على وقع اغلاق المسجد الأقصى بالأمس الثلاثاء كان نتنياهو يقول بأن اسرائيل لديها علاقات مع ست دول إسلامية مهمة لم تكن بينها وبين اسرائيل علاقات ...وكذلك قال " بأن هناك 22 دولة عربية ولا حاجة لدولة عربية اخرى"، و"اسرائيل" وطن قومي لليهود، ولا توجد فيها أية حقوق للأقليات الأخرى، والمقصود هنا شعبنا الفلسطيني.
اغلاق الأقصى بالأمس الثلاثاء، والقيام بعمليات اخلاء المصلين ورجال الدين والحراس منه، ومحاولة ترهيب المقدسيين من خلال شدة ووحشية القمع والتنكيل بحق المصلين والنساء والأطفال والشيوخ ورجال الدين، وكذلك الإعتداء على حرمة الأموات بمنع دخول جنازة مواطنة مقدسية للصلاة عليها في الأقصى، والإعتداء بشكل وحشي على ابنها محمد الجولاني، الذي استفزه منع جنود الإحتلال وشرطته لجنازة والدته من المرور والدخول للأقصى، كلها تؤشر بشكل واضح بأن ما جرى، هي عملية جس نبض لمعرفة رد فعل الحالة المقدسية على ما هو قادم، حيث المقدسيون لوحدهم في المواجهة المتواصلة والمستمرة مع عدو غاشم، في ظل حالة إنهيار رسمي عربي وذل وخنوع، وحالة تشظي وانقسام فلسطيني وصراع متعدد "لشلل" و"مافيات" على السلطة والمصالح والإمتيازات هنا وهناك.....المحتل صحيح تقترب موعد انتخاباته، وقد لا يقدم على عملية تصعيد واسعة الآن ولكن لن يسلم بفتح مصلى باب الرحمة وساحاته، معتقداً بان العربي الذي لا يخضع بالقوة، يخضع بالمزيد منها، وبأن " اشقاؤه" العرب المتورطين في صفقة القرن، صفعة العصر سيمارسون دورهم بالضغط على المقدسيين ومجلس الأوقاف الإسلامي للقبول بعدم استخدام باب الرحمة كمصلى، على ان يجري اغلاقه لفترة لتأكيد السيطرة والسيادة الإسرائيلية، ومن ثم يخضع لعمليات ترميم تطول، وباتالي يعاد افتتاحه كمقر للأوقاف او مكاتب .
الآن العرب دورهم الطلب من الفلسطينيين عدم الرد على كل ما تقوم به اسرائيل من عدوان وقمع وتنكيل بحق شعبنا الفلسطيني، ويسارعون فوراً للتدخل الى جانب اسرائيل، بالطلب من الفلسطينيين بعدم الرد.
بعد تركيبة الحكومة الإسرائيلية القادمة، والتي لا يختلف فيها نتنياهو مع غانتس ولا مع بينت ولا مع ليبرمان ولا مع لبيد، بأنه لا دولة فلسطينية ولا إنسحاب من القدس ولا عودة لللاجئين فإن الإحتلال سيقوم بعملية تصعيد واسعة ولن يتخلى عن خياراته لفرض التقسيم المكاني على الأقصى، فهذا مشروع جرى التخطيط له منذ القرار عام 2003 بإغلاق مقر لجنة التراث التي كانت تستخدم مصلى باب الرحمة، وقد جرى التمهيد أيضاً لهذا المخطط بالسيطرة على قسم من مقبرة باب الرحمة وتحويله الى مسارات تلمودية وحدائق توراتية، وعلى ان يجري فيه حفر قواعد خرسانية عميقة، لحمل أعمدة القطار الهوائي بطول 26 متراً للعامود الواحد، وهذه المنطقة الشرقية من المسجد الأقصى تؤمن تواصل جغرافي مع القصور الأموية وساحة حائط البراق، وبما تجعل عملية التقسيم المكاني امراً واقعاً، وتوفر موطىء قدم للجماعات التلمودية والتوراتية، لكي تنفذ المرحلة الثالثة من مخططها بهدم المسجد النبوي وإقامة الهيكل المزعوم مكانه.
