منذ الغزوة الصهيونية الأولى لفلسطين وحتى اليوم، والصراع مع الاحتلال الإسرائيلي محتدم ومستمر بكافة الأشكال وعلى كافة الصعد والمستويات وعنوانه الرئيس وجوهره الأرض، تلك الأرض التي سعت الحركة الصهيونية الى الإستيلاء عليها وطرد أهلها وسكانها الأصليين بالقوة، من اجل إحلال المستوطنين مكانهم، في محاولة لإقتلاعهم ونفي وجودهم وحقهم في أرضهم، وضمن هذه الحرب هدمت اكثر من 531 بلدة وقرية فلسطينية، وشرد أغلب الشعب الفلسطيني الى خارج وطنه، ليعيش حياة بؤس وشقاء مفتقرة لأدنى شروط الحياة الإنسانية في الدول العربية المجاورة، في جريمة مستمرة حتى اليوم، لم ينصف فيها هذا العالم الظالم شعبنا، بل ناصر جلاده عليه، ويريد منه أن يرفع راية الإستسلام، وان يتخلى عن حقوقه وفي المقدمة منها حقه في العودة الى دياره التي طرد وشرد منها، وفق القرار الأممي (194).
الاحتلال في سبيل تحقيق أهدافه وغاياته، إستخدم ويستخدم كل الطرق والأساليب المشروعة وغير المشروعة من البلطجة والزعرنة وقوانين الطوارئ وأملاك الغائبين وتجنيد القضاء والقانون وتطويعه لهذا الهدف، هدف الاستيلاء على الأرض، وقوننة سلب الأراضي الفلسطينية كانت وما زالت تمر بواسطة قانونين أساسيين، قانون أملاك الغائبين عام 1953 وبموجبه حولت إسرائيل لحوزتها بشكل رسمي وقانوني جميع أملاك اللاجئين الفلسطينيين الذين هجروا إلى الدول العربية المجاورة، وقانون استملاك الأراضي 1953 ( قانون الحرام) بموجبه صودرت غالبية أراضي القرى المهجرة من مالكها الفلسطينيين بما فيهم المهجرين الداخليين.
والإحتلال ذهب الى أبعد من ذلك في إطار التصفية لقضية اللاجئين والإستيلاء على أراضي أبناء شعبنا المهجرين، حيث شرعت ما يسمى دائرة أراضي إسرائيل في عام /2007 بنشر مناقصات لبيع أملاك اللاجئين في المدن، واستتبع ذلك في شهر آب/2009 سن البرلمان الإسرائيلي قانون الإصلاحات في دائرة أراضي إسرائيل، القانون يسمح بخصخصة أراضي بملكية الدولة تقدر ب800000 دونم ( أراضي مبنية ومعدة للتطوير بناءً على المخططات الهيكلية) وذلك يشمل أملاك لاجئين فلسطينيين، وهذا القانون يسري المفعول في المستوطنات الإسرائيلية في القدس الشرقية والجولان المحتل، وبيع الأملاك يشكل، فعلياً، مصادرة نهائية لحقوق الملكية الخاصة باللاجئين الفلسطينيين على أملاكهم.
هم شعبنا واحد، ومصير شعبنا واحد، وتطلعات وأهداف شعبنا واحدة، وإن اختلفت الأولويات، وكذلك الاستهداف واحد فبالقدر الذي تستهدف فيه حيفا ويافا واللد والرملة والمثلث وعرابة وسخنين والعراقيب، بالقدر الذي تستهدف فيه القدس ونابلس والخليل وغزة والشيخ جراح وسلوان وجبل المكبر وكل بقعة من بقاع أرضنا الفلسطينية، فهذا عدو يبني وجوده ومشروعه على استباحة ومصادرة أرض الغير ونفي وجوده، ولكن شعبنا يعي جيداً حقيقة أهداف المشروع الصهيوني، وهو مصمم على البقاء والإنغراس والتجذر والصمود في وعلى أرضه والدفاع عنها باستماتة، فجذوره ضاربة وراسخة في أعماق هذه الأرض كامتدادات ورسوخ أشجار الزيتون، وهي ممتدة لأكثر من خمسة ألاف عام، ولن تجدي معه لا أساليب الترهيب ولا التخويف ولا البطش ولا البلطجة ولا الزعرنة ولا المقولات والأساطير التوراتية والتلمودية من طراز “شعب بلا أرض وأرض بلا شعب”وسيبقى يدق ويقلق مضاجع الإسرائيليين في منامهم وأحلامهم، وكوابيساً تلاحقهم في الصحو والنوم.
