الكيان المأزوم !

بقلم: رامي الغف

الحديث عن السلام والإستقرار والأمن الذي يصورة الساسة والعسكر في إسرائيل، يخفي في طياته حقائق دامغة تكفي لإدانة تاريخ إسرائيل السياسي والعسكري بأكمله وتقديمها لمحاكم دولية، فالتاريخ الإسرائيلي متصل من الهمجية والعدوان والحروب ومعاداة الفلسطيني وإضطهاده وتحكيم منطق القوة للبشر والاغتصاب للأرض بدلاً من منطق الحوار والتفاهم والتعايش السلمي جنبا الى جنب.

فإسرائيل قتلت الآلاف من المدنيين الفلسطينيين العزل ودمرت منازلهم التي تأويهم واقتلعت الثمر الذي يعتاشون منه وشردتهم عن منازلهم واستولت على املاكهم، وإختارت إسرائيل ومنذ تسليم اول رئيس وزراء فيها بن غوريون أهم البرامج العقائدية لتحقيق الأهداف الصهيونية وتنفيذ برامجها التوسعية في فلسطين وفرض الإستيطان كأمر واقعي على كامل التراب الفلسطيني، فعمدت على إرتكاب الإعتداءات والمجازر المنظمة من قبل عصاباتها بالتعاون مع جيشها المدجج بأعتى انواع الاسلحة ضد أهالي القرى والمدن الفلسطينية العزل لترحيلهم وتشريدهم من أراضيهم التى ولدوا عليها، لذلك جاءت عبارة بن غوريون الشهيرة التي قال فيها، إن الوضع في فلسطين سيسوى بالقوة العسكرية، وهذا أكبر دليل على بربرية إسرائيل وجنرالتهم وقيادتهم.

لذلك فإن أي حكومة اسرائيلة جديدة يجلبها الناخب الإسرائيلي منذ تأسيس ما يسمى بالكيان الصهيوني، تعني ببساطة قيام حكومة دكتاتورية العسكر الاسرائيلية، رموزها القيادية من جنرالات الحرب الذين تشبعوا بروح المغامرة والانتقام، فرئيس الوزراء الاسرائيلي الحالي نتنياهو لم يصعد الى سدة الحكم في هذا الكيان المأزوم بخبرتة السياسية بل على سيرتة الذاتية المحملة على تاريخ المجازر الدموية والتي كان آخرها المجاز التي ارتكبها جيشة البربري ضد شعبنا في قطاع غزة.

لذلك نرى ان رؤساء حكومات اسرائيل الأموات منهم والأحياء زيفوا وما زالوا يزيفون الحقائق من فرط المساحيق الدعائية لتحجب الرؤية عن المجتمع الإسرائيلي، إذ يستغل هؤلاء الجنرالات ابتداءا منبن غوريون وموشي دايان وغولدا مائير مرورا بشامير ورابين وبيريس وليس إنتهاءا بشارون وبراك واولمرت ونتنياهو، وهم يستغلون الضعف الرئيسي في المجتمع الاسرائيلي التي يسمونها بالعبرية بيتاحون اى الامن، تلك الدائرة المغلقة التقليدية هي التي استطاع بواستطها نتنياهو وغيره من نظراءه السابقين الدخول الى مكتب رئيس وزراء الكيان الاسرائيلي بعد ان لفظتهم مجريات وتطورات الصراع الفلسطيني الإسرائيلي كأشخاص موتورين تغلب على سلوكهم النزعة العسكرية المغامرة.

وهنا لابد من التذكير ان رئيس الوزراء السابق أيهود ألمرت كان امتطى صهوة الأمن، لنسف عملية السلام من جذورها، فبإسم الحفاظ على أمن المستوطنات أطلق للجيش والمستوطنين باطلاق النار على شعبنا الأعزل، وتدمير منازلهم وممتلكاتهم والاستيلاء على آلاف الدونمات الزراعية، ملغيا بذلك عشر سنوات من عمر عملية السلام التي انتهت بلا مواربة الى طريق مسدود بصعود نتنياهو على رأس المستوى السياسي الاسرائيلي.

