من الضروري إمتلاك الباحثين في مجال حقوق الإنسان لقراءة وفهم موحد لمفهوم التعذيب بالمعنى المقصود في اتفاقية مناهضة التعذيب وذلك بالاعتماد على نصوص الاتفاقية والتعليقات العامة الواردة عليها، الأمر الذي ينعكس بكل تأكيد على عملية الرصد والتوثيق والضغط والمناصرة المحلية والدولية، بهدف تحقيق الغرض العام للاتفاقية وهو القضاء على كافة أشكال العنف الذي تكون الدولة ممثلة بموظفيها الرسميين طرفاً به إما بارتكابها الفعل أو بموافقتها عليه أو بالسكوت عنه أو بالتحريض على ارتكابه حيث تعتبر بـأنها تمارس شكل من أشكال التعذيب وسوء المعاملة وغيره من ضروب المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة.
عتد قراءة تعريف التعذيب الوارد في الاتفاقية بشكل معمق نجد أنه مكثف ودقيق من حيث المعاني ومترابط العناصر بشكل غير متسلسل الأمر الذي يثير مجموعة من الأسئلة، أهمها هل أن التعريف الوارد بنص المادة الأولى واسع وشامل أو أنه عكس ذلك حيث أنه يمثل الحدود الدنيا التي لا يجوز تجاوزها، وما صحة الاعتقاد النمطي السائد بأن اقتراف جريمة التعذيب يكون فقط في داخل مراكز التوقيف والاحتجاز و كذلك أن القصد من ارتكاب جريمة التعذيب هو فقط الحصول على معلومة أو اعتراف، وأيضاً هل سكوت الدولة أو موافقتها عن اتخاذ الإجراءات المناسبة لإنهاء العنف القائم على التمييز في سياقات اجتماعية معينة يمكن اعتباره شكل من أشكال التعذيب أو سوء المعاملة، وما هي الإجراءات القانونية الواجب إتباعها من قبل الموظفين الرسمين لتفادي اقتراف جريمة التعذيب ، واخيرا ما هوالمعيار لتحديد الفرق بين التعذيب وسوء المعاملة للإجابة على هذه التساؤلات وغيرها في سياق العرض لا بد من استخراج العناصر الرئيسية للتعريف الواردة بنص المادة الأولى من اتفاقية مناهضة التعذيب للوصول لمفهوم التعذيب بالمعنى المقصود في الاتفاقية.
تنص المادة الأولى من اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة "لأغراض هذه الاتفاقية يقصد بالتعذيب أي عمل ينتج عنه ألم أو عذاب شديد، جسدياً كان أم عقلياً، يلحق عمداً بشخص ما بقصد الحصول من هذا الشخص، أو من شخص ثالث، على معلومات أو على اعتراف أو معاقبته على عمل ارتكبه أو يشتبه أنه ارتكبه، هو أو شخص ثالث أو تخويفه أو إرغامه هو أو أي شخص ثالث- أو عندما يلحق مثل هذا الألم أو العذاب لأي سبب يقوم على التميز أياً كان نوعه، أو يحرض عليه أو يوافق عليه أو يسكت عنه موظف رسمي أو أي شخص آخر يتصرف بصفته الرسمية ولا يتضمن ذلك الألم أو العذاب الناشئ فقط عن عقوبات قانونية أو الملازم لهذه العقوبات أو الذي يكون نتيجة عرضية لها".
- الجملة الافتتاحية للمادة الأولى من الاتفاقية "لأغراض هذه الاتفاقية يقصد بالتعذيب " قصد واضعي الاتفاقية منها أن تتبنّى الدولة بالحد الأدنى كل عناصر تعريف التعذيب المذكورة بنص المادة الأولى، وذلك من أجل فهم كيفية قيام الدولة بصياغة مشروع قانون لمناهضة التعذيب أو تجريمه في نص قانوني وفق المفهوم الذي تتضمنه المادة، حيث توصي لجنة مناهضة التعذيب في كل ملاحظاتها الختامية بأن تنص الدولة على جريمة التعذيب في قانونها الوطني على النحو المحدد في الاتفاقية وعلى شموله كافة العناصر الواردة في المادة الأولى من الاتفاقية، وأكدت اللجنة في تعليقها العام رقم (2) حول كيفية اتخاذ تدابير فعالة لمنع التعذيب على أنه يجب على الدول صياغة تشريعاتها الوطنية بما يتوافق كحد أدنى مع عناصر التعذيب المعرفة في المادة الأولى من الاتفاقية، وعلى الرغم من أن اللجنة ترى أنه على الدول الأطراف اعتماد تعريف مشابه لذلك الوارد في الاتفاقية إلا أنها تقر أيضاً بأنه يمكن للدول تقديم تعريف يوفر حماية أكبر ويعزز الهدف والغرض من الاتفاقية ألا وهو القضاء على كافة أشكال العنف في المجتمع الذي يمكن أن يكون للدولة وموظيفها الرسميين دور إيجابي في حدوثه أو سلبي في حال عدم اتخاذ الإجراءات المناسبة لوقفه[1].
