يخجل الإنسان من أن يسترسل في الحديث بشمولية عن الانتخابات الإسرائيلية، بينما يفتقد الشعب الفلسطيني مكانة ودور صناديق الاقتراع لسبب استمرار الانقسام الفلسطيني، الذي يعترف كل الفلسطينيين أنه يشكل ذخراً استراتيجياً لإسرائيل.
المشهد مخجل أكثر حين نقارن ما جرى في الدولة العنصرية والعدوانية وبين ما يجري في عديد البلدان العربية التي لا تزال فيها الأنظمة السياسية محكومة للعقلية القبلية التي تبقي الحالة العربية عند حواف الصحراء، وتجعل الفوارق هائلة بينها وبين المستوى الذي أحرزته البشرية على طريق التطور والتقدم.
بالتأكيد فإن مشهد الانتخابات الإسرائيلية، التي تميزت بالشفافية، وغياب الشكاوى الحقيقية من الانتهاكات، لا يمكن أن يغطي أو يبرر الوجه القبيح للصهيونية، وإسرائيل التي تختار طوعاً أن تتخذ لنفسها هوية عنصرية، يستند إلى إرهاب الدولة، وإقصاء الآخر، ورفض التعامل مع القيم التي ارتضاها المجتمع الدولي بعد الحرب العالمية الثانية.
مسموح لنتنياهو أن يصنف التنافس الانتخابي على أنه بين يمين ويسار، والبعض يتحدث عن يمين ووسط ويسار، ولكن من غير المسموح، ومن الخطأ، أن يجاري البعض هذا التصنيف للمشهد السياسي والحزبي في دولة الاحتلال.
في الحقيقة فإن التنافس يجري بين أطراف اليمين حتى لو كانت هناك اختلافات ثانوية، يحتاج المرء إلى كثير من التوقف لملاحظة هذه الاختلافات.
في خطاب بني غانتس الانتخابي لم يرد ولا مرة، حديث عن رؤية الدولتين، أو عن عملية السلام، وما كان واضحاً في أحاديثه وتصريحاته المقتضبة هو اتفاقه مع بقية أطراف اليمين حول عدم التنازل عن أربعة ملفات أساسية وهي: القدس، واللاجئين، والمستوطنات والسيادة على غور الأردن. إذا صنّفنا حزب العمل، بشكل مجازي على أنه يسار وهو لا يمت لليسار بصلة، فإن اليسار في إسرائيل قد حصل على عشرة مقاعد موزعة بين العمل وميرتس. هذا يعني أن اليسار لا يتجاوز نسبة الـ 10% من المجتمع الإسرائيلي باستثناء العرب. إذاً فإن الانتخابات بمحصلتها تعكس انزياح الأغلبية الساحقة في المجتمع الإسرائيلي نحو اليمين بغض النظر عن تصنيفاته كيمين علماني أو ديني. هذه المحصلة تعتبر طبيعية جداً، بالنظر لطبيعة تكوين المجتمع الإسرائيلي، والمخططات الصهيونية، بما أن الأمر كله يتعلق باستعمار استيطاني، إحلالي وعدواني وتوسعي. الجديد الذي يصفه البعض بالوسط أو اليسار، الذي يتزعمه الجنرالات الملطّخة أياديهم أكثر من غيرهم بالدم الفلسطيني، هو أن هذه الكتلة، أحرزت هذا العدد الكبير من المقاعد في الكنيست رغم أنها لم تظهر إلاّ قبل أشهر قليلة من موعد الانتخابات.
لكن إسرائيل شهدت من قبل ظهور مثل هذه التكتلات، التي لم تكن تصمد لأكثر من دورة أو دورتين، أمام التشكيلات الحزبية، المتماسكة التي يقف الليكود على رأسها، ويشكل عمودها الفقري بعد أن تراجع الدور والمكانة التاريخية لحزب العمل.
المشكلة في هذا المشهد هو تراجع التمثيل العربي في الكنيست من ثلاثة عشر مقعداً في الدورة السابقة إلى عشرة مقاعد في الدورة الحالية. أما السبب وراء ذلك فهو معروف تماماً ويتمثل بالانقسام الذي أدى إلى تشكيل قائمتين، ما أدى إلى تنشيط الدعوات وسط الجمهور العربي لمقاطعة الانتخابات وأثر على نحو واضح في تراجع نسبة المصوتين من العرب. والسؤال هو: لماذا يقع أشقاؤنا في هذا المحظور بالرغم من رفضهم للانقسام الفلسطيني، ومحاولاتهم لرأب الصدع، أم انه فيروس يتوارثه العرب؟ لم يكن ثمة أي مبرر لذلك الانقسام طالما أن الكل تقريبا متفق على ضرورة خوض هذه الانتخابات، ولو كان الأمر يتعلق بموقف المقاطعة من قبل الجماهير الفلسطينية في مناطق 1948، لكان ذلك سيتم في سياق نضالي مختلف، وبمبررات أقوى من التبرير الذي تقدم لتفسير حالة الانقسام.
في المحصلة هذه هي نتائج الانتخابات الإسرائيلية، وهذا هو المشهد الذي يتشكل عبر صناديق الاقتراع، ما يعني أن نتنياهو سيظل هو الذي يدير السياسة الإسرائيلية بتحالفات يمينية أقل وزناً من الكتل التي تحالف معها عند تشكيل الحكومة السابقة.
وفي الحقيقة فإن نتنياهو قاد إسرائيل خلال الفترة الطويلة التي ترأس فيها الحكومة الإسرائيلية، نحو تحقيق الكثير من الإنجازات الاستراتيجية، التي تجعله قائد المرحلة الثانية من المخطط الصهيوني، الذي بدأ بتشكيل وإقامة دولة إسرائيل عام 1948.
لا جديد للفلسطينيين أن يفعلوه غير ما كانوا يفعلونه ويتوقعونه، من حكومة إسرائيل قبل الانتخابات، فلقد حصل نتنياهو والليكود على تفويض من أغلبية المجتمع الإسرائيلي لمتابعة السياسة التي أدارها منذ أن تولى السلطة عام 1996. إذا كانت الوجهة السياسية لإسرائيل قد أصبحت واضحة بالتواصل مع تواصل أدوات الحكم، فإن سؤال الوضوح يذهب إلى الفلسطينيين، الذين عليهم أن يحددوا ويجددوا أدوات مواجهتهم للتحديات المقبلة التي تلخصها «صفقة القرن».
بقلم/ طلال عوكل