لكل من هب ودب الحق بان يجعل من غزة بوابته لأغراضه أيا كانت تلك الأغراض فغزة المحاصرة والمعتمة والجائعة والمهدمة تعيش حالات الآخرين وتنتظر عطايا الآخرين خبزا وقنابل دون أن يرف جفن احد على هذه الأرض وهي تعاني من الضفة وغيابها عنها وتعاني من قطر التي تترك الباب مواربا لعطاياها لكي تجد إسرائيل طريقا للدخول إلى بيوت غزة المهدمة من خلالها فتشترط شروطها على رأس كل شهر عن كيفية دخول الأموال وكيفية توزيعها ومن سيدفع ومن سيراقب الدفع وأين سيدفع ولكل إجابة على كل سؤال ثمن يدفعه الغزيين جوعا ودما مسفوكا بلا رحمة احد.
الملايين القطرية الشهرية تصل إلى الغزيين بمعدل مائة دولار للعائلة الواحدة وهي بالتأكيد لا تكاد تسد رمق أيا من أطفال لك العائلة ناهيك عن حجم الاهانة التي تمارس بحق تلك العائلات كل شهر وهم يسعون للحصول على المائة دولار تلك تارة من اليد وأخرى من البنك وثالثة من البريد ولا احد يدري كيف سيتفتق عقل الاحتلال غدا في الدفعة القادمة عن موعد وصولها وموعد صرفها وشكل ذاك الصرف الذي لا يهدف لشيء أبدا إلا لتركيع غزة وأهلها أمام صلف العالم وظلمه عبر جرائم إسرائيل المتواصلة والمسكوت عنها من قبل الجميع بلا استثناء وفي المقدمة امة العرب.
حكومة الوفاق غادرت أو تكاد دون أن تجعل من اسمها أمرا ممكنا او حتى غير ممجوج بعد ان قرف الفلسطينيون من حكاية الوحدة والوفاق وإعادة اللحمة وحرمة الدم والحرص على الشعب والوطن والقضية وبالتأكيد ليس غائبا عن ذهن احد في غزة او في الضفة عمق الهوة القائمة ليس بين غزة والضفة ولا بين فلسطين والعرب ولا بين مكانة فلسطين وقضيتها أمس واليوم.
لم تعد الوحدة الوطنية أولوية المواطن الفلسطيني في الضفة التي دخلت بوابة الجوع منذ بداية هذا الشهر وحصل في الضفة ان رأينا موظفا يضرب الصراف الآلي كما كانت الصورة تتكرر على صرافات البنوك في غزة وبات قسط البنك والتزامات الشهر شبح مخيف يقف على عتبات بيوت الموظفين العموميين في الضفة الغربية والذين لا يدرون ان كانوا سيصلوا إلى مرحلة يصبح شبح الجوع المخيف وانتظار شنطة سفير قطر ليحصلوا على ثمن الخبز الحاف وبالتالي صارت أجندة غزة الغزاوية والتي تحمل احتياجات الماء والخبز والسفر والأمن بعيدة كل البعد عن أجندة شعب كانت أولوياته القدس والتحرير والعودة والدولة الوطنية وكذا تدق نفس الأجندة بوابات الضفة ليصبح لنا أجندة ضفاوية أخرى تحمل نفس العناوين بعيدا عن كل ما يمت لتلك القضية التي عشناها في الأيام الغابرة موحدين كشعب ووطن فلا قضايا الجليل تشبه قضايا غزة ولا قضيا غزة تشبه قضايا اللاجئين في مخيمات اللجوء التي يتم تفريغها او إلغاء صفتها وتشتيت أهلها بعيدا عن صفتهم الوطنية ولا جنسيتهم فمن هجر من العراق لم يعد يذكرهم احد ومن هجر من سوريا وليبيا لم يذكر كفلسطيني بل كلاجيء سوري في بقاع الأرض وكذا سيكون حال الغزيين الذين ما ان يفتح باب معبر رفح حتى يخرج من لا ينوي العودة.
