التصريحات الإعلامية والملفات التي تتعلق بالفساد والمفسدين والتي يتم الكشف عنها من وقت لآخر سواء من قبل الرئيس محمود عباس او هيئة مكافحة الفساد في فلسطين وعن الشكاوى المقدمة من قبل الجماهير في قضايا الفساد داخل الدوائر والوزارات والمؤسسات الوطنية الحكومية، حيث تؤكد الهيئة انها تستقبل مئات القضايا والشكاوي لأشخاص متهمون بالفساد.
لا نبالغ لو قلنا أن قضية الفساد في الوطن الفلسطيني أصبحت من الكوارث الكبيرة والصعبة وهي بحاجة إلى جهد ورقابة وطنية حكومية وشعبية تشترك فيه كل الإطراف سواء هيئة مكافحة الفساد او هيئة الرقابة العامة او كافة المؤسسات الوطنية والشعبية التي تهتم بهذا الجانب، وذلك لوضع حلول واليات عمل حقيقية بعيدا عن لغة الشعارات أو أساليب الابتزاز، فلم يشهد تاريخنا الفلسطيني مسلسلا فضائحيا وبامتياز كما يشهده اليوم, فلا يمر يوم أو شهر على واقع الحياة المعاش في وطننا, إلا وكانت هناك فضيحة ماليه واختلاس أو رشوه أو تلاعب من احد الاشخاص المتنفذين او المسئولين في بعض الوزارات والهيئات والمؤسسات الحكومية والوطنية.
إن مسلسل ملفات الفساد في وطننا اليوم، الذي يضرب أطناب مؤسسات ووزارات دولتنا العتيدة، ويضيف عبئاً كبيراً على كاهل المواطن المرهق أصلا من إرهاصات تدهور الوضع الأمني والخدمي والانقسام والاحتلال بشكل عام، فأصبحت هذه الظاهرة المتمثلة بالفساد مشكلة متوطنة وخبيثة على كل مستويات السلطة ليبقى هذا الملف يلقي بأسئلة عدة من شأنها أن تحفز على رفع قضايا ودعاوي، لما تتشعب فيه الارتباطات من شركات وشخصيات أسهمت وبشكل فاعل وكبير في ضياع وتسرب أموال هذا الوطن، ومنذ أن بدأت ظاهرة الفساد تتزايد تفشيا في شرايين الجسم الفلسطيني.
ما يشهده وطننا من هذه الظاهرة السرطانية الخطيرة، وعلى كافة مستوياتها وأنواعها، برزت بشكل واضح في الأعوام الماضية حيث بدد هؤلاء اللصوص والمفسدون موارد وخيرات ومساعدات الشعب الفلسطيني، بإمكانياتها المالية والاقتصادية والبشرية في حروب عبثية لا طائل منها وأصبحت ظاهرة الفساد المالي والإداري تبرز بشكل ملفت للنظر ويعزى سبب ذلك إلى ضعف مدخولات الفرد والموظف الفلسطيني وانخفاض قيمة العملة التي يتقاضاها الموظف او العامل الفلسطيني إمام العملات الأخرى وتدهور اقتصاد الوطن وانخفاض دخل الفرد بسبب انخفاض قيمة العملة حتى أصبح راتب الموظف الشهري يعادل ثلاثة دولارات تقريبا كما أن الفرد الفلسطيني قد استهلك جميع المدخرات التي يدخرها في سبيل سد احتياجاته المعيشية وخاصة في هذا الظرف المأساوي الحصار والإغلاقات والانقسام بين شطري الوطن ووجود حكومتين هنا وهناك.
إن المهمة الرئيسية التي يتوجب على الحكومة معالجتها بحزم هي قضية الفساد المالي والإداري فالفساد يعتبر بمثابة مرض السرطان الذي يصيب المفاصل الحكومية في وطننا، ولا يقل خطورة عن الاحتلال والاستعمار والإرهاب، وبعد إنشاء السلطة الوطنية الفلسطينية، توقع المواطن بأنه تخلص من هذا المرض ولكن ما يؤسف له مازال السرطان يأخذ مجراه والمواطن في حيرة ويتساءل عن الحل والحلول ولا يزال متشائم بالمستقبل في ظل وجود هذا الفساد الخانق، وانأ أتساءل كسائر الموطنين متى نتخلص من هذه الآفة والمستفيدين منها على حساب الشعب الفلسطيني ومتى نشم رائحة النزاهة وعطر الإخلاص في مؤسساتنا ووزاراتنا وهيئاتنا ودوائرنا وسفاراتنا وقناصلنا، ولماذا يتلاعب البعض بأموال الفقراء والأيتام والأرامل وعوائل الشهداء والجرحى والمسحوقين من أبناء جلدتنا ؟ ألا يكفي ما رأيناه في صفحات تاريخنا من دمار وخراب وفقر، ولماذا لا يحس المسؤولين بان هذه الأموال أمانة في أعناقهم وأنها ملك عام ولا يجوز لهم سرقتها والتصرف بها بما تشتهي أنفسهم.
