اليوم هو الثامن من آذار وكل ثامن من آذار يتنطح الجميع للحديث عن حقوق المرأة ومكانتها تبجيلا وتجميلا بلغة لا علاقة لها بأرض الواقع ولا بسلوك الواقع على الإطلاق فكل ما يعنينا من المرأة هي مكانتها السرية الموصدة الأبواب والمعتمة وخلاف ذلك فهو خطاب نجمل به رؤيتنا ونعمي عيون الآخرين عن حقيقتنا فلا المرأة أخذت شيئا ولا الرجل قادر على أن يمنحها شيئا حقيقيا حتى لو أراد فالذي يسيطر على عقولنا وسلوكنا ويقودنا على الطريق التي يريد هو من يملك القدرة المتواصلة على الوصول إلى عقولنا وسكب الحقيقة التي يراها وكأنها المطلق ويقف الإعلام المملوك من السادة الامبرياليين على رأس هؤلاء القادرين.
بين أنثى معلبة وإنسانة فاعلة تضيع الحقيقة على يد الرجل العربي الذي يعتقد زورا انه سيد الموقف وانه من يمنع أو يمنح المرأة حقها بالمشاركة الفاعلة في صناعة الثروة وملكيتها على قاعدة أن الإنتاج هو الأساس في صياغة الواقع من خلال العلاقة به فيما إذا كانت علاقة خدماتية أو علاقة صياغة وصناعة وفعل.
الثروة في الوطن العربي مسلوبة من أصحابها وهي لا علاقة لها بالفعل الإنساني في الأساس فكل ما يعتقده العرب أنهم الأغنى تملكا لثروات جوفية لا علاقة لهم بها ولم يصنعوها ولم يصوغوها وبالتالي فهم ليسوا أكثر من حراس ووسطاء بين أرضهم والغرباء الأقدر على تحويل هذه الثروة الى أداة فعل يحصل العربي منها على بدل وساطته او حراسته لا اكثر ولا اقل وبالتالي فان الحاجة المباشرة لتفعيل كل الطاقة الإنسانية غائبة او مغيبة ليس بإرادتنا ولكن بإرادة المستثمرين لبلادنا ولقدراتنا فنحن من يعمل ونحن من نقدم ثرواتنا لغيرنا ولا دور للغريب هنا إلا الإدارة والسيادة والنهب بلا مبرر إلا مبرر قبولنا بالدور الخدماتي الذي منحنا إياه اللص الغريب الذي قبلنا بوجوده على أرضنا ومنحناه صاغرين دور السيد الذي بات يشبه الى حد بعيد نفس دور السيد في زمن العبودية وقبلنا نحن بدور العبيد في علاقتنا بالمستعمر المستثمر بينما رحنا نحاول الهروب من هذا الدور في علاقتنا ببعضنا البعض ليصبح كل فرد منا ديكتاتور صغير في عالمه الأصغر وكان حظ النساء هو الأكثر سوءا من بين الجميع فالرجل الذي يدرك عبوديته غير المعلنة بات بحاجة لعبد آخر ليصنع من نفسه سيدا معلنا تورية لعبوديته المستترة أمام اللص الغريب.
هناك سيدان إذن في الوطن العربي سيد غريب مستعمر استبدلنا زورا صفته ليصبح مستثمرا بدل المستعمر واستبدلنا أسماءنا تجاهه لنصبح مساعدين بدل مناهضين ولخزينا من ذواتنا كان لا بد لنا من إيجاد عبيد يقبلون بنا كأسياد رغما عنهم فكانت المرأة هي الكائن الأقل حظا مرارا وتكرارا فهي عدو المستثمر الذي لا يريد لذاته زيادة الأيدي العاملة التي ستشاركه بحصته من ثروة بلادها ولا يريد لها أن تكون مكون أصيل من مكونات الفعل الشعبي حتى لا يجد نفسه أمام شعب حي موحد ويقظ ومدرك لحقوقه ومكانته واحتياجاته وهي أي المرأة عدو الرجل الذي يبحث عن عبد وبنفس الوقت هي ملاذ رجولته التي يحتاج لإثباتها معها وضدها فباتت كرامته التي يستطيع الذود عنها هي حرمة النساء " الحريم " كبديل ممكن لحرمة الوطن المسلوب وحرمة ثرواته المنهوبة بالتالي وجد الرجل العبد المهزوم حرمة كاذبة تخصه شخصيا ليدافع عنها تجاه ذاته ما دام غير قادر على مناهضة العدو اللص واستعادة مكانته الإنسانية في مصاف الأمم ليجد نفسه مثلا قادرا على القتل دفاعا عن شرفه الذي اختزله بجسد " أنثاه " بينما هو قاصر كليا عن الاحتجاج اللفظي أحيانا حتى ضد عدو يغتصب تنازل عن ملكيتها جبنا.