اليوم تطالعك على صفحات التواصل الاجتماعي وبشكل ملفت للنظر إعلانات عن فرص شراء الشقق والبيوت بأسعار مغرية في تركيا وبضمان الحكومة التركية وبما يؤهل المشتري للحصول على الجنسية التركية واضح ان هذه الإعلانات موجههة للمواطن الفلسطيني وكذا إعلانات عن تسهيل شراء البيوت في دول أخرى ودعوات للخريجين لتقديم طلبات للعمل او التدريب في الولايات المتحدة كالإعلان الموجه لخريجي الحاسوب الذي يرغبون في التدرب في الولايات المتحدة مقابل دخل لا يقل عن 80 الف دولار سنويا وهو رقم فلكي لمن لا يجد ثمنا للخبز, ويصمت الجميع عن ذلك فلا احد يفعل شيئا ولا حتى يتساءل عن الهدف من ذلك ولم يوجه احد سؤال واحد للحكومة التركية عن الهدف من التشجيع المفاجئ للفلسطيني للحصول على الجنسية التركية ويبدو ان لا احد معني بنشر حقائق عن الهجرة الصامتة وخصوصا من قطاع غزة وقد نشرت صحف الاحتلال " يديعوت احرونوت " ان 36000 فلسطيني غادروا من معبر رفح في الفترة الواقعة ما بين أيار وأيلول 2018 ولم يعد منهم سوى 17000 بينما غادر القطاع 82 طبيبا ولم يعودوا رغم ان الحقائق المسكوت عنها في هذا اخطر بكثير وهي في الضفة كما في غزة ناهيك عن الأعداد المخيفة لمن يتقدموا بطلب الحصول على فيزا لعديد دول العالم وفي المقدمة طبعا الولايات المتحدة ويجري تضييق الخناق على الفلسطيني فمن يريد الخروج من غزة عليه ان يدفع 1500 دولار فقط ليجري وضع اسمه على قائمة الانتظار ومن يريد الحصول على تصريح عمل من الضفة في الداخل المحتل عليه ان يدفع ما يقارب نصف راتبه ليجد الفلسطيني نفسه رويدا رويدا بلا خيار سوى خيار تطليق الوطن.
لم نعد كلنا في الهم شرق ولا عرب ولا فلسطينيين حتى ... فالعربي الذي قاتل في حروب ومعارك وثورات الشعب الفلسطيني واستشهد وجرح من اجل فلسطين بات اليوم وسيطا بين الشعب الفلسطيني ودولة الاحتلال أو مزودا بالخبز من البوابة الإسرائيلية أو صامت منشغل بما اشغلوه به من هموم وأوجاع خاصة والفلسطينيين أنفسهم باتوا يمسكون بأجندات خاصة جهوية وحزبية وفئوية وحتى شخصية فلم يعد شريان الدم الواحد قادر على الصمود في وجه خصوصيات حكايات الجليل مع جبل النار مع رمال غزة مع أشباه الخيام في مخيمات لبنان مع أطلال مخيم اليرموك وكل هؤلاء تغيب القدس عنهم إلا بالأغاني التي لا يدري احد متى سيخمد الجوع والحاجة والفرقة صداها, والسؤال المدوي الذي لا يريد احد سماعه هو " هل سنجد أنفسنا يوما وبأيدينا أمام إمارات ودويلات لا احد منها يحمل اسم فلسطين ".
هذا الشهر آذار 2019 وصلت المساعدة القطرية إلى غزة بعد كل أشكال التفاوض وأنواع الاشتراط الاحتلالي في منتصف الشهر وحصل الموظفين العموميين على بقايا البقايا لنصف الراتب في منتصف الشهر بل إن البعض من الموظفين لم يصلهم من رواتبهم شيئا على الإطلاق بعد أن حصلت البنوك على مستحقاتها من القروض وشتى أنواع الاستدانة التي لا تنتهي من حياة الموظف البسيط على الإطلاق, ولا احد سيدري كيف سيتم تدبير أمور رواتب شهر نيسان 2019 في الضفة ولا متى وبأية شروط ستصل المنحة القطرية إلى غزة ولا احد سيدري من سيوزع وكيف سيوزع أموال المقاصة بين غزة والضفة أو بين الخيل وجنين إن ظل هذا حالنا لا قدر الله بعد أن ذهبنا إلى الأمم المتحدة نشكو إسرائيل لقرصنة أموال المقاصة وقد نجد غدا في أروقة عصابة أمريكا المسماة الأمم المتحدة من يسال لمن يجب دفع هذه الأموال والفلسطينيين منقسمين على حالهم ويعلم الجميع أن مجلس الأمن فشل في إصدار أي بيان أو قرار أو إشارة حول الموضوع.
بقلم/ عدنان الصباح