أكاد أجزم بأن العام 2018 لم يكن سيئًّا على الفلسطينيين فحسب بل صادماً يوازي صدمة النكسة لمن عاشرها .. 2018 يعد عاماً فاصلاً أسس لمسار جديد في منحنيات صعود وهبوط المسألة الفلسطينية وللأسف فقد زاد من التعقيدات التي تميزها، وضاعف الجدران التي تخنقها، حيث بات السؤال حول مستقبل الصراع مضحكاً كونه لا يحمل إجابة إلا لوي الشفاه تحسراً واختناق التوقعات تعسراً!
ثلاثة ضربات في مقتل أصابت الحالة الفلسطينية في العام السابق: الأولى نقل السفارة الامريكية للقدس، وقطع المساعدات الأمريكية عن الفلسطينيين ووقف المساهمات المالية لوكالة الأونروا واغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية ، بالتزامن مع محاصرة الجهود الفلسطينية وتقويضها في أروقة مؤسسات الامم المتحدة من أجل الضغط على الفلسطينيين لشراء منتج وهمي اسمه صفقة القرن وهدفه التصفية.
الثانية: انكشاف المستور عن بعض من التوجهات العربية الخليجية التي طالما عوّل عليها الفلسطينيون كورقة ضغط مثمرة اقتصادياً يمكنها التأثير على الولايات المتحدة من أجل الحفاظ ولو على الحد الأدنى من بعض الوساطة الأمريكية المحايدة في آتون الصراع . فضلاً على ظهور أصوات أقل ما يوصف بأنها ساذجة وعبيطة ترحب باستبدال الفلسطينيين باسرائيل كحليف من مبدأ لماذا أرجم الشيطان ما دام لا يؤذيني!!!
أما الثالثة فهي محصلة السابقتين: غياب كلي لأفق حلول منطقية للمسألة الفلسطينية الاسرائيلية، فالحديث عن نافذة حل الدولتين أصبح أمراً سرياليًّا، فلا التشدد والتصادمية في المواقف الاسرائيلية تساعد، ولا التشرذم الفلسطيني/ الفلسطيني يمنح قوة ومقدرة على المطالبة بدولة فلسطينية. وعليه، لم تعد المسألة لمعظم الشعب الذي يعاني موضوع دولة فلسطين أو دولة اسرائيل، بل شأناً يتعلق بالكرامة والحقوق وأحقية الوجود!
وعلى الرغم من هذه الضربات القاتلة إلا أنه لا يمكن تجاهل إيجابيتها، فقد أعادت الوهج لموقع القضية الفلسطينية بعد سنوات من حالة سكون وتراخي إقليمي ودولي بفعل ظهور صراعات جديدة في المنطقة كالأزمة السورية والحرب اليمنية والصراع الخليجي الخليجي باختلافاته المذهبية والمصلحية، لتثبت من جديد أن خفوت القضية أو اشتعالها سيبقيها عقدة العالم وليس الشرق الاوسط فحسب مقابل أية أحداث أخرى، وانها الورقة الرابحة الدائمة لأي رئيس أونظام يريد أن يتبوأ مقعداً في مزابل التاريخ أو على رءوس صفحاته الناصعة!
ماذا سنفعل فلسطينيا في العام 2019 ؟ برأيي ليس أمامنا سوى الإصرار على خوض معركة الوعي بوسائل غير تقليدية منها :
أولاً: توطيد وتنشيط العلاقة مع الحركات والمنظمات الدينية المسيحية العالمية والأمريكية تحديداً التي تدعم حقوق الشعب الفلسطيني أوعلى الأقل تملك نظرة انسانية للوضع الفلسطيني. والتي يتركز جمهورها في رواد الكنائس ودافعي الضرائب وتنطلق من مبدأ دعم الاخلاقيات التي يقوم عليها الدستور والديمقراطية الامريكية مثل منظمة FOSNA التي تستطيع مخاطبة الجمهور الأمريكي بالطريقة التي تثير اهتمامه.
ثانياً: محاولة فرز ودراسة أعضاء الكونجرس الأمريكي ونسج علاقات مع المعتدلين منهم الذين يدعمون حق الشعبين في العيش بسلام، أو حتى الأعضاء غير المهتمين بالشأن الفلسطيني ولكنهم يملكون صوتاً مؤثراً . وربما يبدو هذا الاتجاه غريباً نظراً للسمعة السيئة التي يحظى بها الكونجرس عند الفلسطينيين نتيجة مواقفه وقوانينه المضادة للقضية الفلسطينية. ولكن ما لا ندركه أن هناك أعضاء مهتمين بالحق الفلسطيني وإن كان صوتهم غير مسموع بسبب سيطرة اللوبي الاسرائيلي . فعلى سبيل المثال وقع 35 عضواً من الكونجرس على رسالة يقفون فيها بجانب الناشط الحقوقي الفلسطيني عيسى عمرو ضد محاكمته اسرائيلياً؟ كذلك طالب عدداً منهم مثل باربرا لي ، بيتي موكولم ، بيرني ساندرز، وغيرهم اسرائيل بالسماح لهم بزيارة غزة بعد المجزرة الأولى لمسيرات العودة ؟
ثالثاً: العمل على إعادة الشغف بالقضية الفلسطينية لدى الشباب العربي وبالأخص الخليجي عبر التركيز على الرمزية المقدسة التي تحظى بها بخلاف أية قضية أخرى، وتفعيل التواصل الشعبي معهم مع التوقف عن الحديث عن السلبيات التي تعم العالم العربي وإثارة الروح الايجابية التي تجمع ولا تفرق!
الخلاصة أن الفلسطيني سيبقى قلبه مسكونا بالأمل والألم في كل مكان يعيش به ... في السجون وفي البيوت..في الداخل والخارج ..يحيا كل صباح ولديه هذا الشعور بأن القادم ممكن أن يكون أفضل..
وكل عام وانتم بخير
بقلم/ د. أماني القرم