حول معرض “ Shopping mall“- “مركز تسوق“ في متحف حيفا للفنون

بقلم: زاهد عزت حرش

افتُتح معرض "Shopping mall" والذي معناه "مركز تسوق" في متحف حيفا للفنون يوم السبت الرابع من آب لعام 2018 والذي من المقرر أن ينتهي في السابع عشر من شهر شباط القادم (2019) .. في حين عرض او نشر متحف حيفا أو كانزة المعرض سفيتلانا رينجولد عنوان لعمل محدد هو "מק ישו" والذي معناه "ماكدونلز يسوع – او "يّشُو" حسب المعنى اليهودي الاثني للسيد المسيح، والذي يحمل في صيغته نوع من الكراهية الحاقدة للديانة المسيحية" وهو، أي اسم المسيح "ישו = ימחק שמו וזכרו" والتي هي اختصار لجملة تعني "ليُمحَى إسمه وذكره" مما يعني أن هناك معنى مختلف عن المعنى الأصلي الذي عمل الفنانين المشاركين في المعرض بأعمالهم المختلفة.
ولقد جاء في تعريف صفحة متحف حيفا للفنون عن حيثيات المعرض وموضوعاته ما يلي: "مجمّع مركّز من الحوانيت، المقاهي وأماكن السهر والترفيه تحت سقف واحد، في بناية مغلقة تميّز نفسها عن المدينة ونسيج حياتها العضوي. مدينة اصطناعية مصغّرة مليئة بالـ"جادات"، "الساحات"، "الشوارع"، "الجسور" و"الزوايا الجميلة". المعبد الأمثل لثقافة الاستهلاك. دفيئة للرغبات والمال. المجمع التجاري هو حيّز عام يجذب إلى داخله قسما من وظائف مركز المدينة."
وأيضًا: "يكثر الفنانون من إضافتهم للمجمعات التجارية الهوية التي تستقي من نموذج البانوبتيكون الذي ابتدعه الفيلسوف ميشيل فوكو – وهو المكان الذي يتواجد كل شيء فيه تحت مراقبة ومشاهدة دائمتين. من جهة، يشددون على منطق المجمعات التجارية الشبيه بالآلة، الذي يلعب دور ضمان أكبر قدر من السيولة المالية من خلال تدفق دوري من البضائع والرغبات الإنسانية. ومن الجهة الأخرى، يلفت الفنانون الانتباه إلى الهوامش الاجتماعية التي تنكرها ثقافة المجمعات التجارية. تهدف شخصية الشحاذ التي تسكن الكثير من الأعمال لأن تخرج من الظلمة، هؤلاء الممنوعين من الدخول إلى نور المجمع التجاري المشرق والمعزول."
هاتان الفقرتان لا تمتان بأي شكل من الاشكال للعلاقة التي توازي ما بين العلاقة بالمقدسات الدينية وتقديس عالم التسوق. او تشبيه العلاقة الايمانية بالدين لتلك العلاقة التقديسية للتسوق، ومع هذا برز موضوع عمل فني محدد وكأنه هو المعرض بكل ما فيه وما يحتويه من أعمال فنية، لسبب له خلفية تتعلق بهدف لم يظهر الى العيان في الوقت الحاضر.. لكن لا بد وأن تكون له تبعاته على المدى القريب، وعلى ما يبدو أن التحركات العصبية كانت احدى أهداف الترويج للعمل فني المحدد بالذات.
منذ افتتاح المعرض لم يكن هناك أي إهتمام ملحوظ من قِبل أُناس يدينون بالمسيحية في البلاد، إلا أنه في الأونة الأخيرة، أي بعد أن نشرت الصحف عددًا من المقالات التي تناولت أعمال المعرض بالشكل الموضوعي في بعضها والساخر في بعضها الآخر.. لفت ذلك إنتباه عدد من المتابعين للصحافة العبرية.. فما كان منهم سوى طرح أفكارهم وإستيائهم من هذا الأمر.. وبالتالي بدأت تظهر معالم ردة فعل عصبية دينية، من قِبَل عدد من الآشخاص المنتمين إلى المسيحية، إيمانًا أو تعاطفًا عصبيًأ بدافع إثني عنصري بصيَّغ مختلفة.. مع العلم ان المعرض إفتتح منذ اكثر من مئة وخمسون يومًا.