هناك من تنتفخ أوداجه ضد ظهور شعر امرأة إن هي أطلت من باب بيتها او ضد صوتها إن كلمت قريبا من الدرجة الثانية او ضد القبول بها رأيا وصوتا ومشاركة بينما لا تجد له صوتا على الإطلاق ضد كل أشكال الظلم والجرائم المرتكبة بحق بلده وناسه وأرضه ومستقبله ومكانته مختصرا كل شيء بما يمكنه الذود عنه تاركا ما لا يمكنه لغيره ينهبه كيفما يشاء ووقتما يشاء.
البعض اعتبر المرأة حرمته فصار لباسها وشعرها وجسدها هو كل موضوعه والبعض الأسوأ ممن انشغل بالرد عليه فكلاهما وقعا في نفس الحفرة منشغلين بنفس الموضوع مؤيدا او معارضا في حين أن لا احد ينشغل بمثل هذا النقاش في بلد مثل الهند او الصين او كل دول أوروبا وأمريكا ومع ذلك تتقدم الحياة وتتطور اقتصاديات هذه الدول والشعوب وإمكانياتها دون الاكتراث فيما إذا لبست المرأة الساري الوطني او " التي شيرت " الغربي فالأمر لا علاقة له أبدا بالفعل على الأرض ومن يقول أن الحجاب جريمة يمارس التعمية تماما كمن يعتقد أن خلع الحجاب جريمة ولا زال البعض يفعل ذلك مع أن عشرات الفتاوي الدينية قد أنهت مثل هذا الحوار معتبرة أن لا علاقة للدين بالحجاب ويكفي أن نرى أن هناك من يقاتل علنا في أوروبا لكي تحصل المرأة المسلمة على حقها بلباسها بما في ذلك الحجاب دون أن يعتقد بأي علاقة بين الحجاب والتخلف وبالتالي فان الانشغالات الموغلة بالجهل لدينا والتي تبعثر جهود وطاقات امة بأسرها في نقاش لا طائل منه ينبغي لها أن تتوحد لتناقش علاقة الأمة بالعلم وبالتقدم وبالحضارة الإنسانية وبات من الضروري أن نخرج بذواتنا الجماعية والفردية من قمقم الماضي والانحشار بالذات الميتة والغائبة الى فضاء الإنسانية الرحب ولنقبل بان كل ما صنعته الإنسانية هو ملك مطلق الحق به لكل البشر وان بإمكان العربي أن يتابع من حيث انتهى الصيني أو الياباني بخطواته الى الأمام والعكس صحيح.
إن الثورة بعمقها تعني الذهاب الى الأمام بكل المعاني والمضامين الايجابية للأمام هذا ونفض الغبار عن الذات الإنسانية في سبيل صياغة الغد وأي إمساك بالماضي او ارتهان به يعني بالمطلق انعدام القدرة على فعل الثورة لا على خطابها وهو ما يفعل العربي الغائب عن الفعل والمكتفي بخطاب الثورة اللفظي بعيدا عن استحقاقات هذه الثورة على الأرض والتي لا يمكن لها أن تكون ممكنة بتغييب نصف الشعب " المرأة " باعتبارهن مهمة النصف الثاني " الرجل " لكي يصبح لدينا نصف غائب ونصف اختزل نصف دوره في حماية جسد النصف المغيب او في انتهاك هذا الجسد بأنماط وأشكال مختلفة وبالتالي فلن يتبقى لدينا سوى ربع الطاقة للكل والموزعة بين خدمة المستعمر الذي بات مستثمرا ونهب ما يسقط من فتات من هذا المستثمر وتحنيط باقي الشعب ليقبل بلصوص اللصوص ممن اختاروا لأنفسهم مهمة تدمير الذات الجماعية لصالح الذات الفردية او الفئوية.
النصف الأكثر ظلما وتغييبا في الشرق العربي تحديدا هن النساء اللواتي يقع عليهن الظلم من الأعداء المختلفين مباشرة او بالوكالة فهي الأكثر ظلما من أعداء الوطن الذين يردون تغييب نصف قوة الشعب حتى لا يجدونها في مواجهتهم وهي الأكثر ظلما من عموم الرجال الذين باتوا يبحثون عن وطن كاذب لحمايته من عدو وهمي فوجدوا بالمرأة ضالتهم ليجعلوا منها ملكا خاصا قاصرا لانعدام قدرتهم على ملكية بلادهم وثرواتها كتعمية للذات عن الضعف التي تعيشه تجاه أعدائها الحقيقيين وقد نجد بثورة النساء في العالم العربي خطوة لفضح غياب الرجال ودعوة لاستنهاض وتوحيد طاقات الأمة بمكونيها الرجل والمرأة كبديل لقدرة طرف على تغييب طرف ومنعه من حقه بالمشاركة بالفعل قبل القول لتحرير الجموع عبر إجبار الطرف الخانع " الرجل " للاعتراف بعبوديته لأعداء الأمة حتى ندفعه للقبول بالمشاركه بتحريره طريقا لتحرير الوطن والشعب ومقدراتهما والانتقال الى الأمام بديلا عن التمسمر في الخلف بعباءات التراث والتاريخ والأصالة زورا.
بقلم/ عدنان الصباح