيجة أكثر من فضيحة تلاحقه ، هكذا هي الديمقراطية الأمريكية ، وربما تُجرى انتخابات إسرائيلية تفرز رئيس وزراء جديد غير متوقع وصوله لهذا المنصب ، فقد عودنا الناخب الصهيوني تَحَكُّمه بقواعد اللعبة في هذا الشأن … فتتزايد المصاعب الحقيقية التي تواجهها فتبقى الأمور ساكنة بلا حراك ومكانك راوح … ففريق المفاوضات الأمريكي الجاهل أو المتجاهل بحقائق المنطقة والمتبني للرؤية الإسرائيلية هي من أوصلت ترامب لحالة التخبط والإحباط في اتخاذ قراراته بالنسبة للصفقة ، لانحيازها الكامل للعدو الصهيوني وإجحافها وتنكرها للحقوق الفلسطينية ما أدى لعدم تجاوب الطرف الفلسطيني معها وبرود التفاعل العربي في آن . وتخبطه هذا تظهره تصريحاته التي تتحدث عن إدراك متزايد لصعوبة التسوية التصفوية للقضية ، وضرورة أن تدفع “إسرائيل” ثمناً كبيراً لها، وكان آخرها تصريحه يوم 26/9/2018، على هامش لقائه بنتنياهو في نيويورك، أنه يفضل “حلّ الدولتين”، وتأجيله طرح الصفقة لعدة أشهر. وهذا يؤشر إلى أن الطرف الأمريكي لم يتوقف عن المحاولة وما زال يسعى لاستخدام نفوذه للوصول إلى شيء ما لكن وفق ما يخدم مصالح الكيان الصهيوني أولاً وآخراً ، فأمريكا باتت تستعجل إنقاذ العدو الصهيوني من مأزقه ، اكتسابه لعداء مختلف الجماهير العربية ، فالتطبيع الرسمي العربي لا يعني أنه قد أوصله لبر الأمان ، وهذا كان وراء عدم نيل الصفقة عربياً ما كان يتوق له ترامب لاتضاح أنها لم تأخذ بعين الحسبان ما جاء في بنود المبادرة العربية للسلام بدليل أن الرياض عندما استقبلت مؤتمر القمة العربية في نيسان/ أبريل 2018 أسمته قمة القدس ، وأعطت للقدس اعتباراً خاصاً ، ودول الاعتدال العربي ربطت موافقتها لها بموافقة الفلسطينيين عليها ، بطبيعة الحال الفلسطينيون رفضوها جملة وتفصيلاً ، فالمبادرة العربية تقوم أساساً على دولة فلسطينية كاملة السيادة على الأراضي المحتلة سنة 1967 (الضفة والقطاع) ، فلسطينياً كما أسلفنا هناك ثمة إجماع فلسطيني رسمي وشعبي على رفض “صفقة القرن” أو ما تسرّب عنها على الأقل وقد تعزز هذا الإجماع من خلال الفعاليات ومسيرات العودة الكبرى التي انطلقت من غزة منذ 30/3/2018 وعلى مدى أسابيع متواصلة ، وما ترافق معها من فعاليات شعبية وطائرات ورقية وبلالين حارقة ، لعبت دوراً كبيراً في تأجيج الغضب ضدّ الاحتلال الإسرائيلي ، وقد أسهم ذلك في إيجاد بيئة معادية تماماً لصفقة القرن، مع تزايد صعوبة تسويقها .
