قبل ستة أسابيع ونيف خرج الشعب الجزائري إلى الشوارع والميادين في تظاهرات ومسيرات سلمية ، تطالب الرئيس بوتفليقة بعد الترشح لولاية خامسة ، وشيئًا فشيئًا ارتفع سقف المطالب الشعبية وصولًا إلى تنحي بوتفليقة ورحيل رموز الفساد التي عرفها شعب الجزائر لأكثر من عقدين من الزمن .
ما حدث ويحدث في الجزائر هو لحظة فارقة في مستقبل الدولة الجزائرية المنظور، لاستكمال مشروع بناء الدولة المدنية الحديثة ، دولة المواطنة والحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية .
وفي خضم الاحداث المتلاحقة التي لعب فيها الشعب الجزائري المحرك والدينامو الأساس ، بات الجميع يدرك ان خلفه كان لاعبًا آخر قاد إلى استقالة بوتفليقة ، هو المؤسسة العسكرية الجزائرية ، ممثلة بالجيش . وهذا التحول في الاستراتيجية العسكرية لما كان ليحدث لولا سياسة بوتفليقة المنهجية ، التي اتبعها ومارسها في قص أجنحة الصقور في المؤسسة الامنية .
ومن نافلة القول ، أن احتجاجات الجزائريين الوطنية الحاشدة وحراك جموع شعب المليون شهيد ، واصرارهم على مطالبهم وشعاراتهم العادلة ، هو الذي أحدث التغيير في سياسة الحكم في البلاد ، وقاد إلى استقالة الرئيس بوتفليقة ، ورفضهم أي تدخل أجنبي في شؤونهم الداخلية .
الجزائريون الذي ذاقوا الويلات جراء الانقسام والحرب الأهلية ، التي اجتاحت فيها القوى السلفية التكفيرية المسلحة مختلف المناطق الجزائرية ، عرفوا كيف يمنعون حدوث أي شرخ داخلي ، تتسلل فيه قوى واطراف خارجية مشبوهة ، فاعتمدوا وسلكوا نهج السلمية والنضال الشعبي المدني الموحد ، راية أساسية لتحقيق مطالبهم وهدف احتجاجاتهم المظفرة .
الضمانة الوحيدة لانتصار الجزائريين في ثورتهم الثانية لتحقيق الغايات والاهداف المشروعة وانبعاث الجمهورية الجزائرية الثانية ، وبناء دولة المواطنة والحرية والعدالة ، تكمن في قدرة الشعب الجزائري العظيم ، ومن خلفه المؤسسة العسكرية الامنية ، في استنهاض الهمم ، ومواصلة التظاهرات السلمية ، وصيانة وحدته الوطنية ، لحين موعد الانتخابات القادمة للسلطة التشريعية والتنفيذية للدولة الجزائرية .
وإننا لعل ثقة تامة أن شعب الجزائر ، الذي قدم ّ نموذجًا فريدًا في الكفاح والتضحيات من اجل الحرية المنشودة ، قادر على المضي بخطى واثقة في دروب الاستقرار والازدهار والرخاء ، وصناعة النموذج الحضاري للدولة المدنية الحضارية ، وعاشت الجزائر وشعبها .
بقلم/ شاكر فريد حسن