الوضع الداخلي الفلسطيني .. سيناريوهات محتملة وتوصيات

بقلم: يوسف يونس

أثار إعلان الرئيس محمود عباس حل المجلس التشريعي والدعوة لإجراء انتخابات تشريعية خلال 6 أشهر، بناء على قرار المحكمة الدستورية ، جدلا كبيرا في الساحة السياسية الفلسطينية وخلق تحديا جديدا في إطار العلاقات الفلسطينية الداخلية وقدم فرصة جديدة بإتاحة مدخلا جديدا لإنهاء الانقسام أو استدامته.
وعلى الرغم ان فصائل المعارضة اعتبرت القرار خطيرًا ويهدد مشروع الدولة الفلسطينية ويمهد لحالة من الفوضى القانونية، وبرزت أصوات مشككة تعتبر أن القرار لم يقدم إجابة بقدر ما أبرز تساؤلات عديدة تتعلق بقدرة الفلسطينيين على تجاوز التحدي الذي خلقة القرار وإمكانية اجراء الانتخابات في ظل ظروف معقدة ومركبة فمن جهة الاحتلال الإسرائيلي ومن جهة ثانية الانقسام.
وأصبحت الساحة الداخلية الفلسطينية تشهد المزيد من الأحداث التي قد تدفع مستقبلًا باتجاه مزيدا من الانقسام والتدهور واستحالة أية فرصة للمصالحة أو استعادة الوحدة بين حركتي فتح وحماس. وأصبحت الكرة تتدحرج نحو مربع يخشاه الفلسطينيون، وهو مربع استدامة الانقسام، وربما الانفصال بين شطري الوطن. بدءًا من حل المجلس التشريعي حتى منع إحياء انطلاقة حركة فتح في قطاع غزة، والاعتداء على مقر التلفزيون الرسمي في غزة، كلها إجراءات دفعت بمزيد من التوتر في الساحة السياسية الفلسطينية.
وترافق هذا الانقسام النخبوي من قرار حل المجلس التشريعي، مع انقسام شعبي؛ ففي استطلاع للرأي العام صدر من المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية، أيد 47% من المواطنين الفلسطينيين حل المجلس التشريعي في المقابل عارضه 43% منهم. ورأت نسبة 37% أن حل المجلس التشريعي سيضعف فرص المصالحة فيما ترى نسبة من 21% أنه سيعزز فرص المصالحة، وترى نسبة من 34% أنه لن يؤثر على فرص المصالحة. وأشارت نتائج الاستطلاع الى أنه ترتفع نسبة تأييد حل المجلس التشريعي في الضفة الغربية (52%) مقارنة بقطاع غزة (38%)، بين الرجال (51%) مقارنة بالنساء، (42%)، بين حملة شهادة البكالوريوس (45%) مقارنة بالأميين (38%)، بين غير المتدينين ومتوسطي التدين (62% و50% على التوالي) مقارنة بالمتدينين (39%)، وبين مؤيدي فتح (52%) مقارنة بمؤيدي حماس (38%).
وسنسعى من خلال التقرير المرفق لتحليل المشهد السياسي الفلسطيني في ضوء التطورات الاخيرة، وخاصة حل المجلس التشريعي، وأسباب القرار واهدافه المرجوة ، وتداعياته المحتملة ، وصولا الى استعراض السيناريوهات المحتملة في ظل العوامل الحاكمة للاتجاهات المستقبلية. مع تقديم عددا من التوصيات التي نرجو ان تساعد اصحاب القرار الفلسطيني على التحرك بما يخدم المصالح الفلسطينية العليا للشعب الفلسطيني.
تعريفات وقوانين
١ ) المحكمة الدستورية هي هيئة قضائية عليا مستقلة , تمثل أعلى سلطة قضائية في الدولة , وتتمثل إختصاصاتها في فصل النزاع بين السلطات الثلاثة , والرقابة على دستورية القوانين والأنظمة , وتفسير النصوص القانونية الأساسية في حالة التنازع , وإصدار أحكام دستورية وقانونية تتناغم مع فقه الواقع السياسي , ولا يختلف إثنان على شرعية هذه المحكمة والتي شكلها السيد الرئيس قبل عامين ونصف تقريبا , ولكن الإختلاف والذي تصدر وسائل الإعلام هذه الأيام هو حل المجلس التشريعي بقرار من المحكمة الدستورية العليا , وبعض الأحزاب السياسية وعلى رأسها حماس إعترضت هذا القرار مستعينة بخبراء ومتخصصين قانونيين , والجميع بات يبحث من جديد في ثغرات نصوص ومواد القانون الفلسطيني حتى يثبت الشرعية من عدمها .