ان الانجاز الوحيد الذي حققة نتنياهو وغيره في كل مسيرتهم السياسية الفاشلة هو تحويل المواجهة السياسية بين الفلسطينيين والاسرائيليين الى ساحة مواجهة عسكرية بعد ان استباح الدم الفلسطيني بصورة مرعبة اذ اسفرت الحرب التى شنها على غزة إلى أكثر من ألفي شهيد وجريح وتدمير مئات الآلاف من البيوت والمصانع والمزارع.

وهذه النتيجة ليست إلا المقدمة التي أعدها نتنياهو بغية نسف إتفاقية أوسلو بكل مقوماتها ليجهز على ما تبقى من قيمة معنوية لعملية السلام، وهنا تبدو لعبه تبادل الادوار بين أبناء المؤسسة السياسية والعسكرية اكثر وضوحا بعد كشف المؤامرة التي خطط لها اولمرت ونتنياهو ومن قبلهم بيرس وباراك وشارون بعناية والتي تستهدف قلب الطاولة واستبدال شعار الارض مقابل السلام، بالأمن مقابل السلام، اذا فالخطر يتصاعد في ظل إغلاق جنرالات إسرائيل بوابة الأمل بتنكرهم الواضح لكل ما توصل اليه الجانبان الفلسطيني والاسرائيلي.

إن ما يجري داخل الكيان الصهيوني حاليا مثير للقلق حول مستقبل المنطقة برمتها لأن هذا الكيان المسخ يعيش في حالة طوارئ أمنية على امتداد سبعون عاما مضت، وهو حتى الآن بلا حدود معلنة ولا هوية ولا مبادئ ثابتة، اذ اعترف زعيم المستوطنين الاول شارون بأن إستيطان غزة كان امرا خاطئا كلفت الشعبين عشرات بل آلاف القتلى والجرحى، وهذا يدلل على عدم وصول الزعامات الإسرائيلية إلى مرحلة الإدراك السياسي الحقيقى.

ومن المثير حقا ان الأحزب الاسرائيلية هي في الحقيقة أحزاب رمادية تشبة شوربة الخضار متعددة الألوان، يستطيع المواطن الاسرائيلي أن يجد فيه شعارا عن السلام والأمن ولكن مع وقف التنفيذ، هكذا تكون كل الشعارات التي تضعها كل الأحزاب الاسرائيلية مع بدأ الإنتخابات الاسرائيلية السابقة، ولن تكون اللاحقة بأفضل منها إلا إذا برهنت الولايات المتحدة الامريكية على قدرتها الحاسمة على فرض السلام في ظل الإعتماد الإسرائيلي المطلق على أمريكا إقتصاديا وعسكريا، لأن إسرائيل لا تتراجع أبدا عن مواقفها المتصلبة إلا بعد إراقة الدماء.

ان الأمر الذي يثير السخرية حقا إن الرئيس المريكي دونالد ترامب يحاول أن يلائم خططه وسياساته الخاطئة في منطقة الشرق الاوسط على معايير فهم القيادات الإسرائيلية وتصوراتها لحسم الصراع، ولهذا يمكننا القول أن ترامب لن يجبر القيادة السرائيلية أيا كان لونها الحزبي على دفع إستحقاقات السلام العادل والشامل في المنطقة، متلهيا بأرجوحة ما يسمية مكافحة الارهاب، وذلك بصورة مقصودة للقفز عن المحرك الأساس لكل أعمال العنف في منطقة الشرق الاوسط وهو الكيان الصهيوني بالتحديد.

وهذا التجاهل الأمريكي قد يسعر المنطقة في المستقبل، ويبدو أن الرئيس الامريكي ترامب واركان البيت الأبيض لا يرون الواقع الا بعين واحدة بعد ان دك الشعب الفلسطيني في الحروب الاخيرة علية ومزقت الجرافات خارطة الطريق التي وضعها سلفة اوباما وسقط الاف الشهداء والجرحى من شعبنا، وهذه بحد ذاته كافي لرفع وتيرة الكراهية مما يذخر الأجيال القادمة بالطاقة اللازمة لإستمرار الصراع الدموي بين الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي.

 

بقلم/ رامي الغف