منذ ان نشأت الحركة الوطنية الاسيرة، ووضعت لبناتها الاولى عقب احتلال باقي الاراضي الفلسطينية، سجلت لنفسها صفحات مضيئة. ومن ثم مرت بمراحل عدة ومنعطفات كثيرة وتعرضت لمحطات خطيرة، لكن مجمل تجربتها تعتبر فريدة من نوعها. اذ عكست في كثير من جوانبها معاناة لا مثيل لها. وفي جوانب اخرى قدمت صوراً مشرقة في الصمود والتضحيةً واعطت نماذج تحتذى.
لقد شارك كل من مر على السجون في تلك التجربة، وساهمت الفصائل كافة في رسم وصياغة فصولها. وتجربة حركة "فتح" التي فجرّت الثورة الفلسطينية المعاصرة وأطلقت شرارتها الأولى في الأول من كانون ثاني/ يناير عام 1965، تتشابك مع مجمل التجربة الجماعية للحركة الوطنية الأسيرة، لكنها كانت الأكثر حضوراً على مدار اربعة وخمسين عاما مضت، ومازالت هي الأكثر تأثيراً على الساحة الاعتقالية.
وقد شكّل ابناء الفتح الغالبية العظمى من مجموع الأسرى منذ ان افتتحت السجون. واعتبرت "فتح" هي العمود الفقري للحركة الوطنية الأسيرة في كافة الأوقات والأزمنة، ومازالت تشكل اليوم أكثر من 60% من إجمالي عدد الأسرى والمعتقلين القابعين في السجون الإسرائيلية، وأن ما يزيد عن نصف الأسرى الذين يقضون أحكاماً بالسجن المؤبد، لمرة واحدة أو لمرات عدة، هم ينتمون لحركة فتح، مما يعكس حجم دورها ووزنها وحضورها على الساحة الفلسطينية.
وعودة الى التاريخ، فلقد ساهمت "فتح" بشكل كبير في تطور الحركة الوطنية الأسيرة، وشاركت في قيادة معارك المواجهة ضد السجان. وسعت كباقي الفصائل في وضع برامج للارتقاء بذاتها وتعبئة وتطوير عناصرها.
ولعبت حركة "فتح" دورا هاما في تعزيز الوحدة الوطنية داخل السجون وتعزيز الموقف الموحد، مما انعكس ايجابا على طبيعة الصراع مع إدارة السجون وإفشال مخططاتها في تفتيت وحدة الأسرى والانقضاض على هويتهم النضالية. كما وساهمت بدور أساسي في وثيقة الوفاق الوطني التي شكلت اساسا للحوار الفلسطيني -الفلسطيني لانهاء "الانقسام" واستعادة الوحدة الوطنية.
وعودة الى أصل الحكاية، فحركة "فتح" هي أول الرصاص وأول الحجارة، فهي من صنعت لشعبي ثورة. وهي من افتتحت السجون، فكان منها الأسير الأول في الثورة الفلسطينية المعاصرة الاسير"محمود بكر حجازي" الذي أعتقل بتاريخ 18 كانون ثاني/يناير1965، و منها كانت الأسيرة الأولى "فاطمة البريناوي".
و"فتح" قدمت الشهيد الأول من أسرى القدس "قاسم أبو عكر" بعد أن سطّر صفحة مضيئة في الصمود داخل أقبية التحقيق، وسقط بعده العشرات من اسراها شهداء في السجون.
وبالأرقام تعتبر حركة فتح أكثر الفصائل الفلسطينية تحريرا للأسرى من خلال "صفقات التبادل" و "المفاوضات السياسية"، وهي من نجحت في الجمع والمزاوجة ما بين المقاومة والتفاوض في تحرير أكثر من ثمانية عشر ألف اسيرا فلسطينيا وعربيا من سجون ومعتقلات الاحتلال. هكذا يحفظ التاريخ ويؤرخ المؤرخون.
وقد شكّل مؤسسها وقائدها الشهيد الرمز "أبو عمار" رحمه الله، الأب الروحي والقدوة للحركة الوطنية الأسيرة، وهو الذي تنسب اليه المقولة الشهيرة "خيرة أبناء شعبي في السجون".
كما وان السيد الرئيس "أبو مازن" اعتبر أن الإفراج عن الأسرى مفصلا أساسيا لأي مفاوضات أو تسوية عادلة، فكان حريصاً على الافراج عنهم، ونجح في اطلاق سراح الكثيرين منهم، وأن المفاوضات الاخيرة كانت قد توقفت بسبب تنصل اسرائيل من التزاماتها ورفضها الافراج عن الدفعة الرابعة من الأسرى القدامى اواخر آذار/مارس عام 2014 .
ومازالت حركة فتح تشكل الاغلبية في السجون وهي الاكثر حضورا وتاثيرا. وبدون شك فان الحالة التي تمر بها الحركة اليوم عكست نفسها على واقع الحركة الاسيرة واثرت سلبا على واقع الحركة الاسيرة. كما وان ما اصاب الحركة الاسيرة من انقسام وتراجع قد اثر على حركة فتح. لذا دائما ندعو لفتح الوحدة والتماسك لما لذلك من انعكاسات كبيرة وقوية على الحركة الاسيرة.
ان حركة "فتح" بتاريخها وارثها، بحاضرها ومستقبلها، هي ملك للشعب الفلسطيني كافة، وكلما اشتد عودها وتماسكت وحدتها، ازدادت الحركة الاسيرة صلابة و ازددنا كفلسطينيين قوة.
عاشت الذكرى . عاشت الانطلاقة . عاشت الثورة
بقلم/ عبد الناصر فروانة