٢ ) المواد ذات الصلة في القانون الأساسي الفلسطيني “الدستور المؤقت”:
المادة (47) فقرة (3) من القانون الأساسي : مدة المجلس التشريعي أربع سنوات من تاريخ انتخابه وتجري الانتخابات مرة كل أربع سنوات بصورة دورية).
المادة (47) مكرر : تنتهي مدة ولاية المجلس التشريعي القائم عند أداء أعضاء المجلس الجديد المنتخب اليمين الدستوري.
المادة (37) حالات شغور منصب رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية وهي الوفاة، والاستقالة التي يقبلها المجلس التشريعي بأغلبية ثلثي أعضائه، وفقدان الأهلية القانونية الذي تقرره المحكمة الدستورية ويوافق عليه المجلس التشريعي بثلثي أعضائه.
المادة ٣٧ مكرر : اذا شغر مركز رئيس السلطة الوطنية يتولى عندها رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني مهام رئاسة السلطة الوطنية مؤقتا، لمدة لا تزيد عن ستين يوما، تجرى خلالها انتخابات حرة ومباشرة لانتخاب رئيس جديد وفقاً لقانون الانتخابات الفلسطيني.
أسباب حل التشريعي :
إشكالية القرار أنه جاء في بيئة إنقسام رافضة لكل قرار مصدره السلطة فقد اعتبرت حركة حماس ان الهدف المباشر للقرار هو نزع الصفة الشرعية، التي كانت تحتمي بها داخليا وفي علاقاتها الخارجية. ووضعت حماس مسألة حل التشريعي في قالب سياسي وتعاملت معه وكأنه ضمن عقوبات سياسية، ورغم أنها كانت تنادي بإنتخابات طوال الفترة السابقة، إلا أنها رفضت هذا القرار معتبرة انه يستهدف ابعادها عن المشهد السياسي الفلسطيني، وهو اتهام ترفضه حركة فتح وتؤكد ان الانتخابات ستوفر فرصة لحركة حماس للسيطرة على المشهد السياسي برمته، وليس العكس.
الافتراضات التي أطلقتها حماس من أن القرار مرتبط بترتيب أوضاع السلطة الفلسطينية في مرحلة ما بعد الرئيس عباس، واعتبارها أن قرار حل التشريعي يخدم حركة فتح ويقطع الطريق على حركة حماس للوصول الى موقع الرئاسة بحسب المادة (37) من القانون الأساسي الفلسطيني. ويبدو ان حركة حماس غير منتبهة الى ان الأمر سينتهي أيضا في هذه الحالة أيضا بالعودة الى الانتخابات الرئاسية والتشريعية، خلال فترة لا تتجاوز ٦٠ يوما ، وليس الى ما لانهاية. لذلك فاننا أمام استحقاق وطني يقتضي اجراء الانتخابات حاليا، لإنقاذ المستقبل الفلسطيني برمته، خاصة اذا ما اعتبرنا أن حل التشريعي وسيلة وليس غاية للوصول الى الإنتخابات التي تطالب بها حماس دائما.
اتهام الرئيس عباس بأنه انقلب على النظام السياسي، فيه قلب للحقائق القانونية والسياسية، ومحاولة للتبرأة من المسؤولية عن سنوات الانقلاب التي ضاعفت من أزمة المشروع الوطني. والأمر لا يحتاج لا لشرح المادة 47 مكرر، ولا للمادة 35، ولا للمادة 43، ولا لأي مادة من النظام الأساسي، ولا لتفسير المحكمة الدستورية للقانون الأساسي، وشرعية حل أو عدم حل المجلس التشريعي، لأن الانقلاب بحد ذاته، كان انقلابا على القانون الأساسي، ومنظومة الحياة السياسية والقانونية والاقتصادية والثقافية الفلسطينية.
بعيداً عن صخب النقاش الدائر في الحالة الفلسطينية حول قانونية قرار المحكمة الدستورية الذي قضى بحل المجلس التشريعي الفلسطيني والتحضير لانتخابات تشريعية خلال ستة شهور، تبدو الصورة السياسية الفلسطينية معقدة للغاية، حيث تهيمن ثقافة الانقسام والانفصال على كل الحالة الفلسطينية. وعلى الرغم من الاشكالات القانونية والتجاذبات المحيطة بطريقة حل المجلس التشريعي، الا ان الكثير من المراقبين أشاروا الى ان القرار جاء متأخراً جداً، خاصة وأنه قد مرت على انتخابات المجلس التشريعي السابقة فترة زمنية تتجاوز ثلاثة أضعاف الفترة المحددة له بينما هو معطل فاقد لصلاحياته عاجز عن القيام بمهامه القانونية والرقابية واصبح عبئا على الحالة السياسية واحد أدوات تعميق الانقسام.
