كل المهجرين .. والنازحين .. والمشردين السوريين – يا عيني عليهم - !!!
يحلمون بالليل .. والنهار .. وباليقظة .. والمنام أن يرجعوا إلى بلدهم !!!
ويقولون في أحاديثهم .. ويؤكدون أنهم سيرجعون إلى حيهم .. يوما ما !!!
كما كانت فيروز الفلسطينية تغني .. ومنذ سبعين سنة .. ( سنرجع يوما إلى حينا ) !!!
ولكن .. وا لوعلتاه .. لا أحد يجيب على السؤال الكبير .. الجوهري ..
كيف سيرجعون إلى حيهم .. والذين سبقوهم بالتهجير لم يرجعوا حتى الآن ؟؟؟!!!!
هل بالغناء .. والأناشيد .. والقصائد .. والمواويل ؟؟؟!!!
أم هل بالبكاء على الأطلال .. والندب .. وسب النظام .. ومن يتحالف معه .. ولعن روح حافظ الخبيثة ؟؟؟!!!
أم هل بالأحلام الوردية .. والأمنيات العذاب .. والتمنيات .. والدعاء ؟؟؟!!!
أم بالتسويات .. والمصالحات الاستسلامية .. المُذلة .. التي تطبخها دول مارقة ؟؟؟!!!
أم ماذا ؟؟؟!!!
وكيف السبيل للرجوع بعزة .. وكرامة ؟؟؟!!!
حسب المعطيات الموجودة على الأرض ..
وحسب الحالة الفكرية .. والخلقية .. والدينية .. والسياسية .. والعسكرية ..
وحسب الحالة الاجتماعية .. والأسرية المتفككة .. والمتهلهلة .. لدى معظم المهجرين !!!
وحسب اهتمامات النازحين .. والمهجرين .. وانقساماتهم .. واختلافاتهم المتباينة .. وصراعاتهم .. واقتتالهم فيما بينهم ..
حسب كل هذه الوقائع المفجعة .. والمؤلمة .. والحزينة ..
وحسب السنن الربانية الثابتة .. التي لا تجامل أحدا .. ولا تداهن أمة على أخرى ..
فإنه لا يبدو في المستقبل القريب .. أو المنظور .. أنهم سيرجعون إلى حيهم .. إلا أن يشاء الله تعالى .. ويُحدث أمرا ليس على البال .. أو يُحدث معجزة خارقة .. فهو فعال لما يريد .. وعلى ما يشاء قدير ..
لا نقول هذا الكلام للثبيط .. والإحباط .. ولا للتشاؤم .. والتيئيس ..
وإنما نقول ذلك بناء على سنن كونية ثابتة .. لا تقبل التغيير ولا التبديل .. ولا المماحكة .. ولا المجادلة ..
ونقولها أيضا للتنبيه .. والتذكير .. والتحذير ..
فالسنن الكونية الثابتة .. المستقرة منذ خلق السموات والأرض هي :
لا يَفُلُ الحديدَ.. إلا الحديدُ ..
ولا يُقارعُ الفكرةَ.. إلا الفكرةُ. .
ولا يَهزِمُ العقيدةَ.. إلا العقيدةُ. .
وما أُخذ بالقوة .. لا يُسترد إلا بالقوة ..
هذه هي عناصر المواجهة مع الأعداء .. في كل وقت .. وفي كل مكان .. وفي كل زمان ..
وليست خاصة بأمة بعينها .. أو بلد بعينه ..
فالله تعالى ما وضع النواميس الكونية عن عبث .. أو هوى .. أو للصدفة .. أو عشوائيا ..
إنه حكيم مدبر .. وخبير بما في النفوس ..
فهو ما جعل الدنيا لتمكين فئة على أخرى بالمجاملة .. والمداهنة .. والرشوة .. والمحاباة !!!
وإنما بالمغالبة .. والمدافعة .. حسب سنن الله ..
( وَلَوۡلَا دَفۡعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعۡضَهُم بِبَعۡضٖ لَّفَسَدَتِ ٱلۡأَرۡضُ ) ..
( وَلَوۡلَا دَفۡعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعۡضَهُم بِبَعۡضٖ لَّهُدِّمَتۡ صَوَٰمِعُ وَبِيَعٞ وَصَلَوَٰتٞ وَمَسَٰجِدُ يُذۡكَرُ فِيهَا ٱسۡمُ ٱللَّهِ كَثِيرٗاۗ وَلَيَنصُرَنَّ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُۥٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ) ..
هذا حكم قضائي رباني .. لا يقبل الطعن .. ولا الاستئتاف ..
نصر الله .. يأتي للعبيد المؤمنين الخاضعين له كليا .. والذين يجعلون الدينونة له وحده فقط ..
