تمر حالة حقوق الإنسان في فلسطيني بانتهاكات خطيرة نتيجة ممارسات الاحتلال الاسرائيلي الذي ينتهك قواعد القانون الدولي الانساني، والقانون الدولي لحقوق الإنسان، وتستمر اسرائيل بصفتها قوة احتلال ليس فقط في نكران انطباق قواعد القانون الدولي الانساني في الاراضي الفلسطينية المحتلة، بل ايضاً في اعتبار نفسها دولة فوق القانون.
ومع ان القانون الدولي قد احاط حقوق الإنسان بالحماية دون تمييز الا ان انه اختص حقوق بعض الفئات بضمانات حماية اشد، وهم النساء والاطفال وكبار السن والاشخاص من ذوي الاعاقة.
لقد سبب قيام قوات الاحتلال بقتل اثنين من الاطفال وهم حسن اياد شلبي ( 14) عاماً، والطفل حمزه محمد شتيوي ( 17) وذلك يوم الجمعة 8/2/2018 صدمة اضافية ازاء استمرار القتل الطائش خارج القانون الذي تمارسه قوات الاحتلال دون تمييز، في انتهاك فج لحق الطفل في الحياه وفي التظاهر السلمي المكفولين في القانون الدولي الانساني والقانون الدولي لحقوق الانسان، والذي جعلت قواعد القانون الجنائي الدولي المساس بهما جريمة توجب المساءلة والمحاسبة والتعويض.
تتناول هذه المقالة 3 محاور اساسية:
1- اولاً الاليات الدولية لحماية حقوق الاطفال من منظور القانون الدولي الانساني.
2- اليات حماية حقوق الاطفال بموجب قواعد القانون الدولي لحقوق الإنسان.
3- دولة فلسطين والاليات الدولية لحماية الاطفال
أولاً/ الاليات الدولية لحماية حقوق الاطفال من منظور القانون الدولي الانساني
التدابير على المستوى المحلي ( الوطني): حيث الزم القانون الدولي الانساني السلطات القائمة بالاحتلال لنشر المعرفة والتعليم العسكري والمدني لقواعده، والمعاقبة على المخالفات للمواد الواردة في الاتفاقيات، واعتبر ان المخالفات الجسيمة هي جرائم حرب، وان تشكيل منظومة العقوبات هو جزء من البنية القانونية الواجب توافرها لتشكل حالة من الردع.
وأكد القانون الدولي الانساني على أن إجراء التحقيق أمر في غاية الاهمية بموجب المادة 149 من اتفاقية جنيف الرابعة، على الرغم من ان هذه الالية تعتمد على موافقة الاطراف مما قد يحول دون قيامها بالسرعة المأمولة ( ومعلوم بأن العدالة البطيئة ظلم)
كما ان انشاء لجنة دولية لتقصي الحقائق بموجب المادة 90 من البروتوكول الاضافي الاول تمثل محاولة لمنهجه عملية التحقيق عن طريق لجنة دولية لتقصي الحقائق. هذه اللجنة تختص بتقصي الحقائق وليس اتخاذ قرارات بشأن مسائل قانونية او اصدار احكام قضائية، ولكن المهم ان الحقائق في النهاية لها تصنيف قانوني.
جبر الضرر وذلك بموجب 91 من البرتوكول الاضافي حيث تلتزم الدولة التي تنتهك قواعد القانون الدولي الانساني بالتعويض وجبر الضرر، والذي ليس بالضرورة ان يكون عبر الاشكال النقدية، بل هناك وسائل اخرى هامة غير نقدية مثل اعادة الوضع الى ما كان عليه قبل الانتهاك ( وفي حال قتل الاطفال فلا مجال لإعادة الحال) ولكن الاعتراف بالجرم، وتقديم مقترفي الجرائم للعدالة، وتعويض الضحايا، والاعتذار، والتعهد بعد التكرار.
وتلعب اللجنة الدولية للصليب الاحمر دوراً مهما في حماية ضحايا النزاعات والسكان الخاضعين لسلطة الاحتلال، لكن المسؤولية الكبرى تقع على عاتق المجتمع الدولي من خلال 1) الالتزام بكفالة واحترام القانون الدولي الانساني التي اكدت عليها المادة الاولى المشتركة لاتفاقيات جنيف الاربع ، 2) وان تحترم التزاماتها 3) وقيام الدول الطرف السامية المتعاقدة للضغط على دولة الاحتلال لوقف اجراءاتها التعسفية، وغل يدها عن انتهاكات حقوق السكان المدنيين ومنهم الاطفال.