أهداف القرار :
القرار يهدف الى إيجاد حل لمأزق دستوري يتعلق بمدة ولاية المجلس التشريعي التي امتدت لاثني عشر عاما دون بارقة أمل بانتهائها، ولأزمة سياسية تتعلق بغياب الانتخابات وانقسام سياسي بات يتحول الى انفصال يهدد المشروع الوطني بإقامة الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران 1967. وفي هذا السياق لابد من التوضيح ان المبدأ الدستوري الذي نص عليه القانون الأساسي يقضي بأن انتهاء المدة لا يعني انتهاء الولاية تلقائيا وإنما انتهاء المدة يقتضي أن يتم إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية، بدلالة المادة (47) فقرة (3) من القانون الأساسي التي نصت على أن : مدة المجلس التشريعي أربع سنوات من تاريخ انتخابه وتجري الانتخابات مرة كل أربع سنوات بصورة دورية). وتضمنت المادة ٤٧ مكرر آليات انتهاء ولاية المجلس التشريعي وفق ٣ شروط دستورية وهي : إجراء الانتخابات، ثم انتخاب مجلس جديد، ثم أداء المجلس الجديد المنتخب اليمين الدستورية، وهذا المبدأ الدستوري ليس حكرا على المجلس التشريعي وإنما ينطبق حكما على منصب الرئيس، حيث تستمر مدة ولاية الرئيس حتى إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية بالتزامن، إلا إذا توفر أحد أسباب شغور منصب الرئيس المنصوص عليها في المادة المادة (37) من القانون الأساسي.
تزامن القرار مع تصعيد قوات الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنين اعتداءاتهم ضد المواطنين في الضفة الغربية ومحاصرة مدينة رام الله ، والتي بدت وكأنها خطوات احتلالية تستهدف تقويض للسلطة الفلسطينية، وهو ما تطلب تحركا سريعا وحاسما من قبل القيادة الفلسطينية لقطع الطريق على المساعي الإسرائيلية والأمريكية التي تواصل ضغوطها لتمرير صفقة القرن التي تستهدف تصفية القضية الفلسطينية مستغلة حالة الضعف والانقسام الفلسطينية.
القرار خطوة على طريق إنهاء أوسلو، بشكل ناعم، من خلال التخلص من أحد أبرز مخرجاتها المتمثل في المجلس التشريعي، وذلك بالتمهيد للانتقال من حالة السلطة إلى الدولة، خصوصاً عقب الاعتراف الدولي بفلسطين كعضو مراقب في الأمم المتحدة. وهو ما يعني إنهاء المجلس التشريعي، وإعلان المجلس الوطني الفلسطيني بمثابة البرلمان الرسمي لدولة فلسطين، والذي يضم في عضويته تلقائيا كافة أعضاء المجلس التشريعي، وإمكانية الإعلان ان الانتخابات المقبلة ستكون لانتخاب برلمان دولة فلسطين.
الخطوات اللازمة بعد قرار المحكمة الدستورية وهي إصدار الرئيس عباس مرسومًا بتحديد موعد الانتخابات، والتأكيد على أنها ستجري وفقا لقانون الانتخابات المعدل الذي أصدره الرئيس عام 2007، على أساس التمثيل النسبي الكامل، وأن تقوم لجنة الانتخابات بإعلان الجاهزية للإعداد للانتخابات خلال فترة 90 يومًا، وإعداد السجل وكافة الإجراءات القانونية. ولذلك فالقيادة السياسية الفلسطينية أمامها خيارين بعد قرار المحكمة الدستورية بحلّ المجلس التشريعي والدعوة لإجراء انتخابات برلمانية خلال ستة أشهر:
١ – الخيار الأول : انتخاب “برلمان دولة فلسطين”،
٢- الخيار الثاني: انتخاب “مجلس تأسيسي” وإحالة اختصاصات التشريع للمجلس المركزي الفلسطيني، ثم الذهاب لمجلس الأمن الدولي والطلب منه الاعتراف بأن فلسطين دولة تحت الاحتلال وطلب الحماية الدولية، خاصة أن 138 دولة حول العالم اعترفت بدولة فلسطين، ولا يمكن الحديث عن سلطة انتقالية بعد الآن.