إن الفساد أشبه ما يكون بالسوس الذي ينخر أينما حل وحط، ومن الصعب بل ومن المستحيل مكافحته إلا بأقوى الأدوية والعقاقير والمبيدات أو بالحرق إذا لزم الأمر، وهو الطريق والسبيل الوحيد للخلاص منه على قدر المعلومات التي عرفناها.
وعلى ضوء هذا فان الفساد في القطاعات المختلفة، فعادة ما يكون التلاعب في أموال الجماهير من العيار الثقيل والمتلاعب يكون من المسئولين أو المتنفذين الكبار، فيحالون للقضاء بتهمة سرقة الأموال والعبث بالاقتصاد الوطني، لكن هذه السرقات ليس بالضرورة أن تنعكس على واقع المواطن بشكل مباشر، ففلسطين عانت من هذه الحالة على ضوء الطرح نفسه وحدثت سرقات من قبل مسؤلين كبار فمنهم من استطاع ان يهرب خارج الوطن، ومنهم من قبض عليه وأحيل للقضاء رغم إننا نعلم ان هيئة مكافحة الفساد كانت في اغلب الاحيان مقيدة لأسباب عدة، وان يدها غير مطلق لها العنان بسبب الخصوصية في الوطن حيث الاحتلال الصهيوني وعدم التحكم في بعض المناطق الفلسطينية التي يديرها الحكم العسكري الإسرائيلي.
إننا نقف على مفترق طرق ولا سبيل لنا إلى الوقوف بحزم وقوة مع كل المفسدين فهم وبدون أدنى شك الوجه الآخر للاحتلال، فكلاهما يريد تدمير فلسطين والجماهير وعلى القوى السياسية والوطنية والإسلامية، أن تتعامل مع الوضع القائم تعاملا قانونيا لا سياسيا وإنهاء معانات الجماهير وفقا لما تتطلبه المصلحة العامة لكي يمنحوها الثقة والمصداقية لما تدعيه من أهداف وبرامج ولكي لا تتحول حياة جماهير فلسطين في المحصلة النهائية إلى سوق تتداول فيها عملة رديئة أحد أوجهها الفساد الإداري والمالي ووجهها الآخر فساد القيم والأخلاق والضمير.
هذه خطوات قد تبدو بسيطة وقد تكون بدائية بالنسبة إلى مجتمعات متطورة سبقتنا في محاربة الفساد بصورة عامة سواء كان إداريا او ماليا او اجتماعيا او أكاديميا او غيره، وهو فيما إذا ثبتت جريمة مالية او اقتصادية او غيرها على شخص ما فانه يصار إلى فضح اسمه وصورته في وسائل الإعلام ويحاكم علنا على ان لا يكون حارسا او شرطيا او موظفا بسيطا وإنما المقصود أولئك المفسدين وجرائمهم بملايين او مليارات الدولارات والهوامير والحيتان والقطط السمان ليكونوا عبرة لغيرهم وليردعوا بهذا العقاب آخرين قد تسول لهم أنفسهم سرقة قوت الجماهير واللعب بمصائرهم، والخوف من الأساليب الرادعة لتحقيق موازنة بين ان تسول للمفسد نفسه وبين الإحجام عن الخطأ وهو احد الطرق التي استخدمتها بلدان قبلنا.
وأخيرا علينا كلنا مسؤولية جماعية لكشف وإظهار هؤلاء المفسدون على شاشات التلفزيون ووسائل الإعلام وأمام الملأ ليكونوا عبرة لغيرهم، وإذا لم نقف كلنا وقفة رجل واحد لردع هؤلاء الفاسدين، فسيؤمن هؤلاء، وديتهم إنهم سيتركون الوطن إلى منتجع غربي جميل وإذا لم يسعفهم الوقت للفرار للمنتجعات الغربية فالخيار عندها اما أمريكا أو سويسرا أو تركيا أو الدوحة ويعيشوا عيشة السلاطين ويتمتعوا بأموال الغلابة والفقراء آمنا من أي عقاب أو ملاحقة أو فضيحة تلحق به.
آخر الكلام/
أيتها الحكومة أيها السياسيون أيها المتنفذون إن رغيف خبز المواطن أمانة في أعناقكم انتم من يتحمل مسؤولية معاناة الشعب اليومية انتم من يتحمل مسؤولية جيوش المشردين والمتسولين في تقاطعات الطرق والساحات العامة انتم من يتحمل مسؤولية انعدام الخدمات وعليكم تقع مسؤولية مرض كل طفل وشيخ لا يجد له دواء اوعلاج في مستشفياتنا وعليكم تقع مسؤولية كل شاب ينحرف ويعمل مع عصابات القتل لأنه لم يجد فرصة عمل شريف وعليكم تقع كل معاناة وألم لفلسطيني يحب وطنه في داخل الوطن او خارجه.
بقلم/ رامي الغف*
إعلامي وباحث سياسي