نتنياهو يشعر بأن الحالة العربية قد " استوت" ولم يعد يقلقها لا فلسطين ولا القدس ولا الأقصى، ومشاهد ما حدث في مؤتمر وارسو، والتهافت العربي المذل على لقاء نتنياهو والتودد والتحبب اليه، لدرجة قيام وزير ما يسمى بخارجية اليمن خالد اليماني الذي جلس الى جانب نتنياهو، بإعارته ميكرفونه عندما تعطل ميكرفون نتنياهو ....تشرح الحالة العربية الرسمية المنهارة...ولكن رغم كل هذه الحالة العربية المنهارة ،فإن هناك قدر كبير بأن تنهض شعوب المنطقة من كبوتها لكي تتخلص من هذه الطغم الفاسدة والمفسدة والمرتجفة والخائفة.
القدس شهدت منذ هبة الفتى الشهيد ابو خضير تموز/2014 ،هبات شعبية متلاحقة كانت ترتفع حيناً وتخبو حيناً إرتباطاً بشدة حالة القمع وسلسلة الإجراءات والممارسات العقابية التي كان ينفذها المحتل بحق المقدسيين والمقدسات وفي مقدمتها الأقصى، ولعل أشدها، كانت هبة البوابات الإلكترونية على بوابات الأقصى في تموز /2017،والتي سجل فيها المقدسيون بوحدتهم بكل مكوناتهم ومركباتهم الوطنية السياسية والدينية والمجتمعية والشعبية، وبدعم وإسناد كبير من اهلنا وشعبنا في الداخل الفلسطيني- 48 - وبكتلتهم البشرية الكبيرة وبسجاجيد صلواتهم المقاومة، وصلواتهم في كل ساحات القدس وحول بوابات الأقصى نصراً مستحقاً على اعتى آلة حربية في المنطقة.
في هبة باب الرحمة والتصدي لمشروع التقسيم المكاني، هناك عدة اطراف، تتشارك في المسؤولية والقرار، وكل طرف يحاول ان يفرض شروطه وقراره، أو تجر محاولات لكي يكون هناك صيغة توفيقية، همها بالأساس ان لا تذهب الأمور نحو تصعيد يصعب السيطرة عليه، ولذلك اسرائيل هناك القوى والجمعيات التلمودية والتوراتية (إئتلاف جماعات الهيكل)، وحواضنها في المستويات العليا السياسة والأمنية والقضائية والتشريعية، ترى بأنه لا يمكن بالمطلق التخلي عن مشروع التقسيم المكاني، وما تقبل به كحل مرحلي، هو ان لا يستخدم مصلى باب الرحمة وساحاته كمصلى، والأردن ومجلس الأوقاف ومعهما السلطة الفلسطينية، ترى بان أي موافقة على أي حل يتجاوز الحالة الشعبية، والتي هي العامل والحاسم والمقرر في هذا الشأن، قد يدخلها في صراع وإتهامات بالتواطؤ مع دولة الإحتلال، ولذلك هي تبحث عن حل لا يحرجها او يدعها في دائرة الشك والإتهام، وبالمقابل هي لا تريد ان تتطور الأمور الى تصعيد، قد يفقدها السيطرة على دفة الأمور، ويمتد حريق الأقصى الى ما هو ابعد من هبة مقدسية لتطال كل مساحة فلسطين التاريخية ،والعديد من الدول المحيطة بفلسطين تحديداً الأردن ولبنان.
الوضع في القدس وإرتباطاً بما يسمى بصفقة القرن، والتي يجري وضع اللمسات الأخيرة عليها، والمستهدف جزء منها، تصفية قضية القدس وتدويل قضية المقدسات الإسلامية، او وضعها تحت اشراف ثلاثي أردني- فلسطيني- اسرائيلي مفتوح على كل الإحتمالات، ولكن الحلقة المقدسية ونواتها الشعبية عصية على الكسر، فقد اختبرت وجربت في الميدان في اكثر من معركة وهبة، وهي "تفولذت" وتصلبت في الميدان، وبالتالي أية حلول او مقترحات لحل ازمة باب الرحمة لن تفلح في تجاوزها.
بقلم: راسم عبيدات
القدس المحتلة – فلسطين
13/3/2019
بقلم: راسم عبيدات