الخياران مطروحان للنقاش لبلورة أيهما أفضل من الناحية الدستورية والتشريعية في إطار مرحلة الانتقال من الاحتلال إلى تجسيد الدولة. فالمقصود بالانتخابات ليس المجلس التشريعي، ولا رئاسة السلطة؛ وإنما انتخابات على هيئة جديدة تسمى “الهيئة التأسيسية لبرلمان الدولة”، ويجسد انتقالاً دستورياً من مرحلة الحكم الذاتي إلى مرحلة الدولة.
تجسيد الدولة ممكن، وهناك وسائل عدة متاحة تبدأ من إعادة صياغة العلاقة مع الاحتلال بمجموعة من المفاصل السياسية، والأمنية، والاقتصادية والقانونية، وفقاً لقرارات المجلس المركزي الفلسطيني.
نتائج قرار حل التشريعي :
يخلق هذا القرار تحديا أمام شرعية النظام السياسي الفلسطيني لإجراء الانتخابات خاصة وان جميع الشرعيات القانونية والدستورية قد تآكلت بعد أكثر ثماني سنوات على انتهاء المدة الدستورية، فصندوق الاقتراع لمرة واحدة لا يمنح صكا مطلقا. ولابد من التحرك لإعادة التوازن للنظام السياسي من خلال مجلس منتخب يحظى بتفويض شعبي. وإجراء الانتخابات العامة باعتبارها مدخلا لإنهاء الانقسام بعد فشل كافة الخيارات.
قرار حلّ المجلس التشريعي يأتي في سياق يتم الإعداد له من قبل السلطة الفلسطينية منذ أن فوض المجلس الوطني صلاحياته للمجلس المركزي تحت عنوان تحويل السلطة إلى دولة. والأهم حاليا ان يؤخذ القرار باجراء انتخابات، لأن الوضع الطبيعي ان تكون انتخابات ليحل المجلس تلقائياً. ولذلك، يرى أن إختبار مدى جدية وصدقية القرار الصادر عن المحكمة الدستورية، يتوقف على ما إذا كانت الانتخابات ستُجرى فعلاً وهل يسبقها تحضيرات جدية؟ ام انه بعد حل المجلس التشريعي ونقترب من الانتخابات نجد سبباً للقول “إن الظروف لا تسمح وبالتالي نكون قد خسرنا رمزية التشريعي دون أن نكسب البديل”.
ازاء هذا التدهور الخطير في العلاقات الفلسطينية الداخلية، فانه لا يمكن الاشارة الى أي طرف فلسطيني مستفيد استراتيجيا على المدى البعيد. فميزان القوى في المعادلات الخارجية والداخلية، لا يمنح أيا من أطراف المشهد السياسي الفلسطيني الأكثرية المريحة أو قاعدة شعبية حاسمة، ولذلك فالأزمة ستستمر وتتفاقم، وطالما يتمتع كل طرف بدعم وتأييد قاعدة شعبية، فلا يمكن شطبه أو تجاهله، وتحول التوازن بين القطبين إلى أزمة.
تتمتع حركة فتح بالشرعية الدولية من خلال سيطرتها على المنظمة والتمثيل الفلسطيني والسلك الدبلوماسي والاعتراف الدولي والعربي. واستخدمت حركة فتح سلاح الشرعية وعملت على تطوير استخدامه منذ أن تقدمت بطلب الاعتراف بدولة فلسطين عضوا مراقبا تحت الاحتلال وانضمت إلى مجموعة من المؤسسات والاتفاقات والمعاهدات وعززت سيطرتها على المؤسسات الشرعية باتخاذها موقفا سياسيا رافضا لصفقة ترامب ولقراراته حول القدس واللاجئين والأونروا والاستيطان، وفي سعيها للحصول على عضوية كاملة في الأمم المتحدة.
وفي المقابل تفتقد حركة حماس هذه الشرعية لأنها غير ممثلة داخل منظمة التحرير، وهناك دول تعتبرها منظمة إرهابية، ولكنها تملك سلاح المقاومة الذي استخدمته سابقا في حسم سيطرتها على قطاع غزة وفرض سلطتها كأمر واقع دون قطيعة مع السلطة التي واصلت دعم سلطة حماس لوجستيا وماليا وشكلت نوعا من الغطاء السياسي لها في مواجهة الحروب الإسرائيلية. ونجحت حركة حماس باستخدام سلاح المقاومة في تعطيل المجلس التشريعي 12 سنة دون عمل ودون انتخابات. وتسعى للتوصل الى اتفاق هدنة مع إسرائيل لإضفاء الشرعية على سلطتها في قطاع غزة، مقابل حصول إسرائيل على الأمن وفصل وحسم فصل قطاع غزة غن الضفة الغربية وهي حلقة من حلقات صفقة القرن.
