خلق قرار المحكمة الدستورية المشهور بـ"حل المجلس التشريعي" تحديا جديدا في إطار العلاقات الفلسطينية الداخلية وفي الوقت ذاته قدم فرصة جديدة بإتاحة مدخلا جديدا لإنهاء الانقسام. صحيح أن ذات القرار لم يقدم إجابة بقدر مع أبرز تساؤلات عديدة تتعلق بقدر الفلسطينيين على تجاوز التحدي الذي خلقة قرار المحكمة وهو أولا اجراء الانتخابات في ظل ظروف معقدة ومركبة فمن جهة الاحتلال الإسرائيلي ومن جهة ثانية الانقسام.
الانقسام النخبوي من حل المجلس التشريعي، ودفاع البعض عن مصالحه، يرافقه انقسام شعبي لذات الشأن؛ ففي استطلاع للرأي العام صدر من المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية الأسبوع الفائت أي قبل معرفة قرار المحكمة الدستورية، أيد 47% من المواطنين الفلسطينيين حل المجلس التشريعي في المقابل عارضه 43% منهم. ورأت نسبة 37% أن حل المجلس التشريعي سيضعف فرص المصالحة فيما ترى نسبة من 21% أنه سيعزز فرص المصالحة، وترى نسبة من 34% أنه لن يؤثر على فرص المصالحة.
وأشارت نتائج الاستطلاع الى أنه ترتفع نسبة تأييد حل المجلس التشريعي في الضفة الغربية (52%) مقارنة بقطاع غزة (38%)، بين الرجال (51%) مقارنة بالنساء، (42%)، بين حملة شهادة البكالوريوس (45%) مقارنة بالأميين (38%)، بين غير المتدينين ومتوسطي التدين (62% و50% على التوالي) مقارنة بالمتدينين (39%)، وبين مؤيدي فتح (52%) مقارنة بمؤيدي حماس (38%).
وبغض النظر عن النقاش الدائر في النخب السياسية والمجتمعية حول دستورية وقانونية هذا القرار، فإنه جاء كحل لمأزق دستوري يتعلق بمدة ولاية المجلس التشريعي التي امتدت لاثني عشر عاما دون بارقة أمل بانتهائها، ولأزمة سياسية تتعلق بغياب الانتخابات العامة مرافقة لانقسام سياسي بات يتحول الى انفصال يهدد المشروع الوطني بإقامة الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران 1967.
كما أكد قرار المحكمة في متنه ونتائجه، دون مواربة، حق المواطنين في اختيار ممثليهم في المجلس التشريعي، وهو بهذا يخلق تحديا لشرعية النظام السياسي إذا لم يقم بإجراء الانتخابات وليس فقط القيام بالإعلان عن موعد الانتخابات. فجميع الشرعيات النضالية منها والدستورية قد تآكلت. ولم يعد بالإمكان التشدق بنتائج الانتخابات التي جرت منذ أكثر من اثني عشر عاما صالحا وبعد ثماني سنوات على انتهاء المدة الدستورية، فصندوق الاقتراع لمرة واحدة لا يمنح صكا مطلقا.
تحويل التحدي الى فرصة، في ظني ممكن، من خلال استثمار قرار المحكمة بإجراء الانتخابات العامة باعتبارها مدخلا لإنهاء الانقسام بعد فشل الخيارات والجهود التي بذلت في السنوات العشر الأخيرة، أي منذ بدء الحوار الوطني في العام 2009، كما أنه فرصة لتوطين الحوار الوطني ومأسسته في إطار المجلس التشريعي لإنهاء الانقسام الامر الذي يتيح إمكانية الضغط الشعبي على المشرعين الموجودين تحت قبة البرلمان في رام الله وغزة من جهة، وتوقف سياحة المصالحة من عاصمة الى أخرى حول العالم من جهة ثانية، ومن جهة ثالثة فهو فرصة لإعادة التوازن للنظام السياسي من خلال مجلس منتخب يحظى بتفويض شعبي.
جهاد حرب