- أي عمل ينتج عنه ألم أو عذاب شديد، جسدياً كان أم عقلياً يلحق عمداً بشخص ما، وهنا تمييز المادة بين شكلين من أشكال التعذيب وهما الجسدي والعقلي النفسي كما أنها اشترطت أن يتم إلحاقهما في الشخص بشكل متعمد، سواء قام بعمل ما أدى الى التعذيب عن قصد أو امتنع عن عمل كالامتناع عن تقديم العلاج أو الدواء مثلاً، مع أن مفهوم الامتناع عن عمل غير مدرج في تعريف التعذيب بنص المادة الأولى إلا أن لجنة مناهضة التعذيب ذكرت بموجب التعليق العام رقم (3) "على الدول الأطراف إجراء تحقيقات سريعة وفعالة ونزيهة كلما وجدت أسباب معقولة تدعو إلى الاعتقاد بأن عملاً من أعمال التعذيب قد ارتكب في أي من الأقاليم الخاضعة لولايتها القضائية نتيجة أفعالها أو امتناعها عن أفعال" [2]، والجدير ذكره أن درجة قياس الألم وخطورة التعذيب من الصعب وضع معايير موضوعية لها لكي يتم استخدامها كأداة لقياس درجة الخطورة، حيث أن تلبية الشرط القائل بأن يكون التعذيب شديداً يتم تفسيره على ضوء وقائع كل قضية على حدى مع الأخذ بعين الاعتبار خصوصيات الضحية والسياق الذي ارتكبت في إطاره هذه الأفعال [3].
- مرتكب الفعل التعذيب يجب أن يكون موظف رسمي أو متعاقد معه وهنا قصدت المادة إبراز النطاق الواسع لمفهوم الموظف الرسمي وأضافت المتعاقدين معه، فارتباط التعريف بموظفي الدول لا يعني أنه ينبغي فهم التعريف على أنه لا يغطي سوى الموظفين العمومين حيث "أوضحت لجنة مناهضة التعذيب أن تعريف المادة 1 واسع الإطار، وقد أعربت عن قلقلها من الحالات التي تعرف فيها الدولة الموظف الرسمي ضمن إطار ضيق للغاية، لذلك تشمل المادة (1) الإساءة التي ترتكبها جهات غير حكومية أو خاصة في حال عرف الموظفون العموميون بها أو كانت لديهم أسباب معقولة للاعتقاد بأن جهات غير حكومية أو خاصة ترتكب أعمال تعذيب وفشلوا في بذل العناية الواجبة لمنعها والتحقيق فيها ومقاضاة أو معاقبة تلك الجهات غير الحكومية أو الخاصة، فيعتبر الموظفون العموميون مسؤولين بالموافقة أو السكوت عن مثل هذه الأعمال غير المسموح بها" (2) [4]، وعلى الرغم من أن اللجنة تقر أيضاً بأنه على الدول الأطراف اعتماد تعريف مشابه للوارد في الاتفاقية إلا أنها تشجع الدول على تقديم تعريف يوفر حماية أكبر ويعزز الهدف والغرض من الاتفاقية[5].