هناك تخوفات من انعكاس الخلافات الداخلية في حركة فتح على شعبيتها في الشارع الفلسطيني في مرحلة الانتخابات المقبلة، خاصة وأنها سوف تتفرغ، قبل التنافس مع حركة حماس في حال اجراء انتخابات، على تجهيز قوائمها الانتخابية التي ستتوجه بها الى صناديق الانتخابات، وهو ما يعني المزيد من التنافسات الداخلية والاصطفافات المحاورية.
ستسعى حركة حماس للاستفادة من قرار حل المجلس التشريعي من خلال الظهور في موقف “الضحية” في مواجهة القرارات “الظالمة” من حركة فتح ، ما يكسبها المزيد من الشعبية في الشارع الفلسطيني. ما سيدفعها للتوجه، مدعومة ببعض الفصائل، الى تسويق نفسها كأمر واقع بمعزل عن السلطة بكل قوة، خاصة أنها تراهن على علاقتها وتحالفاتها الخارجية ، وسيستمر إنعقاد المجلس التشريعي في غزة وستخرج منه تشريعات جديدة تعزز من بقاء حماس كأمر واقع. وتعتقد حركة حماس ان اتفاق الهدنة طويلة الأمد مع إسرائيل سيمنحها الفرصة والدور في إطار ما يسمى “صفقة القرن”، والتي تمنحها دورا استراتيجيا وتثبيت وضعها وسلطتها في قطاع غزة بعيدا عن السلطة الفلسطينية في رام الله.
العوامل الحاكمة لاتجاهات الوضع الفلسطيني :
١ – التدخلات الخارجية في الملف الفلسطيني :
محورية القضية الفلسطينية واهميتها فرضت على أطراف عربية واقليمية ودولية محاولة فرض اجندتها بما يخدم مصالحها، وان تعارضت مع المصالح الفلسطينية، كما حدث ذلك دائما وكان تأثيره كارثيا على القضية الفلسطينية. وحاليا نجد ان الانقسام الحاد الذي يميز المشهد الفلسطيني جاء متزامنا مع انقسام حاد تشهده المنطقة ما بين محاور إقليمية مختلفة، فالجهود المصرية لإنهاء الانقسام الفلسطيني تصطدم بتدخلات قطرية ، تسعى لتأكيد دورها الإقليمي وطموحاتها ، وكذلك مخططات إيرانية تسعى لتشكيل محور “المقاومة” في لبنان وسورية والعراق وفلسطين ، والتي تحولت الى ساحة مواجهة إقليمية ، بين ايران والولايات المتحدة. وتنعكس هذه التشابكات والتدخلات بصورة سلبية على قدرة الفلسطينيين لصياغة استراتيجية تخدم مصالحهم الوطنية ، وليس مصالح غيرهم.
ولقد جاء استغلال الانقسام الفلسطيني ضمن مخططات دولية واقليمية تآمرية تستهدف القضية الفلسطينية ، ولا يخفى على احد في هذا الاطار، ان هناك جهود تبذل من أطراف مختلفة من اجل فصل قطاع غزة عن المشروع الوطني الفلسطيني ، وأقامة دولة فلسطينية في قطاع غزة ، تنهي الحلم الفلسطيني بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود ١٩٦٧م وعاصمتها القدس.
وعلى الرغم من محاولة أطراف دولية الدخول الى المشهد والحصول على دور سياسي في المنطقة الا ان تعقيدات الوضع الفلسطيني تحول دون ذلك ومن المستبعد المراهنة على دور روسي في ضوء الحديث عن استضافة موسكو جلسات حوار بين فتح وحماس فروسيا تريد من وراء ذلك أن تؤكد حضورها في المنطقة من دون وجود رؤية عملية واضحة ليس فقط على صعيد المصالحة وإنما أيضاً في ما يتعلق بدعوة القيادة الفلسطينية لآلية دولية للمفاوضات مع إسرائيل، وتتكون من خمس قوى عالمية بينها الولايات المتحدة وروسيا وذلك بوقف الرعاية الامريكية الحصرية لملف المفاوضات. فالروس يقولون انهم متفقون مع رؤية السلطة حول عدم جدوى الرعاية الأميركية الحصرية للمفاوضات الفلسطينية-الإسرائيلية، التي فشلت على مدار خمسة وعشرين عاماً. غير أن موسكو لم توجه أي دعوة لعقد مؤتمر دولي ينتج عنه هذه الصيغة كما تطمح السلطة الفلسطينية، بحجة أنه ليس الوقت المناسب لأن واشنطن وتل ابيب ترفضان هذا المقترح الآن، وأنه لا بد من الإنتظار حتى ينضج المناخ الإقليمي والدولي.
