بوادر ربيع عربي أصيل في الجزائر والسودان وفلسطين

بقلم: طلال الشريف

قبل ثورة البوعزيزي في تونس  بسنوات عديدة كان جيلنا في نهاية عقده الخامس شاهدا على حالة التراجع العربي، وكان جيلنا يطمح في تغيير  شامل في الثقافة والسياسة ونظام الحكم المتشابه في اللا ديمقراطية والقمع والفساد، وغابت روح الثورية الناصرية  الوحدوية، وحلت القطرية مكان الوحدة العربية، ولم يفلح صدام حسين والقذافي بأزماتهم الداخلية المتعددة والمشابهة لأنظمة الحكم الأخري في التصدي لقوى الإستعمار الخارجي والذي حاولوا فيه وراثة وحدوية عبد الناصر وإبقاء راية الوحدة العربية مرفوعة وإغتالتهم قوى الشر في منتصف الطريق ودمرت بلادهم.


أن يتوحد العرب ولو قليلا نحو قضاياهم المصيرية على الأقل القضية المركزية "فلسطين"  وإستمرت كل الأنظمة العربية على المستوى الديمقراطي  تقلص مساحة الحريات وتزيد القبضة البوليسية على مجتمعاتها على إمتداد  الوطن العربي كله وتراجعت مواقفها في مواجهة إسرائيل.


كانت حرب السادس من أكتوبر  هي آخر نبضة وحدوية عربية تجاه الصراع مع إسرائيل، وقامت ثورة الخمينية في إيران في العام ١٩٧٩ حيث كانت للشخصيات ذات التوجه الإسلامي دور بارز ووجود كبير في هذه الثورة المضادة للحكم الملكي والتي سماها الخميني ب"الثورة الإسلامية". بالإضافة إلى الإسلام السياسي أو الإسلاموية، شاركت أيديولوجيات مختلفة في هذه الثورة، مثل الاشتراكية والليبرالية والقومية. 

الثورة الإسلامية في إيران، كانت أول ثورة أدت بالإسلام السياسي والأصولية إلي الانتصار في المنطقة.


في المقابل  في بولندا عام 1989م بدأت الأحداث  والاحتجاجات واستكملت مسيرتها في المجر و‌ألمانيا الشرقية وبلغاريا وتشيكوسلافاكيا و‌رومانيا. كان التوسع في حملات المقاومة المدنية يعد إحدى المميزات السائدة لتلك التطورات والتي تظهر المعارضة الشعبية لاستمرار حكم الحزب الواحد والمساهمة في الضغط من أجل التغيير.

 كانت رومانيا هي الدولة الوحيدة في الكتلة الشرقية التي أطاحت بالنظام الشيوعي إطاحة لا سلمية.


في ساحة تيانانمن في الصين أخفقت المظاهرات  في تحفيز التغيرات السياسية الرئيسة في الصين. إضافة إلى ذلك ساعدت الصور القوية التي أظهرت الاستماتة في الدفاع أثناء تلك الاحتجاجات في إثارة الأحداث في العديد من البقاع الأخرى من العالم. 


كان سقوط جدار برلين عام 1990م، من بين الثورات الأشهر المعادية للشيوعية، وهو الأمر الذي يمثل البداية الرمزية لإعادة توحيد ألمانيا عام 1990م.


 ومع إنهيار المنظومة الاشتراكية وتفكك مركزها الإتحاد السوفيتي، وكثير من دول أوروبا الشرقية 

على الصعيد الدولي مَثّل تفكك الاتحاد السوفيتي نهايةالحرب الباردة. حيث ساعدت ثورات عام 1989 إضافة إلى تفكك الاتحاد إلى نهاية العداء المستمر منذ عقود بين منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) وحلف وارسو، والذي كان السمة المميزة للحرب الباردة.


في الوطن العربي بعد إنتصار الرأسمالية أصبح  حالة إقتصادية وسياسية خاصة بدون ملامح لا هو إشتراكي كما كان يغلب على  أنظمته الاقتصادية والسياسية، ولا هو رأسمالي بالمعنى الأقتصادي رغم تبعية البعض لمركز الرأسمالية سياسيا،  والحديث في الإقتصاد يختلف عن السياسة فأصل العولمة هو مركزة رأس المال وأصل الاشتراكية أو حتى الشيوعية هي امتلاك الدولة لوسائل الانتاج  أي مركزة رأس المال لكن لجهة الدولة فقط وليس للشركات والطبقات.

حدثت وتعمقت "المحسوبية" والمحسوبية بمفهومها الواسع  هي  تواطؤ الحكام و المسؤولون الحكوميون ونخب رجال الأعمال ليعودوا بالنفع على أنفسهم بطرق من شأنها أن تكون مستحيلة إذا اقتُصرَت على صفقات تجاريّة. ويقوّض التواطؤ كلاً من الديمقراطيّة في الحكومة والمنافسة في مجال الأعمال التجاريّة، وبالتالي فإنّ له آثاراً ضارة على المستويين، قصير الأجل وطويله وزيادة أزمات الشعوب.