- استثناء الألم أو العذاب الناشئ عن عقوبة قانونية أو الملازم لها أو يكون نتيجة عرضية لها تستبعد المادة الأولى من الاتفاقية بشكل صريح من التعريف الألم أو العذاب الناشئ فقط عن عقوبة قانونية أو الملازم لهذه العقوبه، أو الذي يكون نتيجة عرضية لها، حيث أن العقوبات القانونية هي أعمال تعتبر قانونية بموجب قانون الدولة والمعايير الدولية ذات العلاقة، أن هذا الاستبعاد المسموح به يشير إلى العقوبات التي تعتبر قانونية على النحو الذي تحدده المعايير الوطنية والدولية على حد سواء، ويجب أن تفسر تفسيراً ضيقاً فالتفسير الضيق للعقوبات القانونية يحمي الأشخاص المعرضين لخطر التعذيب وسوء المعاملة، من خلال التأكد من أن الأشخاص المحتجزين أو المحرومين من حريتهم يتعرضون فقط لعقوبات مشروعة، بمعنى أن الهدف من حرمان الأشخاص من حريتهم هو عقابهم على ارتكابهم فعلاً مخالفاً للقانون، وأن العقوبة يجب أن تكون صادرة من الجهات القضائية التي تقررها بموجب نصوص قانون العقوبات انسجاماً مع المعايير القانونية الدولية لضمانات المحاكمة العادلة، ومع فلسفة الإصلاح الجنائي وإعادة التأهيل التي تضمن بشكل دائم الحفاظ على كرامة الجانحين أو مخالفين القانون في كافة مراحل الدعوى العمومية وصولاً إلى تنفيذ الحكم وتأهيلهم وإعادة ادماجهم في المجتمع مرة أخرى، كما أن هذا الاستثناء بمفهوم المخالفة لقراءة النّص يستنبط منه أن التزام الموظفين الرسميين بنصوص القانون بشرط انسجامها مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان يجعلهم يتجنبون ارتكاب جريمة التعذيب، كما أن هذا الاستثناء يشكل المعيار لتفسير بعض أغراض التعذيب الأخرى مثل إيقاع العقوبة بشكل مباشر دون اللجوء الى الجهة المختصة بفرض العقوبة وهي القضاء.
- ارتكاب جريمة التعذيب له عدة مقاصد:
- الحصول على معلومة أو اعتراف من الشخص أو من شخص ثالث، وهذا الغرض الأكثر ارتباطاً بمفهوم التعذيب بأذهان الباحثين في مجال التعذيب، ويتضمن كل من حالة التعذيب الجسدي والنفسي أو كلاهما معاً، عندما تحدث عند تعذيب شخص بشكل مباشر من أجل الحصول على معلومة أو اعتراف أو تعذيب شخص ثالث من أجل الحصول على معلومات من شخص ثاني، مثلاً تعذيب الزوجة من أجل الحصول على معلومة من الزوج، والجدير بالذكر أن هذا الغرض للتعذيب مرتبط بالغالب الأعم بأماكن التحقيق والتوقيف لدى الأجهزة الأمنية والشرطية.
- العقاب على عمل ارتكبه شخص أو يشتبه بأنه ارتكبه
وهذا القصد من المقاصد المهمةلحدوث للتعذيب التي يسندها تفسير الاستثناء الوارد علىمفهوم الألم أو العذاب المصاحب للعقوبة القانونية، حيث أن هذا الغرض يجب أن يتم فهمه بشكل واضح وجلي، وذلك لغرض تبيان الحد الفاصل بين صلاحيات المكلفين بإنفاذ القانون ومهام القضاء باعتباره الجهة التي لها صلاحية الإدانة بارتكاب فعل مخالف للقانون وإيقاع العقوبة المنصوص عليها قانوناً، وهذا الغرض من أغراض التعذيب يستخدم بشكل كبير من قبل المكلفين في إنفاذ القانون في الحياة العملية وعلى سبيل المثال حالات التجمع السلمي، عندما تحدث اشتباكات بين المتظاهرين والمكلفين بإنفاذ القانون الذين يعملون على فض التجمعات السلمية باستخدام القوة، حيث يقع على عاتقهم التزام قانوني بمراعاة مدونة استعمال القوة والسلاح الناري والإعمال التدريجي لاستخدام القوة.
فعند اعتقال المكلفين بإنفاذ القانون لأحد الأشخاص المشاركين وتوثيق يداه وحرمانه من حريته ينتهي الدور المناط بهم قانوناً لهذا الحد، وعليهم عرض الشخص المحروم من حريته على القضاءالذي يوقع العقوبه عليه بالمقتضى القانوني فإذا تم الاعتداء عليه بالضرب بعد حرمانه من حريته يعتبر أن فعلهم هذا بقصد ايقاع العقوبة وهذا العمل يعتبر شكل من أشكال التعذيب.