٢ – طبيعة الخلافات الداخلية الفلسطينية :
على الرغم ان الخلاف بين الجانبين يتمحور حول قضايا ومواضيع ادارية وليس استراتيجية ، التي يبدو انها أصبحت في ذيل الاهتمامات، الا انه وفي المقابل نجد ان الانقسام الفلسطيني تجذر واتسعت الهوة بين جناحي الوطن جغرافيا وسياسيا وأصبح الصراع على القيادة والتمثيل والقرار والمستقبل الفلسطيني هو محور الصراع بين حركتي فتح وحماس، فحركة فتح تطالب حركة حماس ان توافق على تمكين حكومة الوفاق من القيام بمهامها في قطاع غزة ، وفق اتفاقات المصالحة المختلفة الموقع عليها من الطرفين، وتحمل كامل المسؤولية عن الإجراءات المتوقعة في حالة الرفض. وفي المقابل نحد حركة حماس تتمسك باستمرار سيطرتها على قطاع غزة.
وفي ظل معارضة حماس لإجراء الانتخابات في غزة يبرز التساؤل الأكثر خطورة هل سيتم إجراء الانتخابات في الضفة الغربية فقط وهو ما يعني الإعلان الرسمي عن إنفصال غزة وإعتبارها خارج الشرعية الفلسطينية؟ وهل توجد وسائل بديلة للإنتخابات ؟ وكيف يمكن أن تتم انتخابات الرئاسة، وعلى أي إقليم جغرافي؟.
وبات هذا التجاذب وارتفاع حدة التوترات الداخلية بصورة كبيرة اعادت مشاهد الاقتتال الفلسطيني الدموي في العام ٢٠٠٧، وأصبحنا ابعد مايكون عن المصالحة وأقرب ما يكون الى الانفصال بين جناحي الوطن وبما يتناسب مع المخططات الاسرائيلية.
٣ – غموض الرؤية الاستراتيجية :
الحديث يدور عن انتخابات غير محددة المعالم حتى الان ، وان كان من المؤكد انها لن تكون لإعادة انتخاب المجلس التشريعي بما يعيد اخراج النظام السياسي الفلسطيني ، بكل تشوهاته مجددا. وكذلك الأمر فيما يتعلق بالمجلس الوطني الذي يراد ان يظل المؤسسة البرلمانية التشريعية التي تشمل الكل الفلسطيني في الداخل والخارج، بصورة مختلفة عن البرلمان الداخلي، الذي يكون داخل حدود الدولة الفلسطينية. والارجح اننا سنذهب إلى مجلس تأسيسي أو مجلس برلمان الدولة الفلسطينية، وهذا الاحتمال يتطلب التنسيق مع كافة الأطراف الفلسطينية، ومنها حركة حماس ، والتنسيق مع الجانب الاسرائيلي ، بشأن القدس، حتى تكون الانتخابات شاملة في كل الأراضي الفلسطينية، اضافة الى أطراف إقليمية فاعلة ومؤثرة في المشهد الفلسطيني، مثل مصر وقطر والأردن.
٤ – الانقسام الفلسطيني وتراجع مكانة واهمية القضية الفلسطينية على المستوى العربي والدولي في ضوء الأزمات التي تعصف بالمنطقة وانعكاساتها وتأثيراتها ، ساعد على السماح للاحتلال الاسرائيلي في الانفراد بالفلسطينيين وتمرير مخططاته في الضفة الغربية وقطاع غزة وهذا ما يتضح من خلال توسع الاستيطان الاسرائيلي في الضفة الغربية ومصادرة الأراضي وتهويد القدس واستمرار حصار غزة وانعكاساته الاجتماعية والاقتصادية على المواطنين الذين باتوا فاقدين الأمل وهو اخطر مايمكن ان يهدد مستقبل وطموحات أي شعب.
٥ – تعمق الدور الاسرائيلي في تحديد اتجاهات المستقبل الفلسطيني في جناحي الوطن، الضفة الغربية وقطاع غزة، وهو الأمر الذي لا يستطيع احد انكاره، فالانتخابات تتطلب موافقة إسرائيل سواء في القدس أو في الضفة الغربية وكذلك في قطاع غزة. ورفع الحصار في قطاع غزة أو تخفيفه يتطلب موافقة اسرائيلية ، وهو ما كشفت عنه تفاهمات التهدأة الاخيرة والتي سمحت للوسيط القطري بإدخال رواتب موظفي حماس في قطاع غزة وفق آليات مراقبة اسرائيلية. خاصة وان هذه الخطوة جاءت في ظل أزمة مالية كبيرة تواجهها حماس، وشكك مراقبون بهذا التمويل، معتبرين أنه تعزيز للانقسام الفلسطيني.
