انتهى مؤتمر وارسو، وبدأت مرحلة ما بعد المؤتمر الذي لا يختلف كثيراً بأهدافه وأفكاره ومضمونه عن مؤتمر أنابولس، ولا يختلف عن مؤتمر شرم الشيخ، ومؤتمر العقبة، وخارطة الطريق، فكل تحرك أمريكي إسرائيلي مشترك لا يهدف إلا مصالح إسرائيل وأمنها، ولهذا كان عنوان مؤتمر وارسو "تعزيز السلام والاستقرار في الشرق الأوسط"
إن قصر تمثيل الدول العربية في مؤتمر وارسو على وزراء الخارجية لا يقلل من شأن المؤتمر، ولا يفقده أهدافه التي تعبر عن إرادة إسرائيلية خالصة، فمجرد عقد مثل هذا المؤتمر فيه تبرئة لإسرائيل من جرائمها بحق الشعب الفلسطيني، وفيه تجاهل للاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية، وفيه حرف للأنظار عن العدو الحقيقي لشعوب المنطقة إلى عدو افتراضي.
ما بعد مؤتمر وارسو سيتمثل بزيارة كل من جيسي جرينبلات وجارود كوشنير لخمس دول عربية نفطية، بهدف جمع عدة مليارات من الدولارات لتغطية صفقة القرن، التي ستبدأ بجمع الأموال بعد ان حظيت بالرضا الضمني في مؤتمر وارسو، ومن المؤكد أن هذه الأموال التي سيسيل لها لعاب البعض، هي أخطر على القضية الفلسطينية من مؤتمر وارسو نفسه، لأن مجرد الموافقة على جمع هذا المال دليل موافقة عربية مسبقة على صفقة القرن التي يجهلون تفاصيلها.
ما بعد مؤتمر وارسو لجمع الأموال العربية يهدف إلى تشويه العقلية العربية المعادية للاعتداءات الإسرائيلية، ويهدف إلى شراء الذمم الشخصية والعامة، لتمرير مسألتين هامتين، وهما:
أولاً: تنقية إسرائيل من العدوان، وتجاهل احتلالها للأراضي العربية، وتهيئة العقول التطبيع العلني معها، لأن مجرد لقاء وزراء خارجية تسع دول عربية مع نتانياهو في مؤتمر واحد هو بحد ذاته تطبيع زائف، وتعميم لسلام غير قائم، فكيف يعزز السلام والأمن في منطقة لا تشهد سلاماً للفلسطينيين، ولا تعيش أمناً إلا للإسرائيليين؟
ثانياً: تعزيز رؤية الإدارة الأمريكية لحل الصراع العربي الإسرائيلي، تلك الرؤية التي تؤكد على أن أي سلام يجب أن يقوم على معطيات الأمر الواقع، والأمر الواقع انهى قضية القدس واللاجئين واعترف بالاستيطان وألغى الحدود، ولا يأخذ بعين الاعتبار إلا أمن إسرائيل، مع توفير دعم اقتصادي ومالي لتخفيف معاناة الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة.
ضمن الرؤية السابقة، فإن عقد مؤتمر وارسوا لا يعكس التخبط الأمريكي كما يدعي البعض، ولا يعكس فشل السياسة الأمريكية كما يتمنى البعض، فنجاح السياسة الأمريكية مقترن بالحضور الإسرائيلي، وتأمين مصالح إسرائيل، وهذا ما تحقق بالفعل، والذي تمثل بظهور نتانياهو وكأنه ملك المؤتمر، وصاحب الكلمة العليا في المنطقة، والذي تحرص كل الأطراف على لقائه.
ملاحظة: لقاء نتانياهو أمنية تسعى إليها القيادة الفلسطينية أيضاً، وقد ابدت القيادة الفلسطينية استعدادها للقاء نتانياهو في أي مكان، وفي أي زمان، والصحيح أن تسعي القيادة الفلسطينية إلى لقاء أهل غزة ومقاومتها، كأول خطوة على طريق مواجهة صفقة القرن
د. فايز أبو شمالة