كما يكفل الحق في الأمن الشخصي حماية الأفراد من تعمد إلحاق الأذى البدني أو الضرر العقلي بهم، بغض النظر عمّا إذا كان الضحية محتجزاً أو غير محتجز، حالة إلحاق الأذى البدني بشخص ما دون مبررات ويُلزِم الحق في الأمن الشخصي الدول الأطراف أيضاً باتخاذ تدابير مناسبة للتصدي إلى تهديدات القتل التي توجه إلى أشخاص في مجال العمل العام، وبشكل أعم اتخاذ تدابير لحماية الأفراد من المخاطر المتوقعة التي تهدد حياتهم أو سلامتهم البدنية من قبل أية أطراف فاعلة حكومية أو خاصة، وعلى الدول الأطراف التصدي بشكل ملائم لأنماط العنف الذي يمارس على فئات معينة من الضحايا مثل تخويف المدافعين عن حقوق الإنسان والصحفيين والانتقام من الشهود، والعنف ضد المرأة، بما في ذلك العنف العائلي، وترويض منتسبي التجنيد الإجباري في القوات المسلحة، والعنف ضد الأطفال، والعنف على أساس الميل الجنسي أو الهوية الجنسية، والعنف ضد الأشخاص ذوي الإعاقة وينبغي أيضاً أن تمنع الدول الأطراف الاستخدام غير المبرر للقوة في مجال إنفاذ القانون والتعويض عنه، وأن توفر الحماية لسكانها من الانتهاكات التي ترتكبها قوات الأمن الخاصة، والحماية من المخاطر الناجمة عن توافر الأسلحة النارية بشكل مفرط. ولا يعالج حق الفرد في الأمن الشخصي جميع مخاطر الصحة البدنية أو العقلية ولا يرتبط بالآثار الصحية غير المباشرة التي تلحق بمن يخضعون لإجراءات قانونية مدنية أو جنائية[6].
ج- تخويف الشخص أو إرغامه هو أو شخص ثالث
المتعارف عليه أن فلسفة تطبيق العقوبات الجزائية على المخالفين للقانون قائمة بشكل أساسي على حرمان الأشخاص المخالفين للقانون من حريتهم وهذا ما يسمى الردع الخاص الواقع على الشخص الذي يتحمل المسؤولية الشخصية الجزائية لمخالفته لقواعد القانون، وذلك لضمان عدم تكرار الجرم مرة أخرى وأيضاً بغية تحقيق الردع العام لنهي أي شخص آخر عن التفكير بمخالفة القانون، إلا أن قيام الموظفين الرسمين من تلقاء أنفسهم بمخالفة القانون وفلسفته وإقدامهم على تخويف الأشخاص أو إرغامهم على القيام بأفعال لا يرغبون بالقيام بها خارج نطاق الإجراءات القانونية يعتبر تعذيب بقصد التخويف ويمكن أن ينطبق هذا القصد على حالات الخطف بالزي المدني دون الإفصاح عن الجهة الأمنية وأيضاً يمكن أن ينطبق على اقتحام البيوت بساعات متأخرة من الليل طبعا إذا جرت لحالات لا تقتضيها الضرورة القصوى.
د-الألم أو العذاب لأي سبب من الأسباب يقوم على التمييز
يعتبر مبدأ عدم التمييز مبدأ أساسياً وعامّاً في حماية حقوق الإنسان وجوهرياً لتفسير اتفاقية مناهضة التعذيب وتطبيقها، ويندرج جانب عدم التمييز ضمن نطاق تعريف التعذيب بحد ذاته في الفقرة (1) من المادة (1) من الاتفاقية التي تحظر صراحة أفعالاً محددة تنفّذ لأي سبب من الأسباب يقوم على التمييز أياً كان نوعه "وتؤكد لجنة مناهضة التعذيب أن استخدام العنف أو الإيذاء النفسي أو البدني على نحو تمييزي هو عامل مهم في تحديد ما إذا كان الفعل يمثل تعذيباً[7]، ويؤكد المقرر الخاص المعني بمسألة التعذيب السيد أ.مينديس بتقريره المقدم لمجلس حقوق الإنسان "الحاجة إلى تطبيق اتفاقية مناهضة التعذيب تطبيقاً يشمل الجنسين وذلك أن الدمج الكامل للمنظور الجنساني في أي تحليل للتعذيب وإساءة المعاملة هو أمر في غاية الأهمية لضمان الاعتراف الكامل بالانتهاكات الناجمة أصلاً عن قواعد اجتماعية تمييزية تدور حول نوع الجنس والأمور الجنسية وضمان التصدي لهذه الانتهاكات ومعالجتها"[8].