٦ – قدرة حركة حماس والتنظيمات الفلسطينية في غزة على تشكيل تحالف سياسي قادر على صياغة مبادرة سياسية لمواجهة تداعيات قرار الرئيس محمود عباس لجهة تشكيل بها سياسية واسعة تقوم بالتحركات اللازمة على المستوى الداخلي والخارجي، ومن الواضح ان حماس لازالت غير قادرة على الخروج من السياسة الانعزالية والانفرادية التي تميز سياستها على صعيد العلاقات الوطنية بالرغم من كل الفرص التي اتيحت لها لتغير هذه الصبغة التي ميزتها حتى الان، وهذا ما كشف عنه اجتماع التشريعي الأخير والذي كان عنوانه نزع الصرعية عن الرئيس عباس ، حيث لم تقم حماس بإجراء المشاورات اللزمة على الصعيد الوطني قبيل الأقدام على هذه الخطوة ، كما انها لم تقم بدعوة الكتل البرلمانية المختلفة في التشريعي لتشكيل جبهة سياسية بامكانها دعم موقفها السياسي، وهو ما يؤكد ان الانقسام قد امتد افقيا ورأسيا في المشهد السياسي وأصبحنا عاجزين عن صياغة أية رؤية أو توجه سياسي يجمع أي تكتل أو تجمع سياسي في أي اتجاه.
السيناريوهات المستقبلية :
أسئلة متعدّدة وصعبة، منها: هل تقبل السلطة والرباعية الدولية والكيان الصهيوني نتائج الانتخابات مهما كانت، وقد لوحظ عدم قبول هذه الأطراف نتائج الانتخابات السابقة، ووضعها شروطًا سياسية للاعتراف بها؟ كذلك، هل ستسمح إسرائيل بإجراء الانتخابات ابتداءً؟ وإذا سمح بها في الضفة الغربية المحتلة، هل سيسمح بها في القدس؟ وهل يمكن إجراء انتخابات من دون القدس، أو عبر وضع صناديق خارج القدس لأهلها، ما يمثل تراجعًا خطرًا، واعترافًا ضمنيًا بسيادة الاحتلال على القدس؟ أما مسألة إجراء الانتخابات في غزة، ازدادت تعقيدًا في ضوء اعلان حماس رفضها لإجراء الانتخابات بدون “توافق”، وهنا يبرز تساؤل حول احتمالية إجراء انتخابات في الضفة وحدها، بما يحمله ذلك من عقباتٍ ومخاطر تعمق الانقسام السياسي وتحوله إلى انفصال جغرافي ؟.
الاحتمال الأول: التوصل الى توافق مع فصائل منظمة التحرير وتشكيل حكومة فلسطينية، تقود المرحلة الراهنة باتجاه الانتخابات، بالرغم من رفض حماس، التي ستسعى فتح لمحاصرتها وعزلها، من خلال شراكة مع فصائل المنظمة، واعتماد نظام القائمة النسبية الكاملة على مستوى الوطن، بحيث تتقدم التنظيمات بقوائمها الانتخابية المشتملة على مرشحين من الضفة وغزة والقدس، وتجاوز اعتراضات حماس في غزة وإسرائيل في القدس. وينعقد المجلس المركزي ويعلن تطبيق القرارات كافة التي اتّخذت في الدورة الثلاثين (دورة الدفاع الخان الأحمر والدفاع عن الثوابت الوطنية) وقيام الرئيس بإصدار مرسوم لانتخابات برلمانية ومجلس دولة باعتباره مجلس الدولة المكلف بهذا، وهذا يضمن الانتقال رسميًّا من السلطة إلى الدولة عن طريق مجلس دولة منتخب، تجسيدًا لقرارات المجلس الوطني في دورته العادية مايو 2018 “دورة القدس وحماية الشرعية الفلسطينية. وعندها ستضطر حماس إلى التراجع ومحاولة استيعاب الانعكاسات السياسية لقرار الانتخابات والدفع من جديد في اتجاه المصالحة. ويواجه هذا الاحتمال العديد من العقبات أهمها غموض موقف الفصائل الفلسطينية المعارضة الرئيسية وموقف حماس والتوتر الأخير والعقبات المنتظرة من جانب إسرائيل أمام اجراء هذه الانتخابات التي تتعارض مع توجهاتها ومشاريعها الاستراتيجية الساعية لاستمرار الانقسام وتعزيزه. ويبقى هذا الخيار مرجحا في ضوء الاهداف الاستراتيجية التي يسعى الرئيس عباس الى تحقيقها والتي تجعله مصرا على المضي قدما في الذهاب الى الانتخابات وتجاوز وإزاحة كافة العقبات، والخبرات السابقة في متابعة مواقف مماثلة للرئيس عباس ، انعقاد المجلس الوطني في رام الله في مايو ٢٠١٨م بالرغم من الاعتراضات الكبيرة، ما يؤكد ان الرئيس عباس ماض في طريقه نحو الانتخابات.
