المرأة التي في زاوية الحانة

بقلم: عطاالله شاهين

لم يرَ وجهها جيدا عندما جلسّ في الحانة، بسببِ الأضواء الخافتة.. كانت تجلسُ في زاويةِ الحانة مرتدية معطفها الأبيض. تحت الضوءِ الأحمر رأى شعرها القصير، والمصبوغ بلون غريب، لم يكن مناسبا لوجهها الدائري.. كانت تجلس على أريكة من جلدٍ أسوْدٍ وتنظر أحيانا إلى المرتادين.. صوت الموسقا بدا هادئا، أعطى جوّا من الراحة.. كانت تنادي النّادلَ كلما انتهتْ من إفراغِ كأس الجنون.. بدا له بأنها امرأة تُحِبّ الحياة.. ظلّ جالسا أمام السّاقي يتناول مشروبه الخفيف من كوكتيلِ الفواكه الغريبة ..

بعد مرور أكثر من ساعةٍ، راحت المرأةُ تحاسب السّاقي.. كانتْ تترنح لحظتها، لكنها ظلّتْ متماسكةً.. لم تنتبه له، كان يشربُ الكوكتيل بكلّ هدوء.. لم ينظر إليها هو الآخر.. عدّ السّاقي النّقود بسرعةٍ، وقال: كل شيء تمام، نظرَ السّاقي إلى الرّجُل، الذي كان يتلذذ بشربِ الكوكتيل، وقال له: هلا ساعدت المرأة إنها متعبة. أرجو منكَ أن تسندها حتى تؤمنها بتاكسي، هزّ رأسه بعدما انتهى من شرب كوكتيله الرائع، ومسكَ بيدي المرأة، وسارا سوية، وخرجا من باب الحانة، فنظرت إليه: وقالت له: من أنت؟ فردّ عليها: ليس مهمّا، صمتتْ المرأة، ثم قالت له: أتدري هذه أول مرة أشعر بها بتعبٍ، رغم أنني معتادةٌ على الجلوسِ هنا في تلك الزاوية، لأنني أُحِبّ ديكورها الغريب..

كانتْ عيني المرأة غائرتين، هكذا رآهما حينما وقفا تحت ضوءِ إنارة الشّارع، نادى على تاكسي كان يقف قريبا من الحانةِ، أجلسَ المرأة في سيارةِ الأجرة، شكرتْه المرأةُ، لكنه لمْ يردّ عليها، سارَ إلى بيته، وقال: رأيتُ في عيني المرأة بوْحاً على شفتيها، وقال: ربما أرادتْ أن تقول لي شيئا، رغم النظرات القاتلة، التي كانت تسددها لي، وفي الليلة التالية رأها تجلس في ذات الحانة، وفي الزاوية ذاتها، وكانت تترنح.. خرج مسرعا من الحانة، وقال: لا أريد أن أساعدها مرة أخرى، لأنها ليلة البارحة أرادت الولوجَ إلى قلبي، وأنا أُحِبُّ امرأةً أخرى..

بقلم/ عطا الله شاهين