فأقوى السيناريوهات المحتملة للصفقة فشلها كونها في جوهرها مشروع إسرائيلي، والطرف المتضرر منها " الشعب الفلسطيني " ، وبالتالي فإنه من خلال وجوده على الأرض، ومقاومته قادر على إفشالها ، خاصة وأنه سبق له وأن أفشل عشرات مشاريع التسوية التصفوية طوال السبعين سنة المنصرمة ، وليس من المتوقع أن يتمكن أي طرف من فرض إرادته عليه خاصة وأن البيئة العربية غير متشجعة لإنفاذ الصفقة ، وهناك احتمال آخر وهو تمرير الصفقة بعد “تأهيل” الحالة الفلسطينية والعربية والإسلامية لقبولها ويعتمد ذلك على تسويق وتلميع طرف فلسطيني ملتزم بمسار التسوية، باعتباره صامداً ومحافظاً على الحقوق الفلسطينية، في الوقت الذي يتم فيه تخفيف عدد من النقاط التي تمّ تسريبها وإظهار “تراجع” الطرف الإسرائيلي والأمريكي عنها، وتقديم ذلك كانتصارات للطرف الفلسطيني والعربي، في الوقت الذي يتم فيه تمرير قضايا جوهرية عالقة أو تأجيلها، بحيث تكون المحصلة النهائية اتفاقاً جديداً بتنازلات جديدة ، وخصوصاً في مواضيع القدس واللاجئين والسيادة على الأرض ، فمثلاً يتم تخفيف التشدد الإسرائيلي فيما يتعلق بمساحة السيطرة الفلسطينية في الضفة الغربية من 60% إلى 40% أو 12% أو حتى 6%… وتتم جدولة “إعادة الانتشار” الإسرائيلي بطريقة يُمكن تسويقها ، أو يتم توسيع دائرة النفوذ الفلسطيني في شرقي القدس، وإعطاء قدر من الإدارة المشتركة فيما يتعلق بالبلدة القديمةأو يتم الاكتفاء بالمستوطنات القائمة دون ضمّ البؤر الاستيطانية…أو تتم الموافقة على إعلان الدولة الفلسطينية في إطار زمني قريب، مع توفير بعض أشكال “السيادة” والاستقلال الاقتصادي، ورفع الحصار عن القطاع والموافقة على إنشاء الميناء والمطار، وتوفير ممر آمن بين الضفة والقطاع...إلخ.
وهناك سيناريو نجاح الصفقة وفق الشروط والمعايير الأمريكية المعروضة حالياً أو حسبما تسرب من الصفقة ، على أساس متابعة الولايات المتحدة إصرارها على إنفاذ خطوط التسوية عملياً على الأرض، ومتابعة الضغط على دول المنطقة لإجبارها على دعمها، مع تهديدها بتركها إلى مصيرها في صراعاتها الإقليمية أو في نزاعاتها مع شعوبها ، وتوفير زعامة فلسطينية جديدة تُوفر الغطاء اللازم فلسطينياً لمسار التسوية.
وكما أسلفنا فإن الخيار الأول الذي يتحدث عن فشل الصفقة هو الخيار المرجح، حيث ما زال الوضع الفلسطيني مجمعاً على رفضها، وما زالت المقاومة قوية على الأرض، كما تراجع الحماس العربي بشأنها ، مع حالة الارتباك التي يشهدها الأداء السياسي الأمريكي في المنطقة.
والخيار الأخير ما زال مستبعداً، وإن كان البعض يُلوّح بأسماء رجال أعمال وشخصيات تسعى لتسلق المشهد السياسي ، فــ “صفقة القرن”، وفق التسريبات المتداولة، تواجه مأزقاً حقيقياً بسبب صمود الشعب الفلسطيني وقواه الإسلامية والوطنية الفاعلة، وبسبب تراجع و”برود” البيئة العربية التي قد تُقدم دعماً محتملاً للصفقة، وبسبب ارتباك أداء السياسة الخارجية الأمريكية ، غير أن ذلك كله، لا ينبغي أن يُقلّل من خطورة المحاولات الجارية لفرض الحقائق على الأرض، وخصوصاً السعي لإضاعة الحق الفلسطيني في القدس وفي عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم التي أُخرجوا منها ، وما زالت إمكانات إسقاط الصفقة وإفشالها عالية، طالما أنه لا يوجد طرف فلسطيني يوافق على أن يُقدم غطاء لتمريرها
إسقاط الصفقة نهائياً وإلى الأبد يعني إسقاط النهج صهيو أمريكي للحل ، وهذا يتطلب : تعزيز الوحدة الوطنية الفلسطينية أولاً من خلال تنسيق الجهود كافة في مواجهة “الصفقة” وإصدار ميثاق تتعاهد فيه القوى والفصائل والرموز الفلسطينية بالمحافظة على الثوابت، ورفض “صفقة القرن” وأي صفقة أو تسوية تنتقص من الحقوق الفلسطينية وقبل هذا وذاك إنفاذ اتفاق المصالحة الفلسطينية وعقد مجلس وطني فلسطيني توحيدي، وإعادة بناء منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية بما يتوافق مع إعادة القوة والحيوية للمشروع الوطني الفلسطيني ورفع الإجراءات العقابية عن قطاع غزة فوراً والدعوة العاجلة إلى عقد الإطار القيادي الموحد للشعب الفلسطيني وتفعيله كإطار لحماية الحقوق والثوابت الفلسطينية إلى حين إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية مع تفعيل مؤسسات العمل الشعبي والنقابي في الداخل والخارج ووقف التنسيق الأمني مع الاحتلال الإسرائيلي و رفع سقف الحريات في مناطق سيطرة السلطة في الضفة وغزة ، ، وتفعيل دور الإنسان الفلسطيني في التنمية السياسية والمجتمعية والنضالية.