الإحتمال الثاني: في ضوء رفض حماس إجراء الانتخابات في غزة، ورفض إسرائيل إجراءها في القدس، سيتم تأجيل الانتخابات، وتفعيل دور المجلس الوطني والمجلس المركزي بإعتبارهما البديل، ويعتبران مجلس الدولة الفلسطينيه، وتشكيل حكومة جديدة في الضفة الغربية، ويدعم هذا الاحتمال سيطرة الاحتلال الاسرائيلي للقدس ومناطق واسعة في الضفة الغربية ، وسيطرة حماس في غزة، وإدراكها أن إسرائيل بحاجة لها أكثر من السلطة، وتنامي دورها دوليا، والدعم الإقليمي المتمثل من قطر وتركيا لها، وهذا الدعم لا يمكن تجاهل تأثيره، وإدراكها انه لا حل بدون غزة. وقد تحظى بتشجيع أطرافٍ إقليمية، وتساهم في مزيد من الإرباك في المشهد الفلسطيني.
الاحتمال الثالث : بقاء الأمر الواقع، والتعامل مع قرار حل المجلس التشريعي كقرار سياسي تكتيكي وأداة ضغط سياسي على حركة حماس لإظهار عجزها أمام خيارات الرئيس عباس الذي يستهدف نزع ورقة الشرعية البرلمانية التي تمتلكها حركة حماس حاليا وتعتبرها احد أوراق قوتها، وبهذا القرار تسحب منها هذه الورقة ، حتى وان اقدمت على خطوة مضادة تسحب من خلالها الشرعية من الرئيس عباس، حيث تعلم جيدا ان خطوتها تلك لن تحظى بأي دعم أو اعتراف عربي أو دولي وسيستمر الرئيس عباس في موقعه المدعوم دوليا وعربيا. والخطير في هذا الاحتمال انه سيقدم خدمة مجانية للاحتلال الذي سيواصل استغلال الانقسام الفلسطيني الذي سيستمر لسنوات وقد يتطور الى انفصال تام بين شطري الوطن في ضوء احتمالات طارئة قد يشهدها الوضع السياسي الفلسطيني. فأزمة النظام السياسي الفلسطيني تستدعي تضافر القوى المختلفة لتجاوز حساباتها الشخصية وتقديم أولويات بناء المشروع الوطني على أسس سليمة.
توصيات :
اذا لم نحسن ادارة المرحلة القادمة سيكون هناك إشكال كبير على مستوى الحالة الفلسطينية برمتها، لأنه لا حل لأزمتنا الا بالانتخابات، بشرط أن يسبق ذلك اجراءات متقنة ودقيقة من أجل الوصول إلى الإنتخابات بمدة وجيزة جداً علّها تكون مخرجاً لأزماتنا”. لذلك فالتركيز يجب أن ينصب على ايجاد صيغة لإجراء انتخابات متفق عليها بين الفلسطينيين جميعا كي يكون المنتخبون هم اصحاب الشرعية، للخروج من معضلة التشكيك بشرعية جميع الاجسام الرسمية.
ويجب التدقيق في نقل الحالة الفلسطينية من وضع فيه مؤسسات فعلية ولكنها رغم تعثرها تعمل، والوزارات هي التجسيد لذلك، إلى وضع يطغى فيه الرمزي على الحقيقي، دون أن ننسى أن الانتقال إلى واقع الدولة لا يتم بقرار، ولو كان الأمر كذلك؛ فماذا سيضاف على القرار التاريخي بإعلان الدولة والاستقلال من خلال المجلس الوطني الذي هو البرلمان الأكثر شرعية وصدقية في الحياة السياسية الفلسطينية.
من الضروري تدارك اخطاء الانتخابات السابقة والتي تتعلق خاصة بضرورة اعتراف والتزام القوى السياسية التي ستشارك في الانتخابات بالتزامات وتعهدات الدولة الفلسطينية على صعيد الاتفاقيات الدولية والإقليمية.

بقلم د. يوسف يونس * – 11/1/2019
*نائب رئيس مجلس ادارة مركز الناطور للدراسات والأبحاث .
Www.natourcenter.com
[email protected]
[email protected]