إن الادعاء بأن هذه الأعمال الفنية تتعامل مع حالة تدل على قوة تَعلُق المستهلكين بـ "ماكدونلز" المتماهية والمشابهة إلى علاقة المؤمنين برموزهم الدينية "المسيحية" خاصة، كما هو الحال بتقديس الأيقونات المسيحية من قِبل المتمسكين بها، هو إدعاء يحمل خلفية إنتهازية عنصرية بأبعد أشكالها ورمزوياتها المؤسلبة.
إن المسيحيين في "اسرائيل" هم أقلية عددية داخل أقلية هي الأقلية الفلسطينية الأصيلة في هذا الوطن، كما أن نسبة المتمسكين بهذه الأيقونات "المقدسة" هم أقلية في هذه الأقلية.. فإن كان الهدف هو إظهار هذه العلاقة الاستهلاكية بين الناس وشركات الانتاج المختلفة، التي تسيطر بقوة غاشمة على الأسواق، المحلية والعالمية، كما هو الحال في "اسرائيل" أيضًا.. فقد كان من المفروض أن يناول هذا المعرض موضوعات تتعلق باليهودية، على اعتبار أن الأكثرية السكانية القاطنة والمسيطرة هنا، هي من اليهود.. والعالم كله يعرف ان اكبر الشركات واقوى مراكز رأس المال تعود الى عائلات يهودية تعيش في أمريكا، فةرد وركفلر وروتشلد!! كما أن التعصب في الشارع اليهودي "الإثني" والعنصري أيضًا، هو أكبر بما لا يقاس مع التعصب "الديني" المسيحي.. زد على ذلك أن إستعمال كلمة "يشو" التي هي تحقير للمسيح من قبل الفكر "الصهيوني الديني" والتي تعني "ישו - ימחק שמו וזכרו".. والتي تَمت الاستعاضة بها عن العنوان الأصلي للعمل المعروض، فإن كان يدل ذلك على شيء، فأنه يدل، دون أي شك، على أن الهدف من هكذا تعامل اعلامي، إضافة إلى التلاعب بالعناوين، يدل على إنهما يهدفان إلى الإساءة إلى جمهور معيَّن أو إلى فكر وحضارة محددة ومؤثرة جدًأ في الوجود، ذلك من أجل اثارة الرأي العام وإحداث بلبلة ما.
من الناحية الفنية لا أرى أي علاقة فيما عُرض من أعمال، وما تحمل هذه الأعمال من معاني للربط بين العلاقة الاستهلاكية والعلاقة الدينية.. إلا اذا ما أخذنا ذلك من باب السخرية ومنظور العلاقة الطردية بين العرض والطلب، وذلك من خلال تهافت الناس على التسوق.. في حين أن الفعل الإعلامي لقوى رأس المال وإستعمالها واستغلالها لكافة الإمكانيات المتاحة والغير متاحة تقنيًا وغرائزيًا.. التي لا يحدها أي بعد أخلاقي، طالما يزيد من أرباحها ومضاعفة سيطرتها التسويقية لمنتجاتها.. هي الدافعة والرافعة الاساسية لإنبعاث هذه السخرية التي تصب في روافد مصالحها التسويقية.
فإن سيطرة سوق العرض للشركات العالمية الكبرى اجتاحت كل المقدسات، بما في ذلك البعد الانساني والروحاني لمجمل تاريخ الحضارة الانسانية.. حتى أنها حولت جسد المرأة لمجرد سلعة تهدف من وراءها استغلال البعد الغرائزي لتسويق منتجاتها. ولا غرابة في أن تستغل القيم الدينية "الروحانية" لتوسيع مجال أرباحها. وأعتقد أن من يقف خلف هكذا توجه تسويقي هي أدوات مرتبطة بسوق العرض والطلب، الذي تحتكره أسواق المال وتعمل من خلاله على خلق أجواء أكثر شراسة لزيادة أرباحها.
