أسفرت نتائج الأداء الاقتصادي الفلسطيني لعام 2018م عن ضعف في نمو الناتج المحلي الإجمالي إضافة لتنبؤات أكثر ضعفا لعام 2019م و ذلك بالاستناد الى البيان الصحفي الصادر عن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني يوم الاثنين الموافق 24/12/2018 وفقا للتقديرات الأولية للأشهر التسعة الأول لعام 2018م كما أظهرت البيانات تباينا شديدا في هذا النمو بين شطري الوطن ، ففي حين حقق النمو الاقتصادي 2.3% في الضفة الغربية فان اقتصاد قطاع غزة قد تراجع الى نمو سلبي قدره -8% و بمحصلة نمو محدود للاقتصاد الفلسطيني قدره 0.7 مقارنة بنمو قدره 3% في عام 2017م مما ترتب عليه انخفاض نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي بشكل ملحوظ نتيجة استمرار النمو السكاني عند معدل مرتفع نسبيا .
و بذلك يصبح النمو الاقتصادي الذي تحقق في عام 2018م هو الأدنى منذ عام 2014م الذي تراجع النمو فيه الى -0.2% و كان ذلك راجعا في أحد أسبابه للحرب الإسرائيلية التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة و جرى خلالها تدمير البنية التحتية و عشرات الآلاف من الوحدات السكنية و المئات من المؤسسات الإنتاجية في الزراعة و الصناعة و الخدمات و من المفارقات أن عام 2018م لم يشهد أوضاعا أكثر سوءا مما كان عليه الوضع في عام 2014م ، و بالرغم أيضا من قيام دولة فلسطين بإصدار "أجندة السياسات الوطنية" للأعوام 2017م – 2022م في كانون الأول ديسمبر 2016م حيث شكلت الأجندة برنامج عمل وطني لخطة سنوية عبر هذه الفترة من أجل الإنسان و تحقيق حريته و ازدهاره، وذلك بالتركيز على المواطن أولا و تأمين الخدمات الأساس ذات الجودة لكافة أبناء الشعب دون تمييز و أينما تواجدوا.
ووفقا للمعطيات التي أعلنها الجهاز الإحصائي فان النمو الاقتصادي اعتمد بشكل كبير على قطاع الخدمات الذي مثل 62.9% من الناتج المحلي الإجمالي لعام 2018م و بالتالي فان حصة الأنشطة السلعية بلغت 37.1% فقط للزراعة و الصناعة و الإنشاءات... حيث ساهمت الزراعة بنسبة % 2.8 مقابل 11.5% للصناعة و 6.50% للإنشاءات... مما يشكل خللا كبيرا في هيكلية الناتج المحلي الإجمالي إذ من الأهمية أن يكون الإنتاج الوطني السلعي قادرا على إنتاج كميات كافية من مختلف السلع الواجب توافرها في الأسواق المحلية ، باستثناء ما يتعذر إنتاجه لأسباب مختلفة و عليه فان الضرورة تقتضي توجيه الاهتمام بشكل كبير للإنتاج السلعي خاصة الزراعي الذي يعتمد أساسا على الأرض و من ثم الحفاظ على المساحات المخصصة للزراعة على الأقل ثم زيادة مساحتها من وقت لآخر ، سواء للإحلال محل الواردات أو لتثبيت المواطنين عامة و المزارعين خاصة على أراضيهم. و لا يعني ذلك إهمال الأنشطة الأخرى فالأصل هو الاهتمام بكافة القطاعات طالما أن لديها القدرة على تحقيق نمو إنتاجي من وقت لآخر، إلا أن للنشاط الزراعي خصوصية كبيرة جنبا الى جنب النشاط الصناعي لأنهما يوفران لنا جزءا كبيرا من احتياجات الأسواق المحلية التي نضطر لاستيراد النقص فيها من العالم الخارجي، مما يدعو الى دراسة الأسباب التي أوصلت الاقتصاد الفلسطيني الى هذه الأوضاع المتردية في مستوى النمو.
إن حالة التباطؤ في النمو الاقتصادي خلال عام 2018م و فجوة النمو الكبيرة بين شطري الوطن قد انعكست على مستوى التشغيل ، فمن الطبيعي أن يزداد عدد القوى العاملة عاما بعد آخر و من ثم عدد المشتغلين بنسبة لا تقل عن معدل النمو السكاني سعيا لتحجيم معدل البطالة و الحد من استمرار ارتفاعه، و لكن اذا حدث العكس فسوف يرتفع معدل البطالة و هو ما حدث بالفعل في حالة الاقتصاد الفلسطيني الذي تزايدت فيه معدلات البطالة من 29% الى 31.1% فيما بين عامي 2017م – 2018م أي أن وضع البطالة ازداد سوءا مع زيادة عدد المتعطلين بشكل غير مسبوق مع ما يصاحب ذلك من ارتفاع مستويات الفقر بصورة حادة علما بأن معدلات البطالة لم تكن قد تجاوزت فلسطينيا 14.1% في عام 2000م مما يدلل على غياب أية سياسات تتعامل مع مشكلة البطالة بشكل جذري أو جوهري.
أما عن توقعات النمو لعام 2019م فتشير الى أن الأوضاع ستكون أكثر سوءا من حيث النمو الاقتصادي ممثلا في الناتج المحلي الإجمالي و نصيب الفرد منه و ذلك بالاستناد الى سيناريو الأساس الذي يقوم على فرضيات استمرار الوضع الاقتصادي و السياسي في فلسطين كما هو عليه خلال 2018م مع تراجع دعم المانحين، و نقص إيرادات المقاصة، و بقاء حركة الأفراد و تداول السلع على المعابر كما هي، و استمرار النمو السكاني على حاله.
و عليه فان تنبؤات النمو لعام 2019م تشير الى نمو منخفض جدا للناتج المحلي الإجمالي يبلغ 0.5% وعدم وجود مستقبل مشرق و بالتالي يقل عن نمو 2018م مع انخفاض نصيب الفرد من هذا الناتج ليصل الى -2% . علما بأن تنبؤات عام 2019م التي قام بها الجهاز الإحصائي استنادا لسيناريو الأساس و السيناريوهات الأخرى قد تمت بالتشاور مع أعضاء اللجنة الاستشارية و الإحصاءات الاقتصادية التي تضم أكاديميين و اقتصاديين محليين إضافة الى وزارة المالية و التخطيط و كذلك سلطة النقد الفلسطينية . و لم يتم الإشارة في تقدير هذه التنبؤات الى الأثر الايجابي الذي يمكن أن يتحقق عن الالتزام بتنفيذ "أجندة السياسات الوطنية الفلسطينية" ( 2017م – 2022م ) التي صممت على أساس قطاعي يتيح لكل وزارة إعداد أهم ما يتلاءم لديها من سياسات تٌعطي الأولوية للارتقاء بخدمات و رفاهية المواطن أولا .
و ختاما ألا تسترعي أرقام هذه التنبؤات و ما تحمله من مخاطر اهتمام المسئولين في الجهات التنفيذية المختلفة و من ثم دراستها و مناقشتها و تقييمها و ثم القيام بكل ما يمكن عمله لتحاشي حدوث مثل هذه التنبؤات التي تضر أبلغ الضر بالاقتصاد الفلسطيني و بالمواطنين عامة.
بقلم/ أ.د. معين رجب