حين رنَّ جرس الإنذار الموجود في جيبي وأنا في ردهات المشفى العسكري المركزي الأول في تيانجين في جمهورية الصين الشعبية، كان عليَّ أن أستعد فوراً، نفسياً، وجسدياً، فالعمل الجراحي سيبدأ...هذا ماتم في مثل هذا اليوم من مساء 19/1/2007، أي قبل 12 عاماً بالتمام والكمال.
جرس الإنذار، ورنينه، تلك هي اللحظات الحاسمة، التي دَقّت والتي كُنت أنتظرها، محاولاً التغلب على مخاوف ورهبة المشهد الآتي، وتفاصيله التي كُنت أتخيلها، وأرسم السيناريو الخاص بها ...
رنَّ جرس الإنذار في جيبي، حيث نداء الحياة والولادة الجديدة، يتغلّب على اصابتي الصعبة، ورحمة الرحمان تغمرني ... فحاولت على الفور التقاط أنفاسي، وشَحذِ ارادتي، وإبطال مفاعيل أيِ رهبةٍ أو خوف ...
البشر لايولدون فقط يوم تلدهم امهاتهم بيولوجياً، وانما تُجبرهم الحياة على ولادةِ انفسهم بانفسهم مرة ثانيه، ولمراتٍ عديده : ولادة الذات الشخصية، ولادة الحياة العملية، ولادة المسار والطريق والخيارات العامة، والإجتماعية، والوطنية، والسياسية، وحتى الفكرية... وصولاً في أحايين كثيرة لولادةٍ صحيةٍ حال التعرض لنكساتٍ طارئة إستثنائية تتعلق بالجسد ...
في هذه الولادة الجديدة، وعلى طريقها، وعلى مداخل بناء المشفى الكبير، المشفى العسكري المركزي الأول في مدينة تيانجين في جمهورية الصين الشعبية، ترتفع عبارة تُعيد الحياة والأمل لكل المرضى، عبارة تقول باللغتين الصينية والإنكليزية، (NEO LEVR NEO LIVE)، عبارة مكتوبة بالأضواء اللامعة باللغتين على المبنى الضخم للمستشفى.
عبارة تتلألأ، لامعة، وكبيرة، تُبَشِّر بمولدٍ جديد، وحياةٍ جديدةٍ لكلِ مريضٍ دخل الى هذا المشفى من كل أنحاء العالم. تُبَشِّر بهدية لكل إنسانٍ يولد من جديد.
في المشفى اياه، وبعد اصابة بليغة في مسيرة عملٍ طويلة في صفوف الحركة الوطنية الفلسطينية المعاصرة، تعايشت معها لسنواتٍ وسنوات، لكن نصيبي كان في نهاية الأمر أن أكون في هذا المشفى في مثل هذا اليوم قبل 12 عاماً، لأخرج بعد عدة شهور بصحة وعافية.
العملية الجراحية المعقّدة، والتي كانت قبل ربع قرن أصعب من رحلة فضائية للمريخ، استمرت لنحو 13 ساعة، بدأت في الخامسة مساء بعد الظهر، وانتهت صباح اليوم التالي، وتمت على يد فريقٍ مُتكامل، قاده مدير المشفى البروفسور الجنرال (زيانغ تشن)، والجراح العالمي البروفسور (جيو جي جين). ليحتفل بعدها كل الطاقم بنجاح العمل والتصفيق المستمر لعدة دقائق.
ساحتفظ بشكري ووفائي وتقديري العميق، أنا وكل أشقائي وشقيقاتي، وعائلتنا، لمن وقف معي في محنتي في حينها، ومنهم من قدم لي يد العون، وفق المستطاع، ودون ضجيج أو افتعال. لهم كل المحبة والتقدير والشكر، والوفاء مابقينا على قيد الحياة أنا وكل من يخصني، بما في ذلك الأصدقاء.
ملاحظة : الصورة المرفقة أنا والبروفسور (جيو جي جين) عام 2008 في مشفى تيانجين، بعد أكثر من عامٍ من إجراء العملية الجراحية.
بقلم/ علي بدوان