أما أن هذه الأعمال تثير حفيظة "المسيحيين" فذلك لا يعنيني بشيء. ولا أشعر بأية إساءة لي شخصيًا في ذلك. لكن يبقى السؤال الأهم وهو.. من يقف خلف هذه الأعمال ومن هي الجهة التي أثارت هذه الفكرة وروجت لها؟ فإذا ما عدنا إلى تاريخ الأعمال الفنية التي كَثُر إنتاجها عددًا وتنوعًا، على مدار سنوات القرن الماضي، ولا زالت تظهر بأشكال ونوعيات فنية مختلفة، في تعاملها مع الدين، وخاصة "الديانة المسيحية".. في الغرب وفي امريكا تحديدًا، "راجع ملفات واعمال هوليود".. نجد أن الصهيونية العالمية.. وخاصة الفكر الاثني "اليهودي" وراس المال الذي يتحكمون به، فأنه هو من كان له الدور الفاعل والأهم في ترويجها ودعم أشكالها وأبعادها الساخرة، كنوع من الإنتقام لوجود "المسيحية" في صراعها الديني مع اليهودية.. إذ أنه من وجهة النظر الدينية فأن وجود المسيحية يلغي وجود اليهودية والعكس صحيح أيضًا.. وأعتقد أن هذا التوجه هو من ضمن الصراع الذي يتبناه الصراع الديني، الذي تعمل الامبريالية العالمية المدعومة والداعمة للفكر الصهيوني على توتيره وإشعاله، من أجل تعزيز وخلق صراعات مختلفة الأماكن والأساليب، وإيجاد مساحات صراعات أخرى تزيد من إمكانية أرباحها ومكاسبها التجارية والمالية. على غرار ما حدث على خلفية نشوء الحرب العالمية الثانية.. وحرب البوسنة والهرسك والصراعات العصبية في الشرق الاوسط.. فإن الامبريالية لن تترك مساحة أو إمكانية تتيح لها مزيدًا من الربح والسيطرة، إلا وتضع كل ثقلها وقدراتها من أجل تحقيق المزيدًا من الربح والسيطرة.. وخاصة في المجتمعات التي إعتادت أن تهيم في غيبوبة التسوق الغث دون وعيٍ أو هدف.
ولتأكيد ما طرحته أنفًا حول الصراع بين وجود المسيحية وبقاء الدين اليهودي، سأورد هنا بعض من أراء الفلاسفة الدينيين الذين تناولوا هذا الامر:
"ان بقاء اليهودية ما هو الا جرح نازف في جسد المسيح" كارل بيرت
"لا يعقل أنه بعد المسيح بقيت مستمرة بصورة شرعية هذه الديانة اليهودية دون ان تكون ديانة مسيحية" كارل بيرت – من كتاب حوار مع يشعياهو ليفوفيتش، بعنوان "عالم وما يحتويه"
"لا توَجه الديانة اليهودية أي نقد للديانة المسيحية، لأن المسيحية بالنسبة للديانة اليهودية ليست قائمة.. وحتى ليس لها وجود." يشعياهو ليفوفيتش. (أنظروا لهذا التوجه الإستعلائي الذي يلغي وجود مليار ونصف مليار من البشر – ز.ح)
"لقد حدد الراب موسى ابن ميمون موقفه من النصرانية على انها ديانة وثنية. بعكس نظرته الى الاسلام الذي اعتبره انه الايمان الطاهر بالتوحيد.. ومع ذلك فهو يمقت الاسلام اكثر من المسيحية." يشعياهو ليفوفيتش – עולם ומלואו ص 62
هذه بعض المقتطفات مما جاء من أفكار حول اليهودية والمسيحية في صراعها الديني عبر الزمن.. وأعتقد ان هذا النوع من الفكر يقف خلف هذا النوع من الأعمال الفنية الساخرة لتاريخ المسيحية ورموزها وحضارتها.

زاهد عزَّت حرش
شفاعمرو 11.01.2018