ان المادة 49 من البروتكول الاضافي الاول اشارت الى قيام الدول منفردة ومجتمعة كي تتعاون مع الامم المتحدة حال وقوع انتهاك، فإذا ما بلغ هذا الانتهاك مستوى يشكل استمراره تهديداً للأمن والسلم وفقاُ للمادة 39 من ميثاق الامم المتحدة فإن الموضوع يترك لمجلس الامن كي يحاط بالواقعة وتقديم توصيات، واتخاذ قرار بشان التدابير الواجب اتخاذها.
ان اتخاذ التدابير ليس بالضرورة ان يكون مقصوداً منه انفاذ قواعد القانون الدولي الانساني – في المقام الاول- بل انهاء حالة تشكل تهديداً جسيماً لحقوق الإنسان.
وفي الحالة الفلسطينية ازاء انتهاكات اسرائيل لقواعد القانون الدولي الانساني لا بد من انشاء آلية خاصة لرصد مدى امتثال سلطات الاحتلال لأحكام اتفاقيات القانون الدولي الانساني
ثانياً/ آليات حماية حقوق الاطفال بموجب قواعد القانون الدولي لحقوق الإنسان
هذا المحور يناقش حماية ضحايا النزاع، والسكان المدنيين تحت الاحتلال وفي مقدمتهم الاطفال، من خلال هيئات حقوق الإنسان بموجب معاهدات حقوق الإنسان. حيث ان القانون الدولي الانساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان يلتقيان ويختلفان، ولكن مطلقاً لا يختلفان على حماية حقوق الإنسان.
ان هيئات حقوق الإنسان للرقابة المنشأة بموجب المعاهدات، تنحو الى تفسير واضح ومحدد لمهامها، وهي في الظاهر لا تدرج القانون الدولي الانساني في عملها، ولكنها مع ذلك تؤكد انطباق المعاهدات ذات الصلة في حالات النزاع المسلح الدولي وغير الدولي وفي حالة الاحتلال.
ولا يوجد من بين هيئات المعاهدات المسؤولة عن رصد المعاهدات سوى حالة استثنائية واحدة وفريد تتضمن الزام الدول المنضمة للاتفاقية كي تحترم قواعد جنيف ذات الصلة بحقوق الطفل، وهي لجنة حقوق الطفل التي تشير صراحة الى القانون الدولي الانساني من خلال المادة 38 الفقرة (1) من اتفاقية حقوق الطفل التي تنص على أنه " تتعهد الدول الاطراف بأن تحترم قواعد القانون الدولي الانساني المنطبقة عليها في النزاعات المسلحة وذات الصلة بالطفل وان تضمن احترام هذه القواعد."
لقد واجهت نزعة فحص ممارسات الاحتلال تحت قبة مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة معارضة قوية من جانب إسرائيل والولايات المتحدة، وذلك لنفور هذه الدول من الاشراف القضائي على سلوكها، وغضبها واضطرابها من مواضيع التعويض جبر الضرر لما تنطوي عليه من فضح ومسؤولية ومساءلة. وعليه فقد قامت دوائر سياسية، ومنصات اعلامية مناصرة للاحتلال باتهام مجلس حقوق الإنسان بالتحيز، ومهاجمة عملية ادراج ما يعرف بالأجندة رقم 7 ( Agenda Item 7 ) التي تتعلق بأوضاع الاراضي المحتلة الخاضعة للاحتلال على جدول اعمال المجلس، كما ان الولايات المتحدة انسحبت من المجلس دعما لمواقف اسرائيل، وتهدد بوقف تمويل المجلس او أي جسم حقوقي ينتقد الممارسات الاسرائيلية.
وعليه فإن القانون الدولي لحقوق الإنسان وقواعده واتفاقياته تتضمن مجموعة من الاليات التي يمكن اللجوء اليها للضغط على دولة الاحتلال لوقف ممارساتها بحق الاطفال، وثنيها عن انتهاكاتها المستمرة لحقوقهم المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وهم يخوضون حقهم المشروع، مع باقي السكان المدنيين تحت الاحتلال، في تقرير المصير والدفاع المشروع عن انفسهم.
ثالثاً/ فلسطين الدولة والاليات الدولية المتاحة لحماية حقوق الاطفال الفلسطينيين
إن دولة فلسطين تستطيع بعد انضمامها لاتفاقيات حقوق الإنسان والاتفاقيات الاخرى للقانون الدولي ان تستعين بالآليات التي يوفرها هذا الانضمام وفي مقدمتها اللجوء الى ميثاق الامم المتحدة الذي اشتملت مادته 42 على قائمة التدابير التي تتضمن مقاطعة دولة الاحتلال التي تنتهك حقوق الإنسان، وايقاع العقوبات عليها من خلال حظر سفر وتنقل المسؤولين مقترفي الجرائم، وتجميد اصولهم، وقطع العلاقات الدبلوماسية مع دولهم، وجلبهم للعدالة.
