قطاع غزة في الانتخابات الإسرائيلية القادمة

بقلم: شجاع الصفدي

يبدو المشهد السياسي الإسرائيلي معقدا جدا في فترة ما قبل الانتخابات ، وهذه المرة لا يشبه أي فترة سابقة ، كان من السهل التنبؤ من خلال استطلاعات رأي بسيطة ، توجهات الناخب الإسرائيلي ، مما يسهل على السياسيين المرشحين توجيه بوصلتهم للتحالف مع المرشح الذي يحظى بالتأييد الشعبي ، وذلك لنيل حصة في الحكومة المنوي تشكيلها بعد الانتخابات .

حتى أن المرشح المتوقع ، كان يعرف ما يجب فعله ليكسب، فإذا كانت الحرب وفتح جبهات ساخنة هو الطريق ،فإنه لا يتردد في خوض مواجهة يعلن من خلالها انتصاره ، وإذا كان الفوز يحتاج تحركات دبلوماسية فإنه يلجأ لحركة دبلوماسية ديناميكية ، تحريك الساكن في العلاقات المجاورة ، وإذا كان العامل الاقتصادي هو الأهم ، فإن تركيزه سيكون على الاقتصاد ودعم القوى العاملة وتخفيض الضرائب ، وهكذا يفوز بدعم الجمهور ويكسب تشكيل الحكومة القادمة من خلال برنامجه المعلن مسبقا وفق رغبة الناخب .
هذه المرة كل شيء مختلف ، الناخب الإسرائيلي غير معلوم التوجه ، فتارة يطالبون بحسم معضلة غزة ، يطلبون حربا تدميرية يمكن تنفيذها لكن يدرك السياسي أن تحقيق ذلك مستحيل وسيدفع الساسة ثمنها في المحاكم الدولية ، وتارة يطالبون بحل اقتصادي يخلصهم من إزعاج غزة للأبد والانفصال التام عنها .
وهذا أيضا له استحقاقات سياسية تجاه السلطة التي ترفض أي حل فردي مع قطاع غزة .
نتنياهو المعرض لخطر المحاكمة على قضايا فساد ، لطالما استطاع الإمساك بكافة خيوط المسرح ، وتحريكها في مصلحته ، لكنه هذه المرة حائر، هو لا يريد حربا في غزة لا تحقق نتائجها المرجوّة ، كما أنه لا يريد حلا سياسيا خلال فترة حكمه ، لذلك يتهرب من أي استحقاق سياسي .
لذلك يخرج بورقة حزب الله والتواجد الإيراني في سوريا ، يلوّح بها أمام الناخب الإسرائيلي الذي باتت نسبة ثقته في نتنياهو مهتزة ، الجميع يدرك تماما أنه لا حرب ضد إيران ، وإسرائيل تكتفي بضربات موضعية على مصادر الخطر المزعومة ، والتي لا يمكن لإيران أن تشن حربا على إسرائيل بسببها ولو مات المئات من الحرس الثوري هناك .
وحزب الله الذي خرج من حرب 2006 منتصرا معنويا ، لا يريد حربا جديدة تدمر فيها لبنان بالكامل ، دون أي مصلحة حقيقية للحزب في ذلك .
إذن تتصاعد التهديدات والتوتير الإعلامي والبروباغندا الكاذبة ، دون طحن حقيقي في الموقف الإسرائيلي عامة .
الأوراق بيد نتنياهو قليلة جدا وليست جواكر كما اعتاد سابقا ، سيحاول بقدر الإمكان استغلال هشاشة الخصوم ، وقد يضطر لحرب تحريكية ضد الجبهة الأضعف قبيل الانتخابات ، خاصة وأن الفصائل في غزة ترى أن الضغط على نتنياهو في هذه المرحلة يجلب المكاسب ، لكن قد ينقلب السحر على الساحر، فالحرب التي لا تستطيع إيران أن تنفذها في سورية أو لبنان ضد إسرائيل، قد تجعلها تدفع باتجاه تسخين جبهة غزة قدر المستطاع ، وصولا إلى جولة من القتال ، لن يكون سقوط نتنياهو مكسبا على الإطلاق للفلسطينيين ، فالقادم أسوأ كثيرا من سياسة نتنياهو التسويفية ، لأن أي قائد جديد لن يكون بقوة نتنياهو ، وسيكون الرأي العام ورأي الكابينيت قليل الخبرة ذات سطوة عليه ، مما سيجعل القرارات والخيارات رعناء تماما ، وهذا ما لا يجب أن يسعى إليه الفلسطينيون .
باعتقادي أن الليكود سيفوز ، ونتنياهو بخبرته سيشكل الحكومة الجديدة ، مع حصول بعض الخصوم على مواقع جيدة في الحكومة كنوع من الرشوة السياسية.
إذن نتنياهو ما زال يمتلك الفرصة الأكبر لتولي الحكومة الجديدة ، كونه لا يوجد بديل حقيقي بحنكته وخبرته أمام الناخب الإسرائيلي ، وسواء تدحرجت الأمور نحو التصعيد ووقعت جولة من القتال مع غزة ، لن يطورها نتنياهو لحرب واسعة تؤذيه مستقبلا ، وسيكتفي بضربات مؤلمة لغزة ، والتسويق لها على أنها انتصار طاحن ، أو لم تتدحرج الأمور نحوالمواجهة ، فإن المقروء في المستقبل القريب هو استمرار تدخل الوسطاء ، والإبر المسكّنة لقطاع غزة والفصائل فيه ، وتقديم بعض الجزر مع التلويح بالعصا بشكل مستمر ، وهو موجه للرأي العام الإسرائيلي وليس للفصائل فعليا والتي يفهم نتنياهو معادلتها أنه لم يعد لديها ما تخسره ويريد أن يضمن أن تبقى محشورة في الزاوية التي يريد.

شجاع الصفدي