( ٱلَّذِينَ إِن مَّكَّنَّٰهُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ أَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَوُاْ ٱلزَّكَوٰةَ وَأَمَرُواْ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَنَهَوۡاْ عَنِ ٱلۡمُنكَرِۗ ) ..
ولذلك ..
إذا أراد المهجرون .. النازحون الملتاعون ..أن يرجعوا فعلا .. وصدقا إلى حيهم !!!
يجب توفير نفس العناصر الموجودة لدى الأعداء .. والتي يمكن اختصارها في ركيزتين اثنتين أساسيتين .
الركيزة الأولى : الإيمان والطاعة المطلقة لله تعالى .. وبالطريقة التي حددها هو سبحانه وتعالى .. وليس بالهوى والمزاج ..
وإنما بالدينونة الخالصة .. الكاملة له ..
وليس الإيمان بالخزعبلات .. والأوثان .. والأصنام البدعية .. والمصطلحات العلمانية .. واليسارية .. والوطنية .. والديموقراطية التي لا تقبل عند الله عدلا ولا صرفا !!!
وبمجرد دخول الهوى إلى النفس وسيطرته عليها .. فلن يكون للإيمان والتقوى أي تأثير .. وأي فعالية .. سيكون حينئذ مظهرا خادعا مضللا .. لا قيمة له البتة ..
بل سيكون ضارا لصاحبه وللمجتمع .. ولن يتحقق رضا الله تعالى ..
الركيزة الثانية : التنظيم الدقيق .. والقوة العسكرية ..
وكلا هاتين الركيزتين تختصرهما آية واحدة :
( يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ قَٰتِلُواْ ٱلَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ ٱلۡكُفَّارِ وَلۡيَجِدُواْ فِيكُمۡ غِلۡظَةٗۚ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلۡمُتَّقِينَ ) ..
إيمان وتقوى .. وقتال مع شدة وبأس .. وغلظة على الكافرين ..
والأعداء لديهم نفس الركيزتين .. وبشكل أقوى .. وأمتن ..
لديهم عقيدة رافضية .. صليبية .. يهودية .. مجوسية فعالة .. ونشيطة غاية النشاط .. لنشر عقائدهم بين المسلمين .. وسحق عقيدة التوحيد ..
ولديهم أسلحة فتاكة .. جبارة ..
فهل تتوفر لدى المهجرين السوريين تلك الركيزتين ؟؟؟!!!
الحقيقة الصادمة .. والمفجعة أنه بعد ثمان سنوات من بدء انطلاق الثورة ..
تجد أن الركيزة الإيمانية .. العقائدية الأولى غير مترسخة .. وغير واضحة المعالم .. وغير متغلغلة في قلوب معظم المهجرين – إلا من رحم الله –
نعم .. ثم نعم ..
يوجد لديهم إسلام .. وبعضهم يحافظ على الشعائر التعبدية بشكل كامل .. وبعضهم يحافظ عليها بشكل جزئي .. وبعضهم لا يقيم لها وزنا .. ولا يبالي بها .. وبعضهم يذكر الله .. و( تَرَىٰٓ أَعۡيُنَهُمۡ تَفِيضُ مِنَ ٱلدَّمۡعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ ٱلۡحَقِّۖ ) ..
ولكنها كلها تطبيقات باردة .. جامدة !!!
بل ميتة .. ليس فيها روح .. ولا حياة .. ولا استشعار بعظمة الله .. ومحبته .. والخوف من عقابه ..
ولا توجد أخوة إيمانية .. عقائدية تربط بين السوريين .. وتوثق لحمتهم .. وتشد أزرهم .. وتهيمن المحبة والمودة بينهم .. وتعلو فوق الهوى .. والأنانية .. وتصهرهم كالجسد الواحد .. إذا اشتكى عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ..
بل العكس .. تجد السخرية .. والمسخرة .. وتنابذ بالألقاب .. وسب وشتم .. وشماتة وغيبة .. وأخلاق متدنية .. هابطة .. إلا من رحم الله ..
وأما الركيزة الثانية .. فهي محتشدة .. ومتجمعة بأيدي عصابات .. لا تعرف دينا .. ولا ربا .. وتتاجر بالشعارات الدينية .. وبدماء المستضعفين من النساء والولدان والشيوخ !!!
فما الحل ؟؟؟!!!
إيمان وقوة .. وأخلاق ودينونة مطلقة للواحد الأحد .. وتطبيق كامل لشرع الله الديان ..
بغير ذلك ..
لن يرجعوا .. ولن يريحوا رائحة بساتينهم .. وغوطتهم .. وجنانهم .. ومزارعهم ..
ولن تقر أعينهم بمرأى مهد طفولتهم .. وشبابهم .. ومرابع ألعابهم !!!
وسيدفنون في أرض غربتهم !!!
بقلم/ د. موفق السباعي