نحو ستين دولة هامشية، لبت دعوة الرئيس الأميركي لقمة تعقد في وارسو، لمناقشة قضايا الشرق الأوسط بذريعة مواجهة الخطر الايراني، الذي يتمدد في اكثر من دولة عربية، ويهدد دولاً أُخرى، ولاستكمال التضليل يجري الحديث عن مؤتمر للأمن والسلام، ولكن أمن مَن وسلام مَن؟
يعيدنا المؤتمر الذي ينعقد بدعوة ورعاية وهيمنة من قبل الولايات المتحدة، وبحضور إسرائيلي، وبعض الحضور العربي بوعد بلفور المشؤوم في العام ١٩١٧، ويشكل الحلقة الاستكمالية لذلك المشروع الذي حمله ذلك الوعد.
ينخدع بعض العرب في القرن العشرين، كما خدعت بريطانيا وحلفاؤها، الشريف حسين قائد الثورة العربية الكبرى، فهم إما انهم لا يستطيعون الفكاك من قبضة المهيمن الأميركي او انهم يركضون وراء سراب وأوهام البحث عن أمنهم وامن أنظمتهم، ويذكرنا هذا المؤتمر المشؤوم ايضاً، بحال الحركة السياسية الفلسطينية آنذاك، حيث انقسم الناس، وفقدوا بوصلة التناقض مع العدو الرئيسي، وكان آنذاك بريطانيا وحلفاؤها، الذين قدموا كل الدعم والتغطية لإرهاب العصابات الصهيونية، وسهلوا هجرة اليهود الى فلسطين.
يشبه عرب اليوم، عرب الأمس، ويشبه فلسطينيو اليوم المنقسمين على انفسهم فلسطينيي الأمس، مع فارق ان الشعب الفلسطيني وقواه السياسية، لا تنخدع هذه المرة، وهو موجود على ارضه وعلى الخارطة السياسية الدولية.
خارج اطار وقوانين ومنظومة الأمم المتحدة وبتفرد مطلق من الولايات المتحدة، ينعقد مؤتمر وارسو، لكي يقرر المزيد من القرارات والإجراءات، التي تستكمل ما بدأته إدارة ترامب في اتجاه تصفية القضية الفلسطينية، وهذا هو جوهر وهدف المؤتمر أساساً.
الولايات المتحدة لم تتوقف عن العمل من اجل خنق الفلسطينيين منظمةً، وسلطات او فصائل، وشعباً، وهي اليوم تحاول ان تبني شراكات إقليمية ودولية، لمواصلة الطريق نحو فرض ما يسمى بالسلام الاقتصادي الذي دعا اليه بنيامين نتنياهو، ومن أجل تمكين إسرائيل من تنفيذ مخططاتها الإجرامية التوسعية على كل الأرض الفلسطينية.
المؤتمر يستهدف ايضا خلق شراكات، او حلف أميركي عربي ان لم تسمح الظروف لإسرائيل ان تكون في قلبه، فهي ستكون في قلب دوره، وربما تكون الأداة الأكثر فاعلية في تحقيق أهدافه، فضلاً عن ذلك تحاول الولايات المتحدة وإسرائيل التهويل بالخطر الإيراني، لضمان فتح صناديق المال العربي، لتمويل حروب بالوكالة، لا تدفع من اثمانها الولايات المتحدة دولاراً واحدا، بل وهي المستفيد من إثارة الحروب، من خلال صفقات السلاح التي تتدفق على المنطقة.
اللافت للنظر ان معظم الدول الكبرى الفاعلة، الأوروبية بالإضافة الى الصين وروسيا، تسجل اعتراضاً قوياً على انعقاد هذا المؤتمر المؤامرة، وربما يدفعها ذلك الى التحرك من الجهة المقابلة، الأمر الذي يعطي الفلسطينيين فرصة لتوسيع دائرة القوى ليس الرافضة فقط لمخرجات وارسو، وانما ايضا للإسهام في إفشال مخططاته واهدافه.
لعل ما ورد في حديث وزير الخارجية الروسي لافروف امام الفصائل العشرة التي التقت في موسكو، رسالة سياسية، هامة، ذلك ان من يرفض صفقة القرن والسياسة الأميركية عليه ان يكون جاهزاً، وبمقدار القوة الكافية.
أراد لافروف ان يقول بأن روسيا الى جانبكم وتحذر من خطورة السياسة الأميركية في المنطقة، ولكنكم لستم في افضل حال طالما انكم منقسمون على أنفسكم، وان لا روسيا ولا غيرها تستطيع ان تنوب عنكم فيما يخصكم ويخص مصالحكم القومية!
الكرة مرة أخرى في حضن الفلسطينيين، اذا أرادوا ان يقاوموا ويفشلوا صفقة القرن، لأن انقسامهم يعطي المبرر لآخرين لكي ينخرطوا في تنفيذ صفقة القرن او ان يتواطؤوا مع أسيادها، وفي احسن الأحوال، يمتنعون عن تقديم الدعم للفلسطينيين. الكل في موسكو، اعلن ان الأجواء إيجابية وان اللقاءات كسرت الجليد في العلاقة بين الفلسطينيين، وتتيح الفرصة لعودة الحوار من خلال الدور المصري، الجاهز لمعاودة نشاطه، ليس ثمة وقت لاستنزافه، فالخطر على القضية لم يعد على الأبواب وإنما يطرق الأبواب الداخلية بما فيها غرف النوم.
بقلم/ طلال عوكل