- توسيع نطاق المسؤولية عن ارتكاب جريمة التعذيب
يتحمل المسؤولية الجزائية مرتكب الفعل أو المحرض عليه أو من يوافق عليه أو يسكت عنه، حيث أنه لا يمكن التذرع بوجود أوامر صادرة من جهات عليا بغرض التملص من المساءلة أو الهرب من المسؤولية الجنائية حيث ترى لجنة مناهضة التعذيب أنه من الضروري أن تجري النيابة العامة والسلطات القضائية المختصة تحقيقاً كاملاً في مسؤولية أي موظف من كبار الموظفين سواء عن التحريض أو التشجيع المباشر على التعذيب أو إساءة المعاملة أو الموافقة عليها أو السكوت عنها، فإذا عرفت سلطات الدولة أو الجهات الأخرى التي تتصرف بصفة رسمية أو تحت مظلة القانون بوجود موظفين غير حكومين أو أطراف فاعلة خاصة ترتكب أعمال التعذيب أو إساءة المعاملة، وكان لدى السلطات ما يدفع إلى الاعتقاد بارتكابها، وعجزت عن ممارسة العناية الواجبة لمنعهم والتحقيق معهم ومقاضاتهم بما يتفق وأحكام الاتفاقية، فإن الدولة تتحمل مسؤولية وينبغي اعتبار موظفيها مرتكبي هذه الأعمال غير المسموح بها أو متواطئين في ارتكابها أو مسؤولين بهذا الشكل أو ذاك بموجب الاتفاقية عن قبولها أو السكوت عنها، وقد طبقت اللجنة هذا المبدأ على الدول الأطراف التي تعجز عن منع العنف القائم على أساس الجنس كالاغتصاب، والعنف المنزلي، وتشويه الأعضاء التناسلية للإناث، والاتجار بالأشخاص[9].
- الفرق بين التعذيب وسوء المعاملة
المادة 16 من الاتفاقية: "تتعهد كل دولة طرف بأن تمنع في أي اقليم يخضع لولايتها القضائية حدوث أي أعمال أخرى من أعمال سوء المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة التي لا تصل إلى حد التعذيب كما حددته المادة 1 عندما يرتكب موظف عمومي أو شخص آخر يتصرف بصفة رسمية هذه الأعمال أو يحرض على ارتكابها، أو عندما تتم بموافقته أو بسكوته عليها. وتنطبق بوجه خاص الالتزامات الواردة في المواد (10،11،12،13)، وذلك بالاستعاضة عن الإشارة إلى التعذيب بالإشارة إلى غيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة".
اعتبرت لجنة مناهضة التعذيب أن الالتزام بمنع التعذيب يتسم بطابع واسع النطاق والالتزامات بمنع التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة (المشار إليها بعبارة "إساءة المعاملة") بموجب الفقرة (1) من المادة (16) هي التزامات غير قابلة للتجزئة ومتداخلة ومترابطة ويتداخل الالتزام بمنع إساءة المعاملة "بوجه خاص" على التدابير المبينة في المواد (10) إلى (13)، ولكنها لا تجعل المنع الفعال مقصوراً على هذه المواد، مثلما أوضحت اللجنة ذلك فيما يتعلق بالتعويض بموجب المادة (14) وعملياً الحد الفاصل بين مفهومي إساءة المعاملة والتعذيب يتسم في كثير من الأحيان بعدم الوضوح(يعتمد على القصد بإحداث الألم والعذاب)، إلا أن التجربة العملية تثبت أن الظروف التي تؤدي إلى سوء المعاملة تسهل التعذيب في كثير من الأحيان، لذلك يجب تطبيق التدابير اللازمة لمنع التعذيب من أجل منع إساءة المعاملة، وبناءً على ذلك اعتبرت اللجنة أن حظر إساءة المعاملة يشكل أيضا مبدأ غير قابل للتقييد بموجب الاتفاقية كما اعتبرت أن مكافحته تشكل تدبيراً فعالاً غير قابل للتقييد[10].
علاء البدارنة
المستشار القانوني لمركز الدفاع عن الحريات والحقوق المدنية "حريات"
- التعليق العام رقم (2) الصادر عن لجنة مناهضة التعذيب بتاريخ 24/ 1/ 2008 .( الفقرتان 8+9)
- التعليق العام رقم (3) الصادر عن لجنة مناهضة التعذيب بتاريخ 13/12/2012 فقرة 23
- المحكمة الأوروبية لحقوق الانسان ،ايرلندا ضد المملكة المتحدة ،(series A)5310>71 الحكم الصادر بتاريخ 18/1/1978
- التعليق العام رقم (2) الصادر عن لجنة مناهضة التعذيب بتاريخ 24/1/2018 فقرة 18
- نفس المرجع السابق فقرة 8
- التعليق العام رقم (35) المادة 9 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية حق الفرد في الآمان على شخصة الصادر عن اللجنة المعنية بحقوق الإنسان فقرة 9
- التعليق العام (2) الصادر عن لجنة مناهضة التعذيب بتاريخ 24/1/2008 فقرة 20
- تقرير المقرر الخاص المعني بمسألة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاانسانية أو المهينة المقدم لمجلس حقوق الإنسان بتاريخ 5/1/2016 فقرة 6
- التعليق العام رقم (2 ) الصادر عن لجنة مناهضة التعذيب بتاريخ 24/1/2008 فقرة 18
- نفس المرجع السابق فقرة 3