وكفرت بالصّحراء

بقلم: حسن عبادي

الديوان عند الشعراء هو كتاب جمعت فيه قصائد لشاعر واحد، أمّا المجموعة الشعريّة فقد دخلت حديثًا إلى معجم اللغة العربيّة وهي عبارة عن مجموعة قصائد لشاعر معيّن ولكنّها ليست كل قصائده، وها هو د. عناد جابر يطلّ علينا بإصداره الأخير بعنونته المتواضعة: (قصائد)!

أصدر الشاعر د. عناد جابر عدّة إصدارات شعريّة ومنها: "ربّما... في الرحلة القادمة"، "نقوش على وجه الضّباب"، "عواصف الحنين" "على بساط الرّوح"، وهو الذي تغنّى بحيفانا وقال:

قلبي إلى كَتِفِ الخليجِ تَحَمّلا

فتموسقتْ نَبَضاتُهُ وتحَنْجلا

شاقتْهُ حيفا واكتوى للقائِها

فأتى شغوفًا بالحنينِ مُحَمّلا

فبحِضنِها الماضي ثَوى وتأصّلا

لَوْ أنّ حيفا لَمْ تكنْ لَخَلقتُها

فبدونِها ليسَ الكيانُ مُكَمَّلا

هِيَ قِبلتي في الحبِّ وهْيَ مَحَجّتي

وبِها تعطّر َ موطني وتجمَّلا

عناد ليس من "شُعّار الفيس بوك" الذين يطلّون علينا كلّ صباح و/أو مساء عبر صفحات التواصل الاجتماعي لحصد اللايكات، فهو مقلّ ومتروّ بالنشر لتجربته الحياتيّة والكتابيّة فيجيئ نتاجه ناضجًا سهل الهضم.

قرأت إصداره الأخير "وكفرتُ بالصّحراء" (71 قصيدة تقع في 122 صفحة، إصدار خاص من تصميم ميار للطباعة والإعلان، أبو سنان)، أهداه إلى أحفاده و" كلّ طفل سُرقتْ طفولتُهُ" وفي الصفحة الأولى يلقي بدلوِه دون تأتأة وفذلكات ومحسّنات لفظيّة ويقول:

"دعْ عنكَ فذلكةَ الكلامِ ولمعَها

غُصْ في لِجاجِ النصِّ

وابحثْ عن لآلئِهِ

وعن دُرَرِ المعاني والجمال

الكامنات بقعرهِ

واطمحْ لمَرجانِ المشاعرْ"

د. عناد عروبيًا يعتز بلغته الضّاديّة، فيصرخها مباشِرة في قصيدته "لغتي":

"رقراقةٌ كماءِ جدولٍ

صافيةٌ كالمطرْ

لا لوثةٌ فيها

ولا يشوبُها كَدَرْ

ولا لسوءِ لفظةٍ أو هفوةٍ

فيها أثرْ

نقيّةٌ نقيّةٌ كمُقلَةِ السَّحَرْ

شفبفةٌ كضحكةِ الرّضيعِ

وابتسامةِ القمرْ"

الدكتور عناد صاحب تجربة حياتيّة عريضة فجاءت خواطره الشعريّة مليئة بالحكم والموعظة، يقرأ العالم من حوله ومجرياته، كما نلمس في قصائده "لمن أشكو"، "حَيرة" و"الناس أجناس" فيقول:

"وبعضُ الناسِ صحبتُهُم هُراء

فهمْ حَصرًا إذا احتاجوكَ جاءُوا

وإنْ نالوا مُرادَهُمُ تناسَوا

وُجودَكَ، فالسُّراب وهُمْ سِواءُ

..................

رأيتُ الناسَ بعضُهُمُ أفاعٍ

تبثُّ السّمّ في كلّ النّواحي

و بعضُهُمُ ثعالِبُ ذاتُ مَكْرٍ

فتُنسيَكَ المَساءَ مِنَ الصّباحِ"

عايش عناد الربيع العربيّ الذي تحوّل إلى خريف وصحراء قاحلة، بعد أن عوّل عليه في البدايات وخاب أمله، فتحوّل إيمان صديقه الراحل سميح القاسم في سربيّةُ الصحراء إلى كفرٍ جعله يصرخ:

"وكفرتُ بالصّحراءِ

عُذرًا يا سميحْ!

.......

هم إخوتي سَفَكوا دَمي

بالطّعنةِ النّجلاءِ

والغدرِ الصّريحْ

إني سئمتُ رتابةَ الموتِ المُعربدِ

في حِياضِ الياسمبنْ

وسئمتُ عَيشي في المَماتْ

وضجيجَ مِوتي في الحياةْ

وسئمتُ أنّاتِ الهواءِ

وشهقةَ الحُلمِ الذّبيحْ"

عناد شاعر مرهف الحسّ، ولغته شاعريّة عذبة، غنائيّة ، ذات نكهة وجدانيّة عشقيّة كما نشاهد في قصائده: "درّة الأعماق"، "شوق" و" أنتِ الرّبيعُ" حين يقول:

"شَغّفٌ يُؤجّجُ لهفتي للِقاكِ

ويشُدُّ حبلَ تشوّقي لسِناكِ

ذبُلتْ ورودي يا حبيبةُ فارفقي

رُشّي عليها كيْ تعيشَ نداكِ

أنت الّربيعُ وأنتِ بسمةُ خافقي

وشِغافُ قلبي تنتشي برِضاكِ"

ويميل إلى التصوّف والعشق الصوفيّ كما نلمس في قصائده: "ثالوث"، "سأزيدك حُبّا"، و"حضور" حين ينشد:

"في اللامسافةِ المُمتدّةِ

بين شفتِي

وفنجانِ قهوتي

عيناكِ تَمرَحانْ"

جاءت كتابته بسيطة، شفّافة ومباشرة، من مدرسة السهل الممتنع، متعدّدة بمواضيعها، سلسة وبعيدة عن الفذلكات اللغويّة ومجمّلاتها، بعيدة عن الغموض والهلوسات، سلسة بأسلوبها، وجدانيّة تنبض حياة...دون نشاز وتنفير... فأبدع.

ملاحظة لا بدّ منها؛ تساءلت حيال غياب صاحب "'لوحة" الغلاف الرائعة، التي تتلاءم مع عنوان الإصدار، الذي لم يُعطَ حقّه ؟!؟ سُئلت في حينه ماذا أقترح أن يُكتب حين يكون صاحب لوحة/صورة الغلاف "مجهول" فكان جوابي: "يتوجّب التنويه في الكتاب - "لوحة الغلاف: بذلنا كل جهد لمعرفة صاحب اللوحة ولم ننجح، نرجو من صاحب اللوحة الاتصال بالناشر أو المؤلّف"!!

بقلم/ حسن عبادي