في ظاهر الأمر نجحنا، وحصلنا على قرار من مجلس حقوق الإنسان يدين الانتهاكات الإسرائيلية ضد سكان قطاع غزة، ويصفها بجرائم حرب، ولكن في الحقيقة فشلنا، ويكفي أن تدقق في الأرقام لتدرك حجم الفشل الذي ينتظرنا في المواجهات الدبلوماسية القادمة مع إسرائيل.
فقد صوت إلى جانب فلسطين في مجلس حقوق الإنسان 23 دولة فقط، بينما امتنع عن التصويت 15 دولة، واعترض على القرار الذي يدين إسرائيل 8 دول، وهذا أمر خطير جداً، في قضية يسطع فيها الدم الفلسطيني على السياج الحدودي على مرأى الجميع، إذا كيف لا يصوت نصف الدول إلى جانب الحق الفلسطيني البائن؟!
إن التصويت الضعيف لصالح القضية الفلسطينية في مجلس حقوق الإنسان لا يصب لصالح القضية بشكل عام، ولاسيما ان الحديث هنا عن المجلس الذي انسحبت منه مندوبة أمريكا نيكي هيلي قبل عام، ووصفته بانه "بالوعة تحيز سياسي"، هذا المجلس المتهم بالتحيز لصالح فلسطين، بدأت تضيق مساحة فعله على القضية الفلسطينية، فمن المسؤول عن ذلك؟ وهل المشكلة في وزارة الخارجية ونشاط السفارات فقط أم المشكلة في السياسة الفلسطينية نفسها؟ أم أن المشكلة في الانقسام، وعدم الاصطفاف الفلسطيني خلف موقف موحد؟ أم هي قوة الأكذوبة التي يقدمها أعداء الشعب الفلسطيني، وضعف الحضور العربي وما حل بساحته من تمزيق؟
مهما تكن الأسباب، فإن السياسية الفلسطينية تغرق في بحور الخذلان، يجب أن نعترف بهذه الحقيقة، ولا نكابر، السياسة الفلسطينية تفقد وهجها، وتنطفئ، ولم يبق منها على سطح الحضور والتأثير إلا أنفها الذي يستنشق البقاء الدبلوماسي الخجول والهزيل، والممثل بالسفارات في تلك الدول، وهذا ما أظهره من قبل تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة على قرار اعتبار حركة حماس حركة إرهابية، إذ جاءت نتائج التصويت بشكل قريب من تصويت مجلس حقوق الإنسان، وللتذكير؛ فقد صوت إلى جانب القرار الفلسطيني 87 دولة، بينما عارضه 58 دولة، وامتنع عن التصويت 32 دولة، وهذا يعني أن الدول التي مع القرار أقل من 50%، وهذه النسبة نجاح دبلوماسي لإسرائيل، وخسارة معنوية للفلسطينيين، في أوساط الجمعية العامة للأمم المتحدة، والتي دأبت على التصويت لصالح القضية الفلسطينية بأغلبية بائنة، ويكفي هنا الإشارة إلى تصويت الجمعية العامة بأغلبية 72 صوتاً مع القرار الذي يصف الصهيونية بالعنصرية قبل أربعين عاماً، مقابل 35 ضد القرار.
كانت المفاجأة قبل يومين حين صويت الاتحاد الأوروبي لأول مرة ضد البند السابع في مجلس حقوق الإنسان الذي يطالب إسرائيل بالانسحاب من الأراضي المحتلة، ويشجب الممارسات العدوانية ضد المدنيين، ويطالب بتطبيق القانون الدولي على الأراضي المحتلة، هذا التصويت الأوروبي مؤشر خطير، يستدعي المناقشة والدراسة وإعادة النظر بالسياسة الفلسطينية بشكل عام، وقراءة الواقع بموضوعية، واتخاذ ما يلزم من قراراتـ ترفع من شأن القضية الفلسطينية بين الأمم، وتعالج الأخطاء على كافة المستويات، ودون ذلك، سنجد أنفسنا بعد سنوات نحن الفلسطينيين المطرودين من أرضنا، والمعذبين بالرصاص الإسرائيلي، سنجد أنفسنا متهمين بجرائم حرب ضد السامية، ومتهمين بكل ما لحق باليهود من اضطهاد في أوروبا، وما لحق بهم من تعب ومعاناة جراء ضغطهم على زناد البندقية التي قتلت الأطفال الفلسطينيين.
د. فايز أبو شمالة