في الوطن العربي وبالتحديد في العام ٢٠١١ ودون مقدمات، بمعنى أولا غياب (( حامل أصيل منظم وذو قوة مؤثرة  للثورة))،  فسرقت الثورةالمنتظرة أو الرببع المنتظر،  والحديث هنا عن مركز الوطن العربي القاهرة، وكان هذا هو السبب الأول لسرقة الثورة من قبل الإخوان المسلمين الجماعة الأكثر تنظيما على الأرض في حينها، والموجودة أصلا من قبل الثورة بعقود طويلة، والتي لم تستجب الجماهير لطروحاتها مثلها تماما  عدم إستحابة الجمهور المصري للشيوعيين واليساريين والوطنيين والليبراليين والرأسماليين،  وكافة الأحزاب السابقة على تلك الثورة أو الرببع العربي، رغم مشاركة قوى عديدة شبابية جديدة كانت تظهر على الساحة المصرية ولكنها لم تمتن بنيانها التنظيمي ولم تكرس ثقافة التغيير ونهج الديمقراطية والسعي للإستيلاء أو حتى إستلام الحكم في بلد كبير مثل مصر ولذلك كان الداعون للتغيير وخروج الجماهير لا يملكون قوة  التنظيم القادر على حكم البلد، فوجدها الإخوان فرصة لركوب موجة الاحتحاجات والمظاهرات الشعبية الداعية للتغيير، وظهر لاحقا بأن هناك فوى تدعم هذه الجماعة للسيطرة على الحكم وانتظر الجماهير والجيش مدة عام تحت حكم الاخوان  الذين فشلوا في كسب ود الجمهور، وفشلوا في ادارة البلاد، وظهرت إستئصاليتهم وتفردهم في الحكم ومحاولات تغيير وأخونة الدولة، فإنقضت عليهم الجماهيرة الثائرة في ٣٠  يونية ٢٠١٣ وخولت الجيش لإدارة الحكم والإعداد لإنتخابات عامة ورئاسية، واستقرت بعدها الحالة العامة في مصر حتى الآن.


في منظوري لم تكن الثورات العربية هنا، وهناك،  تعبر عن فريق أو حركة أو حزب طليعي يقود، ويمهد، ويفرش أرضية ويعد البيئة الثقافيةوالمجتمعية والسياسية للثورة، ولذلك دخلت كل بلاد هذه الحراكات التي سميت خطأ بالثورة في فوضى حتي اليوم رغم وجود بيئة كاملة من دواعي الثورة وتوفر الأسباب للتغيير في الوطن العربي، ودليل ذلك الأوضح كان أن ثورة ٢٥ يناير كانت مسروقة هو أن من تصفي في نهائي الانتخابات الرئاسية في حينها أن يتنافس الرئيسي الإخواني المعزول محمد مرسي والفريق أحمد شفيق، والأول هو من جماعة الإخوان والثاني هو من النظام السابق، أي ثبت في لحظتها  أن لا صاحب فعلا للثورة ليحافظ عليها لصالح الساعين للتغيير .. 


ولأن السبب الحقيقي من وجهة نظري لهذا الربيع الخريفي السريع هي روافع العولمة  التي عجلت في خروح الناس للشارع وهي العوامة التي توحش فيها رأس المال فتضاعف الفقر والبطالة والأمراض الاجتماعية والسياسبة والاقتصادية فخرجت الوحوش المحاصرة من الفقراء والمقموعين من الجماهير للشارع وهو سبب ذو تأثير  سلبي  للعولمة على الجماهير حيث زاد معاناتها ومشاكلها الاقتصادية  فأخرجها للشارع بطريقة أقوى، وهناك سبب ايجابي من ركائز العولمة أيضا أفاد حركة الجمهور وتواصلاته الاجتماعية والسياسة وهو الانترنت والاعلام الجديد  المبني على الثورو الرقمية وهذا قد ساعد في نزول. الجماهير بشكل كبير غير مسبوق للشارع وبشكل أسرع. 


الآن السودان والجزائر، وموضوع السودان  المؤجل بمحاولات النظام في القمع الشديد واعتقال المعارضة  ولكن الثورة هناك مستمرة ، وهناك ما يغلي تحت السطح، وستنطلق ثورات الربيع الحقيقي في لحظة واحدة هذه المرة في دول لم تعد تصلح أنظمة الحكم فيها لهذا الواقع وهذا الزمان ولهذه الشعوب التي تنهض من تحت الرماد.


 إنظروا لربيع الجزائر وكيف يدار وبطريقة حضارية يتم التغيير رغم بعض التجاوزات من قمع لبعض الإحتجاجات التي منعت فعلا بوتفليقة من الترشح، وكان لهم ذلك النصر، الان على شعب الجزائر الانتباه والحفاظ على ربيعه من أي سرقة سواء من الإسلامويون أو العسكريين وستكون تجربة الجزائر هي قائدة للربيع الحقيقي الذي تأخر وانتظره الجمهور العربي مائة عام،  ستتلوها فلسطين بوضعها الحزبي المتفجر على خلفية حراكات الشعب الفلسطيني ضد المحتل وضد الطغم الحاكمة التي لم تعد تناسب الواقع لتخرج شعبها وقضيتها من مؤامرة التصفية التي تزحف بين ثناياها منذ الإنقسام والحروب والعدوان المتكرر والمعاناة  الداخلية التي فاقت الحروب،وهذا العقاب الجماعي والفقر  وقمع الحريات  من الإحتلال ومن حكام غزة ورام الله.


الصورة القادمة لرببع عربي حقيقي بدأ بتحقيق نصرا على قوى رجعية في الجزائر وينتقل الآن للسودان وفلسطين لتغيير النظام وبدء مرحلة جديدة.


د. طلال الشريف