صفقة القرن بدعة ترامبية مجنونة بنكهة وصناعة صهيونية حبائلها متواصلة مع النهج الأمريكي التصفوي للقضية وهي تسير على ذات خطا كيسنجر في الحل التصفوي يجب أن تسقط ، فأميركا هي الحاضنة الأولى للمشروع الصهيوني، وعندما بدأت في أعقاب الحرب العالمية الثانية تبشر بملء الفراغ في الشرق الأوسط بعد رحيل الاستعمار القديم، إنما كانت تقصد حشد كل الظروف لصالح المشروع الصهيوني، ولصالح جعل إسرائيل هي القوة الأولى، وآخر مشاريع أميركا هي تقسيم المنطقة على أساس طائفي وعرقي ، وجعل إسرائيل هي القوة المهيمنة في هذا السياق المجزأ، وتحويل كل قطر إلى دويلات وهمية .
ولكن رغم أن هزيمة كبرى وتكاد تكون ماحقة لحقت بهذا المشروع الذي كانت أميركا قد جندت له كل إمكانياتها ، إلا أنه ما زال المشروع قائماً، وصفقة ترامب هي جزء منه، يتوجب إسقاطها بتحويلها إلى مجرد وهم مريض ، فالشعب الفلسطيني يستطيع ذلك، فهو وحده الذي يمتلك أسرار وحدته، وعبقرية بقائه، وإبداعات نضاله، وحين يكون هو في مقدمة المقاومة فستكون إرادته هي المجسدة على الأرض، هكذا فعل حين أطلق ثورته المعاصرة، وانتفاضته المبدعة الخارقة، ومعركة الكرامة أول إشارة إلى محولي الانتصار الصهيوني إلى هزيمة وصولاً إلى طائرات الأطفال الورقية التي تثبت كم أن إسرائيل ليست سوى دولة افتراضية وأوهى من خيوط العنكبوت، صفقة ترامب وهم ويجب أن تسقط ، ففي حال سقوطها سيتبعه سقوط مشروع التقسيم برمته، وتمتلك هذه الأمة حرية الوجود والاستقلال وليس إدارة الخلافات والانقسامات الخائبة المفتعلة.. شعبنا يستطيع، فمن أسقط مشاريع الإسكان والتوطين؟ ومن أسقط تهجير الفلسطينيين إلى العالم الجديد؟ ومن أسقط روابط القرى، ومغامرات التحالف الجارية في الخفاء مع إسرائيل؟ أليس شعبنا بصموده ومقاومته ورفضه التسليم والاستسلام رغم فداحة وجسامة التضحيات ، شعبنا يستطيع فهو شعب الصبر والمعجزة شعب الجبارين وبصموده سيسقط المشروع التصفوي للقضية يومئذٍ وسيولي السائرون خلفه الأدبار.
بقلم/ عبدالحميد الهمشري