تشرفت اليوم الثلاثاء الموافق 12 آذار/ مارس 2019م بزيارة مَعلَم أثري وثقافي في مدينة (خان يونس)، وهي مدينة الشهداء والصمود، والتي أُطلق عليها (ستالينجراد) الشرق الأوسط منذ الخمسينيات وإلى ما بعد الستينيات من القرن العشرين، تقديراً للتضحيات الجمّة، والشهداء الذين رووا بدمائهم الزكية ثرى هذه المدينة الباسلة، وأعني بهذا المَعلَم (متحف العقاد)، والذي أشرف على إنشائه المثقف الوطني الغيور على تراث الوطن، وثقافة الأمة، وحضارة الإنسان (الأستاذ وليد العقاد)، فله كل الشكر وأسمى عبارات الاحترام والتقدير على رعايته لهذا المحفل الثقافي الحضاري الأثري، حيث استطاع المحافظة على هذا التراث من الاندثار، بالرغم من الامكانيات القليلة جداً متحملاً المصاعب والتكاليف، وما يزال يتحملها برغم الأوضاع الاقتصادية المتردية.
ولمّا كانت وسائل وآليات مواجهة الاحتلال من قِبل الشعوب المحتلة والمضطهدة متعددة الوسائل، فمن الطبيعي أن يكون لكل رائد في ميدان النضال سلاحه الموهوب وعبقريته التي حبته بها القدرة الإلهية، وإذا كان القلم سلاح الكاتب، والحق سلاح الوطني، والمنبر ميدان الخطيب، وفي ظروف كالتي نمر بها، والتي تظهر البون الشاسع في موازين القوى مع الاحتلال الإسرائيلي، تبقى الثقافة والتمسك بالتراث هي عنوان الحضارة للشعوب، وهي الأداة والسلاح والميدان الذي يجد فيه وليد العقاد مكانه إلى جانب الروّاد في المواقع الأخرى من هذه المواجهة الشاملة، حيث وجدت أمامي هذا الصرح يقف شاهداً على قوة حكاية التاريخ في فلسطين، وهي حكاية عربية حتى الأعماق تمتد من السطح حتى الأرض السابعة، التي لم تطمس ولم تتغير، ويقف شامخاً دالاً على قوة الإرادة وعلى بلوغ النصر.
وبهذه المناسبة، لا تزال ثمة رغبة ملحة أرجو أن تتحقق في العاجل القريب، فإني آمل أن يتيح المسئولون عن قطاع الثقافة والسياحة والآثار، وكل المعنيين بالأمر فرصة أكبر أن يسارعوا لمد يد العون والمساندة والدعم؛ لإقامة متحف خاص للأخ وليد العقاد يزخر بما جمعه من الآثار المحفوظة في بيته، وتسجيلها تسجيلاً منهجياً علمياً يحفظ هذا التراث الخالد، فهي شواهد تتيح للباحثين مجالاً فسيحاً، وتضع بين يديهم ثروة ضخمة من المعلومات الأكيدة على صدق الرواية الفلسطينية بكل مراحلها وتفاصيلها، وتعينهم على دراستها دراسة عميقة وافية، وتمكنهم من الاستقراء والاستنتاج؛ لإحداث حالة من التواصل مع الحضارة والتاريخ، قديمه بحديثه.
كل التحية لهذا المتحف الوطني، وللسيد وليد العقاد، وبالتأكيد ما دام فينا أمثال هذا الرجل، فالنصر - إن شاء الله – هو حليفنا، وعاشت فلسطين عربية حرة.
بقلم/ نعمان فيصل