مع مرور كل يوم تتضح أكثر فأكثر معالم الهجوم الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني على يد حكام إسرائيل بدعم مطلق من حلفائهم، كما يتجلى بصورة واضحة، أن هذا الهجوم يسير في اتجاهين.
أولا سلب الشعب الفلسطيني حقه في تمثيل نفسه وقضيته ، وثانيا تهميش القضية الفلسطينية بهدف تصفيتها، وسلب الفلسطينين حقوقهم التاريخية من القدس، إلى حقوق اللاجئين في العودة، إلى حقهم قي تقرير المصير وإقامة دولة مستقلة ذات سيادة حقيقية.
لم يصل الشعب الفلسطيني إلى حقه في تمثيل نفسه عبر منظمة التحرير الفلسطينية بسهولة، إذ اقتضى الأمر إطلاق الثورة الفلسطينية المعاصرة في الستينات، حتى تم الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلا شرعيا وحيدا للشعب الفلسطيني، وتطلب انتفاضة شعبية جماهيرية واسعة في الثمانينات لصون الحقوق الفلسطينية من محاولات التصفية ولحماية المنظمة، بعد أن أُخرجت من لبنان بالقوة العسكرية الإسرائيلية،.
وسبق ذلك عشرات المعارك البطولية التي خاضها أبناء وبنات الشعب الفلسطيني في الأرض المحتلة بقيادة الجبهة الوطنية الفلسطينية ولجان التوجيه الوطني، لوأد مؤامرة روابط القرى، ومحاولات تزوير إرادة الشعب الفلسطيني، عبر خلق قيادات عميلة متعاونة مع الاحتلال، الذي كان هدفه دائما شق صفوف الفلسطينيين وضرب مقاومتهم للاحتلال، واصطناع قيادات متواطئة ومتعاونة ضد مصالح شعبها.
وبعد أن فشلت إدارة ترامب، وإسرائيل، في إيجاد طرف فلسطيني يقبل بالتعاطي مع أفكار صفقة القرن التصفوية، فإنها تركز جهودها على استغلال حالة الانقسام الفلسطينية المؤسفة للتشكيك في حق الفلسطينيين في تمثيل أنفسهم، مدعية أنه لا يوجد من يستطيع التحدث باسمهم جميعا.
ويمثل مؤتمر وارسو محطة بالغة الخطورة في هذا الإتجاه، وفي إتجاه تهميش القضية الفلسطينية برمتها، لصالح تركيز الأنظار ضد إيران بالتعاون مع إسرائيل .
مؤتمر وارسو يسعى عمليا لإعادة رسم خريطة الصراعات والتحالفات في العالم والشرق الأوسط، ولا يخفي أقطابه سعيهم لجعل إسرائيل دولة شقيقة للمحيط العربي، على حساب الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، ومع استمرار ترسيخ الاحتلال ونظام الأبرتهايد العنصري ضد الفلسطينيين.
وهو موجه ليس فقط ضد الفلسطينيين وحقهم في النضال، وضد سوريا وإيران، بل ولتهميش قوى عالمية كبرى كالصين وروسيا وعدد كبير من الدول الأوروبية.
عندما حاصرت إسرائيل الرئيس الشهيد ياسر عرفات أثناء الانتفاضة الثانية، كانت وحدة المناضلين والقوى المكافحة على الأرض والمتضامنين مع شعبنا، هي الرد الحاسم والأمثل.
وعندما حاصرت إسرائيل وحلفاؤها الفلسطينيين إقتصاديا وماليا بعد إنتخابات المجلس التشريعي عام 2006، كان تشكيل حكومة الوحدة الوطنية في عام 2007 هو الرد الأمثل، والتي لو طال بقاؤها لكسرت الحصار، لكنها للأسف انهارت بعد ستة وثمانين يوما، ليٌخلف ذلك أطول وأصعب وأسوأ إنقسام في تاريخ الشعب الفلسطيني .
واليوم لا توجد وسيلة أفضل من إنهاء الانقسام وتوحيد الصف الوطني، لصد مؤامرة تصفية القضية الفلسطينية، ومحاولات سلب الشعب الفلسطيني حق تمثيل نفسه.
وإذا رأى خصومنا وأعداؤنا الفلسطينيين ينشئون قيادة وطنية موحدة في إطار ممثلهم منظمة التحرير الفلسطينية، ويشكلون حكومة وحدة وطنية ، ويرسخون ثقة الشعب بقيادته عبر انتخابات ديمقراطية شاملة، سيدركون عبثية محاولاتهم، وستهزم مؤامرتهم لتزوير الإرادة الفلسطينية وتصفية حقوق الفلسطينيين .
ومن يفهم جيدا طبيعة مؤتمر وارسو وإصطفافاته، سيدرك أي تحالفات يجب أن يبنيها الفلسطينيون الموحدون لحماية مصالحهم .
بقلم/ د. مصطفى البرغوثي