في محاضرته الوقحة في الجامعة الأمريكية بالقاهرة في 10 كانون الثاني/يناير 2019 قال (بومبيو) وزير الخارجية الأمريكية أنهم بصدد تشكيل تحالف جديد يضم مصر والأردن ودوّل الخليج لمواجهة إيران. ودعى شـعوب المنطقـة إلى التخلص من عداءات الماضي والتوحد في مواجهـة المخاطر المشـتركـة؛ وبمعنى أوضح دعاهم إلى الخروج من الصراع العربي ـــــ الإسـرائيلي إلى "التضامن" العربي ـــــ الإسـرائيلي في مواجهـة إيران..!!
إنه ذات المشروع الذي تبنته إدارة (ترامب) منذ البداية وتم الإعلان عنه أول مرة في الورقة التي أعدها الجنرال (مايكل فلين) مستشار الأمن القومي المستقيل وآخرين، والتي تتحدث عن تأسيس منظمة جديدة باسم ((منظمة إتفاقية الخليج والبحر الأحمر)) لتكون بمثابة حلف عسكري جديد تحت قيادة الولايات المتحدة الأمريكية وعضوية مصر والسعودية والكويت والإمارات وقطر والبحرين وسلطنة عُمان والأردن، تحتل فيها (إسرائيل) صفة المراقب، وتكون لها ثلاثة أهداف محددة هي: القضاء على داعـش، ومواجهـة إيران، والتصدى للإسـلام المتطرف. وهى بمثابة إتفاقية دفاع مشترك، يكون الإعتداء على أي دولة عضواً في المعاهدة، بمثابة إعتداء على الدول الأعضاء جميعاً، كما ورد بالنص في الورقة المذكورة.
***
إن على القوى الوطنية كافة في مصر وكل الدول العربية أن تُعلن رفضها ومقاومتها لهذا الحلف الأمريكي ـــــ العربي ـــــ الصهيوني الجديد ورفضها المشاركة فيه أو الالتحاق به لعديد من الأسباب التي تندرج كلها تحت باب البديهيات والثوابت الوطنية:
1) إن الأحلاف الأمريكية ليست سوى حملات استعمارية متتالية ومتجددة لم ينالنا منها على امتداد ما يزيد عن نصف قرن سوى مزيد من الاحتلال والتبعية والضعف والنهب والدمار والخراب. وفي كل مرة كانت هناك ذريعة زائفة وباطلة ومُضللة لشرعنة وتحليل هذه الحملات؛ مرة لملء الفراغ البريطاني الفرنسي بعد الحرب العالمية الثانية، ومرة لمواجهة الخطر الشيوعي، ومرة لتحرير الكويت، ومرة لتدمير أسلحة الدمار الشامل ونشر الديموقراطية، ومرة لمواجهة "داعش" واليوم لمواجهة إيران..!!
2) كما أن تحرير الأرض العربية المحتلة من الكيان الصهيوني سيظل هو المعركة الرئيسية للأمة العربية وإلا فلا أمل لها في الاستقلال أو التقدم أو الوحدة. أما إيران وتركيا فهي أمم جارة وشقيقة منذ قديم إلى الأزل وإلى ما شاء الله، لن ترحل أو تُغادر إلى أي مكان، وأياً كانت التناقضات أو الخلافات بين شعوبها فيتوجب أن يتم تناولها وحلها على قاعدة الجيرة والتعاون والتعايش السلمي.
3) وحتى حين تدهور العلاقات العربية مع إيران أو تركيا وتصل إلى درجة الحروب والصراعات العسكرية، فيجب أن يكون ذلك بأجندات عربية وطنية وليس بأجندات أمريكية أو إسرائيلية.
4) كما أنه لا مصلحة لمصر أو لأي بلد عربي أو لأي بلد في العالم في أن يدعم الولايات المتحدة في حصارها لأي دولة، كائنة من كانت، لأنه بذلك يُساعد على ترسيخ قاعدة إمبريالية خطيرة وعدوانية وهي أن من "حق" الأمريكان أن يُسقطوا أي نظام يُناهض سياساتهم في العالم. وبالتالي فإنه في اللحظة التي نُبايع فيها حصار الأمريكان للعراق أو إيران أو كوريا الشمالية أو كوبا أو فنزويلا ...إلخ، فإننا نضع أنفسنا نحن أيضا في مرمى نيرانهم فيما لو أرادوا ذلك.
5) كما أن الموقف الصحيح من المنظور الوطني والعربي تجاه الملف والاتفاق النووي الإيراني، هو رفض الحظر المفروض علينا جميعاً في امتلاك مشروعنا النووي مع إستثناء (إسرائيل). وبمعنى آخر ماذا إذا كانت مصر هي الدولة صاحبة البرنامج النووي، وتعرضت لمثل هذه الضغوط الأمريكية والإسرائيلية للتخلى عنه، هل سيكون من حق إيران وتركيا أن تلتحق بحلف أمريكي عسكري لمواجهة المشروع النووي المصري..!!؟؟
6) ولقد أعلنت مصر الرسمية أن حرب 1973 هي آخر الحروب، ودفعت من استقلالها الكثير ثمناً لذلك، كما دفعت فلسطين وكل العرب أثماناً فادحة لهذا الانسحاب المصري، فبأي مصلحة أو منطق تعود اليوم لتنخرط في مغامرات عسكرية جديدة تحت القيادة الأمريكية والإسرائيلية، لتخوض معارك ليس لنا فيها ناقة أو جمل، بل هي ضد مصالحنا وأمننا القومي على طول الخط..!!؟؟
7) ناهيك عن ضرورة التصدي والوقوف ضد جرثومة الصراعات والحروب الطائفية والمذهبية في المنطقة التي اخترقت المنطقة منذ سنوات طويلة لتفتيتها وتشتيتها عن معاركها الرئيسة ضد الغزو الأمريكي والاحتلال الصهيوني.
8) والحقيقة أن مشكلة السعودية ودوّل الخليج ليست مع إيران، وإنما مشكلتها الحقيقية في أنها دول ودويلات وإمارات وأنظمة وعائلات حاكمة غير قابلة للحياة إلا في ظل الحماية الأجنبية، وبالتالي ستظل دائماً وأبداً أداة طيعة في أيدي الأمريكان لإدارة وتفجير الصراعات والحروب الأهلية والحروب بالوكالة في بلادنا، ولقد آن الآوان لأن نتوقف عن السير في ركابها وإلا أوردتنا موارد الهلاك.
*****
محمد سيف الدولة
القاهرة في 11 يناير 2019