وكذلك تستطيع دولة فلسطين اللجوء الى الجمعية العامة، ومجلس الأمن والطلب من الدول الاطراف الاعضاء، والاطراف السامية المتعاقدة لتطبيق الاليات الوقائية لإعمال القانون الدولي الانساني، وللضغط على سلطات الاحتلال الاسرائيلي لاحترام وحماية الاطفال الفلسطينيين وخصوصاً حقهم في الحياه وفي التظاهر السلمي، من خلال حث هذه الدول للتحرك والطلب من سلطات الاحتلال العمل لاحترام وكفالة إعمال احكام اتفاقية جنيف الرابعة، والالتزام بكف يدها عن انتهاكات حقوق الطفل الفلسطيني بصفتهم جزء من السكان المدنيين المشمولين بالحماية.
وكذلك تستطيع دولة فلسطين اللجوء الى الآليات الرقابية لتطبيق احكام اتفاقيات القانون الدولي الانساني وخصوصاً اتفاقية جنيف الرابعة وفي مقدمته آليه تشكيل لجان التحقيق في جرائم الاحتلال، وتفعيل التواصل مع اللجنة الدولية للصليب التي تجري مباحثات غير علنية مع سلطات الاحتلال حول اوضاع السكان المدنيين بما فيها احترام قواعد القانون الدولي الانساني بمن فيهم الأطفال.
ويمكن لدولة فلسطين ان تلوذ بالآليات القضائية (العقابية) على المستوى الدولي، حيث انه لا سبيل امام حجم الانتهاكات التي تمارسها سلطات الاحتلال بحق الاطفال، الا عن طريق الآليات العقابية والقضائية التي تختص بمحاكمة منتهكي ومقترفي المخالفات الجسيمة لقواعد القانون الدولي الانساني، ومعاقبة مرتكبي جرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية، حيث نص البروتوكول الاضافي الاول للعام 1977 بموجب الفقرة الاولى من المادة 85 على أن " يلتزم كل طرف متعاقد بملاحقة المتهمين باقتراف مثل المخالفات الجسمية او بالأمر باقترافها، وبتقديمهم الى محاكمة"، وكذلك اللجوء الى القضاء الجنائي الدولي من خلال المحكمة الجنائية الدولية التي خلقت بالأساس لمحاسبة مقترفي جرائم وانتهاكات القانون الدولي الانساني ولكن هذا يتطلب جهوزية عاملة للطواقم القانونية والحقوقية في دولة فلسطين من خلال اعداد الملفات المستندة الى الادلة والقرائن والتوثيقات والافادات.
وتعتبر الاجراءات الخاصة للأمم المتحدة المتعلقة بحقوق الانسان التي تتكفل المفوضية السامية لحقوق الانسان بنشر المعرفة بها وسبل الوصول اليها، احد الاليات الهامة التي تستطيع دولة فلسطين اللجوء اليها لحماية حقوق الاطفال وخصوصاً المقرر الخاص لحقوق الطفل، والمقرر الخاص بالحق في الحياة، والمقرر الخاص بحرية الراي والتعبير، والمقرر الخاص بالأراضي الفلسطينية.
وبإمكان المنظمات الحكومية وغير الحكومية ذات الصلة بحقوق الانسان وحقوق الطفل، القيام بأدوار هامة لحماية حقوق الانسان دون تمييز وفي مقدمتها منظمة هيومان رايتس ووتش، ومنظمة العفو الدولية أمنستي، وفرونت لاين، واليونيسيف، وهذه الاليات الحقوقية الرقابية الدولية ذات المستوى المرموق والموثوق، يمكن لفلسطين تعزيز العلاقة معها في سبيل حماية حقوق الاطفال الفلسطينيين.
ان انتهاكات حقوق الطفل الفلسطيني ليست قدراً نقف عاجزين امامه، بل هي وقائع لانتهاكات وجرائم يجب التصدي لها بقوة القانون، وبالوعي باليات المساءلة والمحاسبة وجبر الضرر التي يوفرها القانون، وبالرغبة والقدرة للقيام بهذا الجهد القانوني والانساني والاخلاقي، وبتضافر جهود جميع المدافعين عن حقوق الانسان، وتنسيقها بمهنية وحرفية، لضمان فاعليتها وديمومتها من اجل الإنسان، وحقوق الانسان وخصوصاً عندما يتعلق الأمر بالمستقبل.. الأطفال.
بقلم/ المحامي بهجت الحلو