لكي يفوز نتنياهو بولاية خامسة في حكم اسرائيل، يتوجب عليه الحصول على ما لا يقل عن 61 مقعدا من أصل 120 هم مجموع مقاعد الكنيست! طبعا لايمكنه أبدا الفوز كلاعب فردي فهو لاعب كتلة بامتياز، بمعنى أن ما يسعى اليه هو تكوين تكتل أو ائتلاف من جملة أحزاب وقوى سياسية صغيرة الحجم يمينية التوجه يستطيع بها ـــــ بالاضافة لحزبه الليكود ـــــــ الحصول على ثقة 61 مشرع والفوز بمقعد رئاسة الوزراء. هكذا يعمل النظام البرلماني في اسرائيل!
تحديات كبيرة تواجه نتنياهو في هذه الانتخابات، على الرغم من أنه الأوفر حظا والأقوى بين جملة مرشحي اليمين، كما أن سجله السياسي يشير الى براعته في عقد التحالفات وتسليط الضوء على الانجازات والقفز على المعوقات . فهل ينجح هذه الدورة أيضاً ويصبح أول سياسي اسرائيلي يتولى رئاسة الوزراء للمرة الخامسة متفوقاً على بن غوريون نفسه !
أبرز التحديات التي تواجه نتنياهو هو فساده طويل الأمد، مع إصرار المستشار القضائي في اسرائيل توجيه اتهامات له في ثلاث ملفات: الأولى، قضية شركة الاتصالات "بيزك" والمساءلة حول تلقيها تسهيلات ضريبية مقابل تغطية اعلامية ايجابية لنتنياهو وزوجته في الموقع الالكتروني الأشهر "واللا " الذي يمتلكه صاحب شركة بيزك نفسها. والثانية، قضية الموافقة على الحد من تداول صحيفة اسرائيل اليوم مقابل زيادة التغطية الاعلامية لنتنياهو من صحيفة مضادة هي يديعوت احرونوت. أما الثالثة فهي تلقي هدايا عبارة عن شمبانيا وسيجار من أحد المالكين لمحطة تلفزيونية اسرائيلية .
الواضح أن نتنياهو مهووس بالاعلام أو بالأحرى يعي جيدا قيمة تأثير الصورة والكلمه، وكل خطوة يخطوها يحسبها جيدا بحسابات الربح والخسارة في الانتخابات . هدفه الرئيس الآن منع المستشار القضائي من إصدار قراره. كيف ؟ بالاضافة الى مناورته المستمرة بين خيارات تصعيد المسألة اعلاميا وتوجيهها للرأي العام أو مهاجمة المستشار القضائي، فإن تصدير الأزمة أو استثارة أخرى ليس بالأمر السيء لأن كلمة السر هنا هي الأمن ثم الأمن ثم الأمن .
واسرائيل دولة تقوم على الهاجس الامني، والناخب يعيش هذا الهاجس بفعل تكوينه الشخصي من جهة وقدرة سياسيّيه من جهة اخرى على تضخيم هذا الهاجس، بشكل يصبح معه الفائز في الانتخابات هو من القادر على توفير الامن. والامن لاسرائيل يتمثل في جبهتين الشمالية والجنوبية. اما الشمالية فقد بدأها نتنياهو عبر عملية درع الشمال التي صاحبتها ضجة اعلامية فائقة اعتبرت بداية مبكرة لدعاية انتخابية له. أيضاً شهدت هذه الجبهة زيادة عدد الضربات لإيران في سوريا مع ملاحظة مهمة ان الضربات باتت معلنه بخلاف عن عن السرية والغموض التي أحاطت بها من قبل!
فيما تبقى الجبهة الجنوبية المتمثلة في الشأن الفلسطيني عموما وغزة على وجه الخصوص، الساحة الاكثر سهولة للتناول الانتخابي ليس لنتنياهو فحسب بل لجميع المتنافسين في اسرائيل. حيث لا يترتب عليها أدنى مسئوليات او أوزان داخلية أو محاذير إقليمية ودولية، خاصة في ظل اليمينية المسيطرة على اسرائيل. وعليه فالتصعيد ضد الجانب الفلسطيني في غزة والضفة وحتى الاسرى في سجن عوفر هو سيد الموقف ومربط الفرس بالنسبة لنتنياهو، وإبقاء حالة التوتر قائمة هي ضرورة انتخابية اسرائيلية !
من جهته يحاول نتنياهو اثبات انه رجل الامن والسياسة والاقتصاد المنشود امام الرأي العام الاسرائيلي، مخترق الساحات العربية والأفريقية، وصاحب الفضل في الاعتراف الأمريكي بالقدس. كما أن حالة الانقسام والتشرذم في المقابل التي تسيطر على المشهد الحزبي لمنافسيه من اليمين واليسار على السواء تعزز حظوظه في ظل غياب شخصيات سياسية مقنعة وقادرة على المنافسة .
نتنياهو مصر على خوض الانتخابات حتى لو قرر المستشار القضائي توجيه لائحة اتهام ضده تاركا الأمر للرأي العام كي يقرر، أما في قرارة نفسه فينتظر فرصة أية تهديدات أمنية ليقتنصها ويقتنص معها الفوز !.
بقلم/ د. اماني القرم