شعبنا الفلسطيني هب في يوم الأرض الخالد في الثلاثين من اذار عام 1976 للدفاع عن أرضه، وكل مكونات بقاءه ووجوده، في مواجهة مخططات المتطرف العنصري "أرييه كنج" لتهويد الجليل، حيث سعى الى مصادرة (21) ألف دونم من أراضي عرابه وسخنين ودير حنا وعرب السواعد، وليكن رد شعبنا بهبة شعبية شاملة على طول جغرافيا فلسطين المحتلة عام 48، هبة عمد فيها شعبنا دفاعه عن أرضة بالدماء والتضحيات، حيث سقط ستة شهداء من أبناء شعبنا في هذا اليوم الخالد، وجرح واعتقل المئات، وكان يوم الأرض الخالد رسالة للمحتل، بأنه لن ينجح في تطويع شعبنا وحمله على التخلي عن أرضه، او التشرد في نكبة جديدة.
منذ يوم الأرض الخالد وحتى هذا اليوم والمحتل يعاند حقائق التاريخ والصراع، وهو يعمل ليل نهار من اجل تثبيت مشروعه الصهيوني ويرفض أي مصالحة تاريخية، بل ما يريده النفي والإقصاء لهذا الشعب، فنحن نشهد حالة من "التغول" و"التوحش" غير المسبوقة على أرض وحقوق ووجود شعبنا الفلسطيني، فمخططات التهويد في الجليل مستمرة، ومحاولات الترحيل القسري كذلك مستمرة، حيث قانون أساس القومية الصهيوني،والذي يشرعن التطهير العرقي والسيطرة على الأرض ،ومشروع تهويد النقب، مشروع المتطرف "برافر"، يطل برأسه من جديد، بعد أن تصدى شعبنا لهذا المخطط التهويدي ولجم تنفيذه، فنحن نشهد عمليات طرد وتهجير هناك، وإقتلاع لقرى فلسطينية وجودها سابق لوجود دولة الاحتلال، فقرية "العراقيب" هدمت للمرة (139)، وكذلك قرية "ام الحيران"، وهذا الخطر يتهدد أكثر من أربعين قرية فلسطينية هناك.
أما في القدس والضفة الغربية، فنشهد أيضاً "تسونامي" استيطاني، يبتلع القدس،حيث يعمل الاحتلال على التوظيف السياسي لقرار المتطرف ترامب بالإعتراف بالقدس عاصمة لدولة الإحتلال، ويريد الإجهاز عليها بشكل نهائي، مشاريع استيطانية في كل بقعة من بقاعها، وحتى في قلب أحيائها العربية، من أجل تحويل سكانها العرب المقدسيين الى جزر متناثرة في محيط إسرائيلي واسع، وفي الضفة الغربية، يتم إقامة دولة للمستوطنين، تمنع أي انسحاب او هدم لمستوطناتهم في المستقبل، ضمن مشروع قبر حل الدولتين، ودفع الفلسطينيين لتقديم تنازلات جديدة، ضمن مسار سياسي جديد يفرض عليهم الموافقة على الحلول المؤقتة، والحال في القطاع المحاصر، لا يختلف كثيراً عن حال بقية الوطن، فالحصار مستمر ومتواصل والمعابر رهينة بيد المحتل، وعجلة الإعمار لم تدر بشكل جدي وحقيقي، ومعظم الشعب هناك في ظل بطالة وفقر مدقعين، يعتاش على الإعانات والمساعدات الخارجية.
نعم في ذكرى يوم الأرض الخالد، والذي تستباح فيه الأرض الفلسطينية، ويجري نهبها ومصادرتها والاستيلاء عليها من قبل الحكومة الإسرائيلية ومستوطنيها، فلا بد من وضع استراتيجيات وخطط وبرامج وآليات تنفيذية تمكن من الدفاع عن الأرض وحمايتها، واستخدام كل وسائل المقاومة بكل أشكالها ومسمياتها بدءاً من رفض استئناف المفاوضات العبثية، وربط أي عودة إليها بالوقف الكامل والشامل للاستيطان في القدس والضفة الغربية، وتطبيق القرار الأممي (2334)، وكذلك تصعيد النضال الجماهيري والشعبي، كما هو الحال في مقاومة جدار الفصل العنصري، حيث بلعين ونعلين والمعصرة وام سلمة والولجة وجبل الريسان في رأس كركر ومسافر يطا والأغوار وبيت امر وغيرها ضربت أروع الأمثلة في المقاومة الشعبية، والتي يجب أن تتطور وتتوسع لتشمل كل قرى ومدن فلسطين، فما عاد الشجب والاستنكار والبيان والمهرجان والاحتفال من الوسائل الفعالة في مقاومة وردع ووقف "غول" الاستيطان، هذا "الغول" الذي يبتلع كل شيء له علاقة بالوطن، لا استجداء بالمفاوضات يوقفه ولا الاستجداء على أبواب هيئة الأمم والبيت البيض وعواصم أوروبا الغربية أيضاً، وكذلك ليس بالخطب العصماء والشعارات الرنانة و”الهوبرات” الإعلامية والتصوير أمام الكاميرات وفي الفضائيات، بل ما يوقفه هو وحدتنا وإنهاء انقسامنا ونضال جاد وحقيقي، وخطوة عملية قي هذا الجانب أفضل من مليون شعار.
بقلم/ راسم عبيدات