بعد حصوله على موافقة الكنيست لتسلم حقيبة وزارة الحرب الإسرائيلية، اطلق بنيامين نتنياهو تصريحا يتعهد فيه بأنه سيقوم بتسريع الاستيطان في كل مكان من «ارض» إسرائيل. يكمل هذا التصريح رؤية واضحة للاستراتيجية الإسرائيلية، والأهداف التي تسعى لتحقيقها مسترشداً، وملتزماً، بمخططات أوائل رواد الحركة الصهيونية التي تتجاوز الأهداف والدوافع التي جعلت الدول الاستعمارية، تضع إمكانياتها لإنجاح المشروع الصهيوني.
لا تنتظر كما لم تفعل سابقاً، مواقف الدول الأخرى بما في ذلك الولايات المتحدة التي تقف بالباع والذراع الى جانب إسرائيل، فلقد سبق لها ان عاندت إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما الذي اختلفت معه في موضوع أولويات الاهتمام، وفي موضوع الاستيطان، ذهب اوباما بعد ثماني سنوات، دون ان تفلح الإغراءات التي قدمها لإسرائيل، فقد تغير هو وإدارته، دون ان تتغير المخططات الإسرائيلية.
المندوبة الأميركية للأمم المتحدة نيكي هايلي أدلت بتصريحات حول أفكار أميركية ذات صلة بصفقة القرن، وقالت من ضمن ما قالت ان هذه الأفكار او بعضها سيغضب الطرفين والمقصود فلسطين وإسرائيل.
حتى الآن أغضبت المواقف الأميركية الفلسطينيين بالقدر الذي لا يجعلهم يتفاجؤون إزاء اية مواقف اخرى تنتقص من حقوقهم، وتحولها لصالح إسرائيل، لكن الغضب الفلسطيني والعربي لم يرغم ادارة ترامب حتى على إعادة التفكير بما اتخذته من مواقف وسياسات معادية.
يختلف الأمر حين يتعلق بمواقف قد تغضب اسرائيل، حيث تملك الاخيرة القدرة على الرفض، ومواجهة اسباب الغضب، بل وتستطيع تجنيد وسائل للضغط على الادارة الاميركية، التي لا ترغب وربما لا تستطيع اغضاب اسرائيل.
اجندة واستراتيجية اسرائيل واضحة، ولا نعتقد ان ثمة ما يرغمها على التوقف او التراجع، او حتى التباطؤ في التنفيذ، طالما انها تجد صداً عمليا للتجاوب مع اهدافها، وفي غياب قدرة على الردع سواء لردعها او لردع القوى المتفاعلة ايجابياً مع اهدافها بما في ذلك من بعض الدول العربية الشقيقة.
يقول نتنياهو «ان محاولة حرماننا من الحائط الواقي المتمثل بجبال يهودا والسامرة في قلب موطننا التاريخي سيبقي دولتنا بدون القدرة على الدفاع عن نفسها، وسيسمح لقوى الاسلام المتطرف، بالتهديد على الشرق الأوسط بأسره».
هذه هي ملامح، بل خطوط العمل التي تنطوي عليها استراتيجية إسرائيل، فالضفة الغربية هي يهودا والسامرة، التي تشكل قلب الوطن التاريخي، الذي لن تسمح إسرائيل للفلسطينيين بإقامة دولتهم فيها. وتستخدم إسرائيل فزاعة الإسلام المتطرف، لكي تضع نفسها في موقع الدفاع عن الشرق الأوسط، الذي يتعرض للتهديد، لكنها تسعى وراء تحالف او حلف أميركي إسرائيلي سني، والمقصود مع عدد من الدول السنية خصوصاً وعينها على دول الخليج بذريعة مواجهة الخطر الشيعي.
ويضيف نتنياهو «لا نشترط تطوير علاقاتنا بالعالم العربي بالتوصل الى سلام مع الفلسطينيين، سنبحث عن سلام مع الجميع، وسنمضي قدماً مع اي من جيراننا ودول المنطقة المعنية بالسلام، وهناك الكثيرون الذين يريدون.
لم نصدق نتنياهو حين كان يتحدث عن تقدم في العلاقات بين اسرائيل وبعض الدول العربية، لكننا بتنا نصدق ذلك، بعد زيارته لمسقط وزيارات عدد من المسؤولين لدول خليجية اخرى، بعضها ذهب به الحماس مثل وزير خارجية البحرين، للدفاع عن موقف استراليا، الذي يعترف بالقدس عاصمة لاسرائيل، بالرغم من التنديد العربي، الذي صدر عن الاجتماع الطارئ للجامعة العربية يوم الثلاثاء الماضي.
بعض العرب المهرولين نحو تطبيع علاقاتهم بإسرائيل، تجاوزوا بوقاحة شديدة قرارات القمم العربية التي وافقوا عليها، بما في ذلك مبادرة السلام العربية التي أقرتها قمة بيروت عام ٢٠٠٢، وهي من منشأ سعودي.
اذا استمر هذا السباق في تطبيع العلاقات فان الدول العرية التي تمارس ذلك، تكون قد أسقطت مبادرة السلام العربية لكونها استجابت للمحاولات الاسرائيلية لقلبها رأساً على عقب، فبدلا من ان يكون السلام مع الفلسطينيين شرطاً للتطبيع، يصبح التطبيع اولاً وثانياً وعاشراً، وبدون ان يحصل الفلسطينيون على اي من حقوقهم.
بكلام كاذب من اوله الى آخره، يقول نتنياهو «طيلة سنوات راج العرف بأنه لا يمكن حدوث تقارب بين اسرائيل والعالم العربي، الا بعد ان يتم التوصل الى سلام مع الفلسطينيين، ولكن الواقع يثبت ان تعاوننا مع الدول الرائدة في العالم العربي والاسلامي دون غيره هو الذي من شأنه ان يساهم في حل النزاع مع جيراننا».
وعملياً فإن اسرائيل تواصل تحقيق النجاح في استمالة عديد الدول العربية والاسلامية والافريقية، نحو تطبيع العلاقات معها، بموازاة عمل دؤوب من اجل تقويض كل امكانية لتحقيق سلام مع الفلسطينيين قائم على اساس ومرجعية القرارات الدولية.
لعل العرب ينتبهون الى هذه النقطة، لكنهم على الارجح يعرفون ذلك لكنهم يغلّبون ما يعتقدون انها مصالحهم، وان هذه المصالح تفترض الحاجة الماسة للتعاون مع إسرائيل قبل او حتى بدون ان يتحقق السلام مع الفلسطينيين.
فوق كل ما يتعلق بالمخططات التوسعية العنصرية التي تسعى إسرائيل لتحقيقها على الأرض الفلسطينية، فإنها تتطلع الى بسط سيادتها على الجولان المحتل. وبإيعاز من اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة يتقدم مجموعة من نواب الكونغرس، بمشروع قانون يجيز لإسرائيل ضم الجولان المحتل وإعلان سيادتها عليه قبل ان تسأل عن العرب. ليس من موقع التحدي، وإنما كحد ادنى من موقع صيانة الحقوق العربية ورفض التوقيع، نسأل الفلسطينيين عن واجباتهم تجاه أنفسهم وتجاه الحقوق العربية.
بقلم/ طلال عوكل