دبلوماسية تويتر أو “تويبلوماسي“ ...الشفافية افضل للجميع !

بقلم: اماني القرم

يبدو أنه مقدر للعرب أن تلعب الرسائل دوراً في صياغة تاريخهم وحاضرهم وتكون وسيلة لخداعهم أيضاً. في أوائل القرن الماضي كانت هناك رسائل شهيرة غيرت مسار التاريخ ومعالم الشرق الأوسط أبرزها: مراسلات  حسين/ ماكماهون العشرة خلال العامين 1915 و1916بين الشريف حسين والسفير البريطاني ماكماهون التي وافقت فيها بريطانيا على الاعتراف باستقلال العرب . ثم تبين أن بريطانيا كاذبة بتوقيعها اتفاقية سايكس بيكو وإرسالها رسالة اخرى كاتبها وزير الخارجية  اللورد جيمس  بلفور الى اللورد روتشيلد أحد زعماء الصهيونية في العام 1917 عرفت باسم "وعد بلفور" المشئوم علينا ... ..

ومع تقدم الزمان وتراجع الورقة والقلم وطول المسافات امام الموبايلات الذكية وشبكة التكنولوجيا الرقمية احتلت رسائل الواتس آب وتغريدات التويتر وبوستات الفيس بوك هرم التواصل بين البشر وقادتهم من المشرق الى المغرب. وربما بعد سنوات سينسى الناس كيف كانت تكتب الرسائل فلم يعد هناك وقت لكتابة  عزيزي فلان أو علان!

يعد تويتر هو قناة التواصل الاجتماعي المفضلة لمعظم قادة العالم. وأصبح  الآن ما يعرف بدبلوماسية تويتر أو "تويبلوماسي" والتي هي فن استخدام هذه الوسيلة الحديثة من قبل الحكام لتوصيل الرسائل والتعبير عن المواقف وللتفاعل مع الجماهير ولتوطيد العلاقات من منطلق قاعدة أن كسب العقول والقلوب هو المفتاح لبناء التحالفات. كما هي منصة أيضاً لتوتير الأجواء وللخلافات والسجالات فيما بينهم،  ولإدارة شئون البلاد ولا مانع من عزل الوزراء وتغيير الحكومات بتغريدة أو تويتة  ..

وفي حين أن 97 % من حكومات العالم ورؤسائها يغردون عبر تويتر ويتابعهم حوالي نصف مليار انسان حول العالم، فإن 3% الباقين يعتبرون في حسابات الدبلوماسية الرقمية  متخلفين  وخارجين عن ركب الديبلوماسية الحديثة وهم ستة حكومات:  نيكاراغوا وموريتانيا وكوريا الشمالية ولاوس وسوازيلاند وتركمنستان . الجدير بالذكر أن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل الوحيدة أوروبيًّا التي تملك حساباً غير نشط على تويتر!!.. وطبعا يعد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الرائد في استخدام هذه الدبلوماسية الغير تقليدية منذ انتخابه، والأول عالميا في عدد المتابعين له الذين يبلغ عددهم حوالي 53 مليون، وبلا شك الأجرأ  فتغريداته تطيح يمينا وشمالا دون علاقة بالديبلوماسية . وقد نالنا نحن الفلسطينيون منه كمية لا بأس بها من التغريدات المهددة والمتوعدة.

ولأن التشاركية والتشبيك هما سمتا هذا العصر، لذا تجد أنه من الصعب جدا أن تقطع إحدى الدول علاقاتها كلية بالأخرى .  فتويتر كفيل بجمعهما معا ! وعليه ليس من الغريب أن تصطدم بعدوك وانت تطلق تغريدة. فالرئيسان الأمريكي والايراني يهددان بعضهما على تويتر!

جيسون جرينبلات أحد مهندسي صفقة القرن المزعومة اكتشف أنه يمكن الحديث والتفاوض  مع الفلسطينيين عبر تويتر رغم الرفض القاطع من الجانب الفلسطيني لقاء المسئولين الامريكان. حيث شهدت الايام السابقة سلسلة تغريدات لجرينبلات تعليقاً ورداًّ على تغريدات لحنان عشراوي ونبيل ابو ردينة تتمحور حول صفقة القرن ووقف المساعدات الامريكية للفلسطينيين.. ويبدو أن جرينبلات سعيداً بهذا الاختراق فقد غرد قائلا: "من قال اننا لا نتحدث ..نحن نتحدث علانية امام الجميع كي يفهم فالشفافية افضل!" حسب قوله.

وقد انتبهت السيدة حنان عشراوي بفطنتها للامر فهاجمت  دبلوماسية تويتر قائلة بانها دبلوماسية العقول الضيقة والمفكرات الضعيفة ومن يقتنع بانها ناجعة وقادرة على صنع شراكات وتفاعلات فهو يخدع نفسه ..

وما بين تغريدات عشراوي وابو ردينة وردود جرينبلات، تبقى المسائل عالقة على أرض الواقع أو على الأقل في هذا القرن .. ربما في القرن القادم ستحل التغريدات مشكلة اللاجئين والمستوطنات والقدس وتبني الدولة!!

بقلم/ د. اماني القرم